أخيرا وبعد غياب نصف قرن من الإهمال حتى تحولت إلى «خرابات» وتوقفت عجلة الإنتاج بدأت الحكومة فى تنفيذ أكبر خطة إنقاذ لشركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرىوكفر الدوار من خلال ضخ 27 مليار جنيه حصيلة بيع محالج أقطان تابعة لتلك الشركات لتعيد بذلك الدولة أمجاد القلاع الصناعية والتى طالما تغنى بها العالم لدرجة أن العالم كان يلقب مدينة كفر الدوار بمانشستر الشرق الأوسط تيمنا بمدينة مانشستر الإنجليزية قلعة الصناعة فى العالم آنذاك.. وبالتزامن مع خطة إصلاح شركات الغزل والنسيج قامت وزارة قطاع الأعمال بتسوية للمديونية التاريخية لتلك الشركات والبالغة 8 مليارات جنيه من خلال مبادلة لأصول من الأراضى لصالح بنك الاستثمار القومى الدائن لتلك الشركات. يرجع بعض شركات الغزل والنسيج فى نشأتها إلى أكثر من 100 عام حيث كانت البداية لبناء صناعة غزل ونسيج وطنية فى مصر على يد طلعت باشا حرب بتأسيس بنك مصر عام 1920 وتأسيس العديد من الصناعات الوطنية من خلال البنك كان من أهمها صناعة الغزل والنسيج وأولها إنشاء شركة «مصر للغزل والنسيج» فى المحلة الكبرى 1927 ثم تبعها تأسيس عدد آخر من الشركات فى مجال الغزل والنسيج. وفى عهد الرئيس جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو 1952 واتجاه الدولة للنهوض بالصناعة تم التوسع فى إنشاء مصانع للغزل والنسيج فى جميع أنحاء الجمهورية وركزت الدولة على التوسع فى زراعة القطن ليصل إنتاج مصر من القطن طويل التيلة فى الستينيات إلى 12 مليون قنطار يتم تصنيع 6 ملايين منها وتصدير الباقى لتصل صادرات النسيج إلى نحو 25٪ من الصادرات، وتتحول مدينة كفر الدوار بالبحيرة والمحلة الكبرى التى تتركز بها معظم مصانع ومحالج الغزل والنسيج إلى إحدى القلاع الصناعية ليطلق عليها «مانشستر الشرق الأوسط» ذات سمعة عالمية لجودة المنتج المصرى الذى يخرج منها. ومع تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات كان له انعكاس على الشركات العاملة فى مجال الغزل والنسيج الحكومية وعددها 32 شركة يتبعها أكثر من 50 مصنعًا وما يقرب من 40 محلجًا للقطن ولكن كان تأثيرًا محدودًا ولكن فى منتصف الثمانينيات والتسعينيات بدأ يعانى قطاع الغزل والنسيج حالة من التدهور الملحوظ وتراجع حاد فى الأداء عاما تلو الآخر للتراكم مديونيات هذه الشركات لتصل إلى نحو 45 مليار جنيه وحجم خسائر سنوية تصل إلى 3 مليارات جنيه للتحول قلاع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرىوكفر الدوار إلى مجرد ماضى. وترجع الأسباب الأساسية إلى تدهور أغلب مصانع القطاع وتوقف بعضها إلى عدم ضخ استثمارات بها أو حتى الاهتمام بتطوير وتحديث المعدات والآلات وتقادم أغلبها حيث يرجع إنشاء بعضها إلى العشرينيات، وأيضا كان قانون 210 لعام 1994 الخاص بتحرير تجارة القطن بمثابة الضربة القاضية لشركات الغزل والنسيج وأدى تفاقم مديونياتها نتيجة لعدم قدرتها على الحصول على القطن بأسعار مدعمة وبالكميات التى تحتاجها وارتفاع سعر القنطار وقتها من 100 جنيه إلى 500 جنيه ورفعت الدولة يدها من مهمة توفير القطن للشركات وتراجع أيضا دور وزارة الزراعة فى الاهتمام بزراعة القطن طويل التيلة، إلى جانب زيادة العمالة فى هذه المصانع عن الحاجة ليصل العاملون بالشركات التابعة للغزل إلى 60 ألف عامل وأغلب الشركات لا تستطيع تدبير قيمة رواتب العاملين حتى حصلت على دعم 100 مليون جنيه شهريا من صندوق إعادة الهيكلة لتسديد الرواتب، وتصل أجور العاملين بشركات الغزل والنسيج إلى 2,5 مليار جنيه سنويا. مع توالى الأزمات التى تسببها شركات الغزل والنسيج لقطاع الأعمال أقر خلالها بالحاجة الملحة لإعادة هيكلة هذا القطاع الحيوى وضرورة إنقاذه من الانهيار، وتمثل ذلك فى التعاقد مع مكتب «وارنر» الأمريكى للاستشارات لعمل دراسة لإعادة هيكلة وتطوير 25 شركة من أصل 32 تابعة للقابضة للغزل، وبدأ المكتب مهمته فى شهر يناير 2016 وانتهى منها فى مارس 2017 وحصل المكتب على مليون دولار نظير الدراسة. ووفقا للدراسة «وارنر» قدر احتياج عمليات تحديث وتطوير الشركات إلى 9 مليارات جنيه قبل التعويم واقترح تدبيرها من خلال بيع أراضى محالج القطن غير المستغلة، وتضمنت الدراسة إعادة هيكلة شاملة سواء فنية ومالية أو إدارية وتسويقية، كما تمثلت أبرز توصيات المكتب فى إنشاء خطوط إنتاج جديدة فى شركات كفر الدواروالمحلة الكبرى وتحديث شامل بماكينات الإنتاج الحالية.