أصبح العنف ظاهرة تسود مجتمعنا اليوم.. ولأتفه الأسباب تقوم المشاجرات بين الجيران والأصدقاء والأقارب.. ما الذي حدث حتي تتحول خلافات عادية بين الجيران إلي مشاجرة كبيرة وخناقات ومحاضر شرطة واعتداءات متبادلة وسباب إلي آخره قطرة ماء علي غسيل الجيران قد يصل الخلاف بسببها إلي درجة ارتكاب جريمة.. لعب أطفال قد يصل إلي مآساة يروح فيها ضحايا ويفقد الجميع الإحساس بالآمان ويشتعل الغضب في النفوس. والأمر لا يقتصر علي الأحياء الشعبية بل يحدث في الأحياء الراقية ايضا وربما بسبب ركن سيارة أو أشياء مشابهة لنبدأ مع رصد لبعض هذه الخلافات وما ينتج عنها. فقد لقيت ربة منزل مصرعها وأصيب 9 آخرون في مشاجرة عنيفة بينها وبين جارتها امتدت إلي باقي الجيران بسبب سقوط مياه الغسيل من شرفة إحداهن علي شرفة الأخري مما أثار حفيظتها ونشبت بينهما مشادة كلامية تطورت إلي مشاجرة تدخل علي أثرها زوج الأولي وتشاجر مع الثانية وضربها بحجر فوق رأسها عدة مرات حتي فارقت الحياة. واستعان أهل المجني عليها بأقاربهم ودارت مشاجرة عنيفة استخدم فيها الطرفان السكاكين والمطاوي أسفرت المعركة عن إصابة 9 أشخاص بإصابات وجروج شديدة. كما شهد حي الزيتون جريمة قتل بشعة راح ضحيتها أم وطفلها بينما ترقد طفلتها بين الحياة والموت أوضحت التحريات أن المتهم أعترض علي لعب الطفلين في شقتهما مما يسبب له إزعاجاً. وفي ليلة رعب بالسنطة خلافات الجيرة أصابت الشقيقين ووالدتهما بالطعنات. وبسبب المزاح الثقيل مزق الطالب وصديقاه جارهم الميكانيكي بالمطاوي. وفي مركز اطسا بالفيوم لقي أب مصرعه بطلق ناري في مشاجرة نشبت مع جاره بسبب لعب الأطفال. وفي القليوبية سقط 6 مصابين بإصابات خطيرة بأعيرة نارية عندما قام مهندس بإطلاق الأعيرة النارية عليهم بسبب لعب الأطفال. تحول العلاقات في تحليل لما يحدث تشير الدكتورة زينب عفيفي - أستاذ علم الاجتماع - إلي أن هناك تحولا في مستوي العلاقات بين الجيران والذي أدي إلي القطيعة والجفاء وعدم وجود ترابط وتآزر كما كان موجوداً في القري والمدن ولكن حجم الجرائم التي وقعت بين الجيران والتي اختلفت وتنوعت ما بين قتل عمد واغتصاب وهتك عرض ولم يفرق بين القرية أو المدينة علي حد سواء بسبب انتشار العولمة والتشبة بالغرب حتي اختفت العلاقات الأولية بين الجيران وأصبحوا ينظرون إلي بعضهم علي أنهم مصدر إزعاج ويخشون الاقتراب من بعضهم في المناسبات مثل الأفراح والأحزان وتوجه الجميع نحو الفردية والذاتية وأصبحت العلاقات بين الجيران تتصف بالبرود واختفي التضامن بين الأفراد. الشعور بالظلم وترجع الدكتورة زينب محمد منير - الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية - تزايد معدلات العنف وغياب التسامح بين الناس إلي عدة أسباب لعل من أهمها الإحساس بالظلم والقهر وغياب العدالة وتفضيل البعض وانتشار المحسوبية وارتفاع تكاليف المعيشة والفقر وغياب الوازع الديني لدي الكثيرين واقتصر الدين علي المظهر الخارجي ورغم أن الأديان تدعو للتسامح ومقابلة الإساءة بالإحسان. وقالت إن من العوامل المؤثرة الزحام في المسكن وتدني المستوي المعيشي للأحياء وانتشار التلوث والقذارة انعكس كل هذا علي سلوكيات الأفراد وتطورت بشكل ينذر بكارثة وظهرت في القتل العمد وهتك العرض والاغتصاب بالرغم من أن أسباب هذه المشاجرات لا تزال تافهة ولا ترقي إلي هذه الجرائم مطالبة بضرورة زيادة الوعي لدي المواطنين بأهمية التمسك بالقيم الدينية السمحة والعادات المصرية الجميلة وروح المحبة التي كانت سائدة في المجتمع. وهي دعوة لصناع السينما والدراما بالمحافظة علي القيم وإبراز النماذج المضيئة والبعد عن كل ما يسئ. منهج إسلامي وأكد الدكتور محمود فؤاد شاكر - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس - أن الإسلام لم يترك شيئاً إلا ووضع له منهجاً حتي نأخذ الأجر من ربنا إلي صنائع الخير والتعامل بخير والسعي إلي نشر الخير. مضيفاً أن العلاقات بين الناس تتحرك من خلال نظم ولوائح إسلامية أقرها الإسلام ودعا إليها وبشر أصحابها إلي مزيد من الأجر عند الله سبحانه وتعالي وإلي مزيد من المحبة في الأرض بين عباد الله والجار لا يقصد به جار المسكن وفقط وإنما الذي يجاورك في مكتبك فهو جارك والذي يجاورك في الحافلة وأنت ذاهب إلي عملك والذي يجاورك في مجلس علم فهو جارك. ويؤكد أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - أوصانا بحسن الجوار وجاء في الصحيح أنه كان يوصي بالجيران حتي قال الصحابة "أنا ظننا أنه سيورثه" يعني سيجعل للجار ميراثاً مع جاره. وقال أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - قسم الجيران إلي أقسام: جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم الذي تربطه بك صلة رحم فيكون جاراً قريباً في رحمه مسلماً في دينه مجاوراً لك في مسكنك وهذا له ثلاثة حقوق. وجار له حقان الجار المسلم الذي ليس من صلة الأرحام يعني عقيدته الإسلام ويجاورك في مسكنك فهذا له عليك حقان وجار له حق واحد وهو الذي يجاورك في بيتك وهو ليس علي دينك وليس من أقاربك. واعتبر الرسول - صلي الله عليه وسلم - حسن معاملة الجار إيماناً بالله ورسوله فقال فيما جاء في الصحيحين: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلي جاره". وشدد علي ضرورة تأصيل هذه المعاني فيما بيننا في الجار ذي القربي والجار الجنب كما أوصانا كتاب ربنا ورسول الله. حقوق الجار وتشير الدكتورة إلهام فتحي شاهين - الأستاذ بجامعة الأزهر - إلي أن إعطاء الجار حقه هو شعبة من شعب الإيمان فالإنسان لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا كان جاره يأمنه ويعرف للجار حقه وقد قال الرسول - صلي الله عليه وسلم -: "لا يؤمن عبد حتي يأمن جاره بوائقه". وقد جاء رجل إلي ابن مسعود رضي الله عنه فقال له أن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق علي فقال: أذهب فإن هو عصي الله فيك فاطع الله فيه. وقيل لرسول الله أن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها فقال: هي في النار. فالصلاة والصوم تقتضي أن نؤدي حقهما برعاية الجار والإحسان إليه إضافة إلي تحمل الأذي منه فإذا لم يؤد الإنسان حق جاره فإنه يطرح في النار وأن صلي وصام فلن يغنيه هذا عن حق جاره لأن الصلاة والصوم بين الإنسان وربه وهذا يمكن أن يسامح الله فيه أما حق الجار فهو من حقوق العباد التي لا يمكن أن يسامح الله فيها والتي تجعل صاحبها من أصحاب النار. ويقال أن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة فيقول يارب سل هذا لما منعني معروفه وسد بابه دوني. وتضيف أن من حسن معاملة الجار ما روي قديماً فقد كان في دار أحد الصالحين فئران كثيرة فقيل له لم لا تقتني هرة فقال أخشي أن يسمع الفأر صوت الهر فيهرب إلي دار الجيران فأكون قد أسأت إليهم وأحببت لهم ما لا أحب لنفسي. وتشير د. إلهام إلي حقوق الجار تجاه جاره وتقول: أن يبدأه بالسلام وألا يطيل معه الكلام ولا يكثر السؤال عن أحواله وأحوال أولاده ويزوره في المرض ويعزيه في المصيبة ويهنئه في الأفراح ويشاركه فيها بكل ما يستطيع. ويصفح عن أخطائه وأخطاء أبنائه وألا يتجسس عليه ولا يتحدث عن شيء يسيء إليه مما اطلع عليه ومما عرف عنه. ولا يضع شيئا يؤذيه أمام بيته أو حديقته أو أي مكان يضايقه ولا يضيق عليه مدخل بابه ولا الطرق المؤدية إلي بيته ولا ينظر إلي ما يحمله إلي أهله وداره. وأن يغيثه إذا استغاث به ويلاحظ بيته في غيبته. لا يقبل أن يسمع عليه كلاماً. أن يغض بصره عن حرمته لا يديم النظر إلي خادمه أو خادمته. وأن يتلطف مع أبنائه في الكلام. ضرورة أن يرشد أبناء جاره إلي ما يجهلونه من أمور الدين والدنيا وأن طلب منه قرض أن يقرضه وأن اصابته فاقه وفقر رد عليه من فضل ماله وأن اشتري شيئاً أهدي له منه فإن لم يهد له منها فليجعلها تدخل بيته سراً. لا يخرج أبناؤه بأشياء يغيظ بها أبناء جاره أو قد يعلم أنهم لا يستطيعون الإيتان بها. إن عمل أو طهي طعاما له رائحة أن يهدي له منها. وقال أبوذر رضي الله عنه: "أوصاني خليلي صلي الله عليه وسلم وقال: إذا طبخت قدرا فأكثر ماءها ثم أنظر بعض أهل بيت في جيرانك فاغرف لهم منها.