بعد نضوب النفط سوف يشهد الشرق الأوسط حروبا ونزاعات بين الكثير من الدول بسبب المياه والأنهار العذبة، نبوءة أكدها الكثير من السياسيين بالعالم إذ إن خطط التنمية فى المنطقة سوف تعتمد على المياه فقط، وهو ما يفسر الهجوم التركى على الماء العراقى. «غنائم حرب» هكذا تعاملت تركيا مع جارتها العراق ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية، مستغلة ثرواتها ومنتهكة سيادتها فبعد أن أمنت حاجاتها من النفط العراقى اتجهت لاغتيال تاريخ أعرق حضارة فى العالم وهو نهر دجلة الذى وقع ثمنا لأحدث مشاريع تركيا العدوانية هو سد اليسو «الطاعون العثمانى». ضرب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، عصفوران بحجر واحد هما مياه العراق والأكراد، والحجر هو سد اليسو، ففى حالة اكمال السد ستتعرض مدن تركية يسكنها الأكراد لها قيمة تراثية عظيمة للغرق والتدمير، على سبيل المثال مدينة (حسن كيف) التراثية التى يعود زمنها الى أكثر من عشرة آلاف سنة، وكما سيعرض أكثر من 200 موقع اثرى للتدمير. ومنذ عام 1930 بدأت تركيا بالتخطيط لسد اليسو، وفى أواخر عام 2006 وضعت الحكومة التركية حجر الأساس وعلى بعد 50 كم عند الحدود العراقية، وتبلغ تكلفة المشروع مليارا و200 مليون دولار، وتبلغ مساحة بحيرة السد 300 كم مربع، وعند اكتمال السد سوف ينخفض المورد المائى بالعراق إلى 9 مليارات متر مكعب سنويا. اليسو ليس أول اعتداء من قبل تركيا على مياه العراق، إذ إنها تمتلك 91 سدا على نهرى دجلة والفرات لسد احتياجاتها من المياه والكهرباء، منها سد كيبان الذى بنى عام 1974 على الفرات وتلاه مشروع جنوب شرق الأناضول (الجاب) الذى بنى على أساس رفع المياه إلى مناطق حوضى دجلة والفرات بالرغم من ارتفاعها ووعورتها، ورصدت لها مبالغ طائلة لبناء ملحقاتها من سدود وأنفاق ونصب المحطات الضخمة لرفع المياه. اليسو هو أحد مشاريع جنوب شرق الأناضول (الجاب)، وألحق به سد اتاتورك على نهر الفرات الذى يعتبر خامس أكبر سد فى العالم، ثم مشروع سد جزرة التركى هو المرحلة التكميلية لسد اليسو، وتم إنشاء 22 سدا و19 محطة توليد كهرباء لتوليد 7500 ميجا وات. «إن مجرى النهر ملك مشترك لا يجوز لدولة حصرها لنفسها ومنع الشعوب المقيمة عليها فى الاستفادة منه)، هذا مبدء تشريعي دولي ينص عليه معظم الاتفاقات الدولية، ولكن للعنجهية والبلطجة التركية تاريخا فى عدم احترام مبادئ حسن الجوار فأمام أطماع أردوغان تنهار اتفاقيات الصداقة وبروتوكولات حسن الجوار الموقعة سنة 1946 حول تنظيم مياه دجله والفرات، والتى تعطى للعراق الحق فى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولى لحماية حصته من المياه. لهذا السد مخاطر جمة على مستقبل ومصير المياه الإقليمية العراقية، فقد أكد خبراء القانون والمتخصصون أنه يعد من أخطر المشاريع المائية التى تقيمها تركيا على نهر دجلة والذى سيتسبب فى وقوع كارثة مأساوية على الاقتصاد العراقى حيث سيمتص نصف مياه دجلة. وكورقة ضغط سياسية يستغل أردوغان هذا المشروع لثنى العراق عن توجهات سياسية لا ترغب فيها تركيا، والتى بالطبع لا تخلو من تعاطى العراق مع وجود حزب العمال الكردستانى فى شمال العراق، أو الأقلية التركمانية أو كركوك أو الطاقة وغيرها، وهى من الأمور التى تدركها تركيا أن المياه هى خير مدخل للضغط على الحكومة العراقية.