يسعي الإسلام إلي الحفاظ علي علاقة المسلم بأهل بيته وأقاربه وأصدقائه وجيرانه وقد أوصي الرسول عليه الصلاة والسلام المسلمين باحترام الجار ومؤازرته في حالات الفرح والحزن باعتباره من الأهل والأقارب وورد عنه إنه قال : مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت انه سيورثه . ولابد أن يدرك المسلم ما للجار من حق عليه فكما قال الرسول الكريم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن جاره" وكما حذرنا الرسول عليه الصلاة والسلام من إيذاء الجار واعتبر ذلك ليس من الإيمان وذلك عندما قال :" والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن " قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " جار لا يأمن جاره بوائقه " قالوا : وما بوائقه ؟ قال : " شره " ،وكذلك قال صلي الله عليه وسلم " ( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاةٍ ) ويعد حق الجار في شهر رمضان أوجب وألزم حيث الصلة وزيادة المودة ومؤازرة المحتاج ، فيكون الجار أوجب علي المسلم في المعونة، لكن هل إذا اضاع المسلم حق جاره يؤثر ذلك في صومه؟ بداية تشير فتوي للدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة والقانون بالأزهر سابقا إلي أن الأصول الشرعية في حق الجار تعد التزامًا دينيا في كل الشهور والأيام ولكنها تزداد في شهر رمضان الكريم حيث تضاعف الثواب بالإضافة إلي أن الصائم لابد وأن يتحلي بالأخلاق الفاضلة والأخلاق الإسلامية وألا يؤذي جاره، ويخشي علي المسلم عدم قبول صومه حال إيذائه جاره ، خاصة أن الصوم هو علاقة بين العبد وربه والله يعطي الجزاء وهو الذي يقدره . بينما تؤكد الدكتور مهجة غالب أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بكلية البنات جامعة الأزهر إنه بمجرد ظهور هلال شهر رمضان يلبي المؤمنون أمر الله تبارك وتعالي فيصومون ، وكما يقول الله تعالي " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون " وإذا تأمل المسلم ختام الآية الكريمة علي أنه يجب أن، نجد من شهر رمضان زادًا للتقوي والتقرب إلي الله . وأشارت غالب إلي أن الصيام لايعني فقط الامتناع عن الطعام والشراب بل يشمل مراقبة الله له في كل شيء فيمتنع عن كل ما نهي الله عنه ، وحتي يراعي كل إنسان ربه من خلال عمله وبيته وجيرانه وكما قال الرسول صلي الله عليه وسلم مشيرة إلي إنه كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ، وكما يقول رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم - في حق الجار :" والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن " قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " جار لا يأمن جاره بوائقه " قالوا : وما بوائقه ؟ قال : " شره. وأوضحت غالب أنه ليس معني عدم الإيمان هو الخروج عن ملة الإٍسلام ولكن المراد به أن الإنسان الذي يؤذي جاره بشتي أنواع الإيذاء يعتبر غير كامل الإيمان ويعتبر مسلمًا عاصيا وقد جاء رسول الله بهذا التعبير ليؤكد ضرورة حق الجار ، مضيفة إن للعلماء أقوالاً كثيرة في حق الجوار فقيل من سمع النداء ( أي سمع نداء المسجد في الأذان ) فهو جار وقيل من صلي معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار وعن عائشة رضي الله عنها قالت حد الجوار 40 دارًا من كل جانب ويبين لنا رسول الله إن للجوار حقًا ويكون لأقرب الأبواب فعن عائشة رضي الله عنها قالت "قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلي أيهما أهدي قال إلي أقربهما منك بابا فالحكمة من الأقرب لإنه يري ما يدخل البيت بخلاف الأبعد ولذلك فيجب علي الإنسان أن يكرم جاره وأن يحافظ عليه سواء كان في رمضان أو غيره وبما أن رمضان هو شهر الخير والبركات والرحمات فيجب علي الجار مراعاة جاره في كل شيء في رعايته بالاطمئنان عليه في المأكل والمشرب وكذلك في الصوم وضرورة وده وتبادل الدعوات والقربات إلي الله . وتري د. مهجة أنه تجب رعاية الجار في كل شيء وفي كل وقت وخاصة في رمضان في الوقت الذي يقترب منه المؤمن إلي الله حيث لابد من أن يراعي المؤمن حق جاره لإن الصيام مدرسة خلقية يتدرب فيها المؤمن ويقاوم فيها الأهواء ونزعات الشياطين . وتؤكد أنه علي المسلم ألا يعتدي علي جاره ولا يروعه لان من يفعل ذلك يكون قد اعتدي علي حق الجار وهذا منهي عنه سواء في رمضان أو غيره والمسلم الذي يفعل ذلك يكون قد عصا ربه ويكون ليس له من صومه إلا الجوع والعطش . منافاة الصوم من جانبه يقول الدكتور أحمد يوسف سليمان رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم إن العدوان علي حق الجار قد لا يؤثر في صحة الصيام من حيث الشكل ولكن الغرض من الصيام أن يصوم شكلا وموضوعا ولكن الاعتداء علي حقوق الجار وتعمد أذاهم فإن هذا سيؤثر علي ثواب الصيام ومن المفترض أن الفرد يبحث عن الحصول علي أجر الثواب كاملاً سواء كان شكلاً أو موضوعا . كما يوضح الدكتور رشاد خليل عميد كلية الشريعة والقانون السابق بجامعة الأزهر - أن الإسلام عندما جاء بتشريعاته العادلة في مجال الرعاية الإجتماعية والترابط والتراحم فهذا منهج عادل ومستقل في عنايته بجميع العلاقات بين الأفراد في الإسلام المتشعبة وخاصة العلاقة مع الجار وحقه كما جاء في النظام الإسلامي حيث إهتم به اهتمامًا بالغًا، فأقر الإسلام بضرورة تكافله والتكافل هنا ليس معناه التكافل المادي فقط ولكن التكافل الأخلاقي والإنساني وتحقيق الترابط مع الجار ، مشيرا إلي ان الإسٍلام قد أوصي بالجار الغريب والبعيد في كثير من آياته كما قال الله تعالي "وأطيعوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربة واليتامي والمساكين" وكما أوصي الرسول بالجار حينما قال "ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع " " وخير الأصحاب عند الله خير لصاحبه وخير الجار عند الله خير لجاره " ويؤكد رشاد أن الإسلام له نظرة كبيرة في حق الجار فلم يفرق الإسلام بين مسلم وغير المسلم فعن عبد الله بن عمر أن غلامًا قال له عبدالله إنه يسلخ شاة فقال له لاتنسي جارنا اليهودي ويظل يلح عليه بألا ينسي جارهم اليهودي فقال له متعجبا كيف يقول هذا فقال له إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يقول أنه مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت إنه سيورثه " ويوضح أن النبي صلي الله عليه وسلم قال إن الجيران ثلاثة الأول من له حق واحد وهو أدني الجيران ويعتبر هو الجار البعيد أو الجار المشرك أما الجار الذي له حقان فهو الجار المسلم وهو له حق الجوار ومن له الثلاثة حقوق هو الجار ذو صلة الرحم فالإسلام جعل له حقًا في الشفعة . ويشير الدكتور رشاد إلي أن حق الجار ثابت ومؤكد وهذه الأمور من مسلمات الإسلام فإذا جاء شهر رمضان شهر البر والمواساة فلابد أن تتضاعف هذه المعاني ويكون لها قيمة في الصيام ويأخذ بها المسلم . ويوضح رشاد أن الصيام ما كان معناه اللغوي ينعكس علي معناه الشرعي فهو له مطلق الإمساك عن الإيذاء وارتكاب المحرمات والوقوع في المعاصي والآثام وفي هذا الجانب لابد من رعاية الجار ولابد من أن أمسك عن شهوات البطن وكذلك عدم إيذاء الغير وخاصة الجار وكأنه بمثابة الوارث كما قال الرسول إن إيذاء الجار من الكبائر والآثام التي تستوجب عقاب الله ويوقع في المهالك ومثلها مثل ثواب الصوم والصلاة وبالتالي لابد من ان يكون للجار نصيب وحقوق وحتي في الصلاة التي تجمع بينهم بحيث يبتعد المسلم عن كل ما يؤذي جاره أو يضايقه.