من العراق خرجت صور ومقاطع للفيديو، تؤكد انخفاض منسوب مياه نهر دجلة في مدينتي بغداد والموصل بشكل كبير، حتي أنه أصبح من الممكن عبور النهر سيراً علي الأقدام.. أما السبب فهو إعلان الحكومة التركية عن بدء ملء سد إليسو الذي تم بناؤه علي منبع النهر داخل الأراضي التركية وهو ما أدي لجفاف النهر علي الجانب العراقي وفي جانب آخر من العراق قطعت إيران مياه نهر الزاب الصغير عن محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، وهو ما تسبب في أزمة لمشاريع المياه وتدفقها في المحافظة ومدن عراقية أخري مجاورة لها. والأزمة.. تنذر بجفاف يحمل معه كارثة إنسانية وزراعية في القريب العاجل خاصة أن الآثار السلبية لبناء سد إليسو التركي لم تظهر بعد بشكل كامل.. ولكن سبقته مشاهد تنذر بالخطر وأبرزها مشاهد الجفاف علي طول امتداد نهر دجلة بعد دخوله الأراضي العراقية في عدة مناطق مع الحدود مع تركيا ووصولاً لنقاط تقاطعه مع نهر الفرات جنوبالعراق.. وصار مع ذلك المشهد معاكساً تماماً لما كان يحدث بالماضي حينما كان يفيض النهر بشدة وينذر بإغراق قري علي ضفتيه، وأصبح الآن في مرحلة الافتقار وهو ما سيؤدي كما تقول شبكة سكاي نيوز عربية.. إلي تغيير ديموجرافي سكاني وزراعي بسبب هجرة سكان منطقة الأهوار جنوبالعراق للمدن العراقية بحثاً عن المياه، إضافة لنزاعات قبلية حول الأرض والزراعة بمناطق متعددة عراقية. ومشروع سد إليسو التركي، هو ضمن مشروع تركي أكبر يعرف بمشروع جنوب شرق الأناضول، والذي بدأته تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي ويشمل بناء 22 سدا و19 محطة كهرومائية علي ضفاف نهري دجلة والفرات.. ومن بينها سد إليسو الذي يقع علي نهر دجلة قرب قرية تحمل اسمه جنوب شرق تركيا.. وهو سد يتم ملؤه وأمامه بحيرة مساحتها 300 كيلومتر مربع، ويتم تخزين ما يعادل 11 مليار متر مكعب من المياه فيه، وقد تم البدء في إنشائه منذ نحو 12 عاما والمقرر إتمامه خلال العام الحالي. والغريب أن مسألة سد إليسو وتخزين تركيا المياه فيه وانخفاض منسوب نهر دجلة تبعاً لذلك قد تزامن مع سعي إيران لتجفيف نهر الزاب الصغير، وهو أحد روافد نهر دجلة والتي تدخل العراق في محافظة السليمانية بإقليم كردستان وهو ما أدي لشح المياه بالمنطقة ونفوق كميات هائلة من الأسماك هناك. ولم تكتف إيران بذلك.. بل إنها قطعت عدة أنهار أخري عن جنوبالعراق وأهمها في مدينة العمارة ذات الكثافة السكانية العالية بالمنطقة والأراضي الزراعية الخصبة. وحسب وزارة الزراعة العراقية فإن إيران جففت نحو 42 نهراً كانت تجري داخل الأراضي العراقية وذلك عن طريق تغيير مساراتها نحو الأراضي الإيرانية كما أنشأت إيران 26 سداً علي نهري الزاب الصغير وسيروان وغيرهما.. والحصيلة المبدئية لذلك.. كما رصدته وزارة الزراعة والموارد المائية في العراق.. هو قطع المياه من مناطق واسعة عراقية إضافة لخسارة ثلثي الأراضي الزراعية بالعراق خاصة مع تشغيل سد إليسو التركي.. كما انخفضت المياه المتدفقة من الأراضي التركية وبالتحديد من منبع نهر دجلة بنسبة وصلت إلي نحو 50 بالمائة دفعة واحدة وحسب مدير مشروع سد الموصل العراقي رياض عز الدين في تصريح له لقناة السومرية العراقية.. فإن مستويات المياه التخزينية في سد الموصل انخفضت إلي نحو 3 مليارات متر مكعب عن العام الماضي الذي كان يصل لنحو 8 مليارات متر مكعب وأكثر.. علي الجانب الآخر.. حمل الأتراك الحكومة العراقية مسئولية التأخير في اتخاذ التدابير اللازمة لبناء سدود وخزانات للمياه لتأمين احتياجات العراق المائية والاستغلال الأمثل لها.. كما أعلن الرئيس التركي طيب أردوغان أنه لن يتراجع عن خطة ملء السد وأن السلطات العراقية تعلم ذلك منذ 10 سنوات.. وأن سد إليسو سيجعل من مناطق جنوب شرق تركيا أكبر المناطق الزراعية والسياحية ولتوليد الكهرباء في المنطقة كلها.. ورد العراق بالقول بأن تركيا قد باشرت بملء السد منذ مارس الماضي وأنها خالفت خطط التنسيق المسبق بين البلدين بخصوص ذلك.. وأن كميات المياه الواردة من تركيا قد انخفضت بشكل قياسي عن العام الماضي. والمؤكد الآن.. أن العراق سيكون أمام كارثة إنسانية وزراعية وبيئية طاحنة وأن القرار التركي بملء سد إليسو وبناء سدود جديدة قد يؤدي لتوتر العلاقات بين البلدين المتوترة أصلاً وليس من الأمس القريب فقط، بل منذ سبعينيات القرن الماضي عندما تم بناء سد كيبان أحد السدود الكبري جنوب شرق تركيا وسد أتاتورك في تسعينيات القرن الماضي، إضافة لإنجاز نحو 22 سدا علي نهري دجلة والفرات بنتهما تركيا بالفعل خلال ال30عاماً الماضية.. ويزيد الأمور تعقيداً أن العراق يعاني أزمة خانقة في المياه حالياً، وستزداد خلال الأعوام القادمة، خاصة أن نحو 47 بالمائة من مياهه تأتيه من كل من تركياوإيران وسوريا، وهو يحتاج لنحو 50 مليار متر مكعب من المياه سنويا يحصل علي 60 بالمئة منها من نهر دجلة فقط. وبالمقابل ترفض أنقرة الاعتراضات العراقية بالقول بأنها تخوض برنامجاً طموحاً في جنوب شرق تركيا، وهو البرنامج الذي يثير جدلاً واسعاً بين كل من العراقوإيرانوتركيا.. وهي الدول التي تتقاسم نهري دجلة والفرات ويزيد من مضي تركيا قدما في مشروعها ذلك، توتر العلاقات بينها وبين كل من إيرانوالعراق والأوضاع السياسية غير المستقرة داخل العراق منذ سنوات عديدة، وهو ما يؤكد أن التوتر المائي بين الدول الثلاث: تركياوالعراقوإيران، لم يبدأ بعد وما يدور حوله الآن ما هو إلا مجرد مؤشرات حول خطورة ما قد يحدث في المستقبل القريب، وإلا ستكون الحرب القادمة بينهم هي "حرب مياه بجدارة".