«النبى وصى على سابع جار».. مثل شعبى مصرى صميم، يلخص حالة الألفة والمحبة بين الجيران من منطلق دينى واجتماعى تربى عليه المصريون جيلا بعد جيل، وإعمالا لحديث الرسول الكريم الذى قال: «مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».. لكن مع انحسار هذه العلاقة الحميمة بين المتجاورين، بات المجتمع المصرى يعانى عرضا خطيرا وهو افتقاد الألفة والإحساس بالأمان، والسبيل الوحيد لاستعادة هذه المعانى الجميلة هو العودة لتوطيد أواصر الجيرة. نشأته فى حى شعبى خلقت بداخله رغبة فى أن يكون دائم التواصل مع «أهل حتته» وعن ذلك يقول الفنان التشكيلى طه القرنى: «لو تأملنا جيران الحتة الواحدة، نجد أن لهم قانوناً واحداً وإطارا أخلاقيا واحدا مغلفا بحالة من التدين، همومهم واحدة، ثقافتهم التهادى فى المواسم والتكافل الاجتماعى، وهو ما نجده فى كل أحياء مصر لكن الصورة تختلف فى كل حى وفق ظروفه ومقوماته، لأننا بطبعنا شعب التحامى، حتى فى تصاميم البيوت هناك تجاور وتقليد محبب، وهذا يخلق نوعا من الألفة والود، وأنا لست مع الأقوال الزائفة التى تزعم بأن «ماعدش فيه جيرة»، والدليل هو المشاريع الاجتماعية التى نراها فى الأحياء الشعبية كفكرة الجمعية التى تعد نوعا من الاقتصاد المبنى على حسن الجوار، و«كذلك مشاريع النظافة التى يتولاها شباب حى واحد». الفنانة سميرة عبدالعزيز، رغم استقرارها فى القاهرة منذ سنوات طويلة فإنها مازالت على علاقة بجيرانها فى حى رشدى بالإسكندرية وتقول: «مازلت على اتصال دائم بجيرانى هناك وعندما أذهب للإسكندرية لابد من زيارتهم لأنها عشرة أيام طويلة وعلاقة قامت على الود والاحترام والتآخى، فالجار هو أقرب شخص للانسان، ولا أستطيع أن أنسى موقف أحد جيراننا عندما تعبت والدتى وأردت الذهاب بها للمستشفى فصعد إلينا وحملها على كرسى إلى العربية وظل معنا ولم يكن جارا حميما ولكنه تصرف بإنسانية شديدة». وقالت: «طبيعة الموقع سواء كان حياً شعبياً أو راقياً ليس له دخل فى علاقة الجيرة لأنها ترجع لطبيعة الإنسان، فأنا و4 عائلات من البيت الذى أسكن فيه وهو فى حى هادئ نرتبط مع بعض بعلاقات جيدة ونود بعضنا من حين لآخر، ومازالت إحدى جاراتنا تحرص على أن تهادينا طبقاً عندما تطبخ أكلة حلوة، لكننا أيضا لسنا مع التداخل الزائد على الحد فى علاقة الجيرة». دكتورة أمينة بدوى، مدرس علم النفس بجامعة بنها تقول: نحن نسير فى دائرة مفرغة، نتحدث عن القيم وافتقادنا لها والجيرة وعن عدم شعورنا بالأمان وانتشار الأنانية، دون أن ننظر لأنفسنا وماذا نفعل وهل نحن مقصرون أم لا؟ فالإنسان يمر بهذا التخبط لأنه ابتعد عن فطرته ككائن اجتماعى لا يستطيع العيش فى عزلة، وانشغل بذاته وكيف يؤمنها، والحل بسيط وهو أن نبدأ بأنفسنا ونعود إلى طبيعتنا وإلى الدين لأن الدين فيه منهج سليم لتنظيم هذه العلاقات الإنسانية التى أوصى بها الله عز وجل. محمود خيرى، موظف على المعاش، قال: «عندما تعرضت أسرتى لحادث تسمم، كان أقرب باب أدق عليه هو باب جيرانى، وقاموا بنقلنا إلى المستشفى فى الفجر، فهذه الواقعة لا أنساها حتى اليوم، لكن هناك جيراناً فى منتهى السوء لا يراعوا حرمة الجار أبدا». وائل سيد، محاسب، قال: جارى هو صاحب عمرى وأخويا لأننا تربينا مع بعض، لكن دلوقتى نمط الحياة تغير وأثر على الروابط القوية بين الناس حتى الأهل، يمكن مازال بداخلنا - كجيل فى الثلاثينيات - رواسب من تلك الروابط لكن الخوف على أولادنا من أن يعيشوا فى عزلة حقيقية.