بعد قيام ثورة مصر بدأ أبناؤها من العلماء في تقديم المشورة والمشاريع العملاقة طواعية لفتح الطريق نحو الازدهار الاقتصادي حتي نستطيع الخروج السريع من حالة الانكماش التي عانينا منها لعدة عقود. علي رأس هؤلاء العلماء الدكتور فاروق الباز مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية وعالم الفضاء بوكالة ناسا الأمريكية. «روزاليوسف» حاورته حول بداية مشواره العلمي وهواياته في المرحلة الجامعية ونظرته المستقبلية لمصر بعد الثورة وأهم ملامح مشروعه العملاق «ممر التنمية والتعمير» والذي تقدم به منذ سنوات بغرض إنشاء طريق بالمواصفات العالمية في صحراء مصر الغربية يمتد من ساحل البحر المتوسط شمالاً حتي بحيرة ناصر في الجنوب، وعلي مساحة تتراوح بين 10 و80 كيلو متراً غرب وادي النيل ويفتح هذا الممر آفاقاً جديدة للامتداد العمراني والزراعي والصناعي والتجاري فإلي نص الحوار: ما تأثير أسرتك في تفوقك العلمي؟ كان لوالدي أثر بالغ لاحترام العلم والمعرفة ودوام القراءة مدي الحياة، وكان يحثنا أنا وإخوتي الثمانية دائماً علي نقل العلم والمعرفة للآخرين بمقولته التي كان يقولها لنا «من يعلم فعليه أن يعلم الناس وإلا فلا نفع في علمه»، أما والدتي فكان لها أكبر الأثر في تعليمي كيفية التعامل مع الناس واحترام كل فرد بغض النظر عن الوظيفة أو المكانة، فمثلاً عندما كان يزورنا ضيف للغداء أو العشاء كانت تطعم السائق قبل الضيف، وتحدث الباعة الجائلين بكل احترام وإجلال. ما أهم هواياتك في المرحلة الجامعية؟ كانت ممارسة الرياضة أهم هواياتي في المرحلة الجامعية، وعندما كنت بالسنة الثالثة بكلية العلوم جامعة عين شمس شارت في فريق الملاكمة والهوكي، وكنت رئيساً لفريق كرة القدم. وماذا عن بداية مشواركم العلمي؟ -بدأ مشواري العلمي باستخدام الصور الفضائية لتفسير الظواهر الجيولوجية عندما التحقت بوكالة «ناسا» في عام 1967 لدراسة تضاريس سطح القمر لاختيار أنسب المواقع لهبوط رواد رحلات أبوللو ابتداء من عام 1969 حتي عام 1972، واتضح لنا أن الوسائل التي استخدمناها في هذا العمل تفيد أيضاً في دراسة تضاريس الأرض من خلال صور تؤخذ من المدار، وهكذا استمر تصوير الأرض وكواكب المجموعة الشمسية الأخري لدراسة تضاريسها ومقارنة بعضها بالبعض. ما أهم محطات نجاحك؟ المشاركة في مشروع أبوللو حيث تم اختياري سكرتيراً للجنة اختيار مواقع الهبوط علي سطح القمر ورئيساً لتدريب رواد الفضاء في الملاحظات والتصوير من مدار القمر، والمحطة الثانية هي بداية التحاقي بمعهد سمثسونيان بواشنطن كمدير لمركز دراسات الأرض والكواكب في متحف الطيران والفضاء في عام 1982، وقضيت العشرة أعوام التالية في دراسة الصحراء وزرت جميع صحراء العالم وخاصة الصحراء المصرية وبعد ذلك التحقت بجامعة بوسطن عام 1986 لإنشاء وإدارة مركز أبحاث الفضاء لتطبيق المعلومات الفضائية في علوم الجيولوجيا والجغرافيا والآثار. ما شعورك عند قيام الثورة المصرية ويوم تنحي الرئيس المخلوع؟ -شعرت بالفخر والاعتزاز بشباب مصر لثورتهم المباركة وأبلغتهم ذلك في بدايتها وأسعدني كثيراً الالتزام بالمطلب الأساسي وهو تنحي الرئيس السابق، وعدت إلي الوطن مراراً لدعم الثورة وإرساء الأمل في نتائجها لمستقبل أفضل. ما دوركم في مساندة الثورة؟ -قامت الثورة بواسطة شباب مصر علي أرض الوطن، ولم يكن لدي كل من يعيش خارج الوطن إلا الدعم المعنوي والتشجيع علي الثبات في المبادئ والحوار، إضافة إلي ذلك تمكنت من شرح أهداف الثورة المصرية في أمريكا وخاصة في بلدة «بوسطن» التي يقطن فيها معظم مستشاري الحكومة الأمريكية وذلك بغرض دعم الثورة. ما رأيك في الثورة المضادة التي قام بها فلول النظام السابق لإجهاض ثورة 25 يناير؟ -الثورة المضادة والحركات الحالية هي توابع لزلزال الثورة وأعتقد أنها جميعاً لن تنجح في تغيير مسار الثورة لأن شباب مصر قادر علي المسيرة في الاتجاه الصحيح. هل تؤيد إنشاء أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية مثل حزب الحرية والعدالة للإخوان المسلمين؟ -نعم، ولابد من البدء في إنشاء أحزاب جديدة لأن العمل السياسي لابد أن يكون نابعاً من عمل شعبي عام في جميع أنحاء الوطن، وأري أن ظهور الجماعات الدينية علي الساحة السياسية ظاهرة طبيعية جداً، لأن العهد البائد كان السبب في تقييد حريتها ومحاصرتها وبالتالي فلها كل الحق الآن في إبداء رأيها لأن الحرية والديمقراطية لا تمنع أحداً من هذا الحق، ومن يخاف من حصول هذه الجماعات علي الأغلبية فعليهم أن يعملوا جاهدين علي إقناع الناس بأنهم الأفضل وذلك بالعمل الدءوب والمثابرة في إصلاح حال المجتمع. ما تصوركم لتحقيق الشفافية في انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلسي الشعب والشوري المقبلة؟ -لاشك أنه من الآن فصاعداً سوف يتم كل شيء في شفافية كاملة ولن يستطيع أي مغرض احتكار الأصوات الانتخابية أو تضليل المنتخبين، لقد أفاقت مصر ولن ترجع إلي عصر الغيبوبة. من المرشح الأفضل للرئاسة في مصر من وجهة نظرك؟ -أرشح من يعلن عن أفضل برنامج انتخابي، وعلينا ألا نختار أسماء ولكن يجب أن نختار أحسن برنامج يؤمن مستقبل مصر لأن من يقدم ذلك هو أحسن المرشحين للفترة المقبلة. ما تصورك للمستقبل في مصر بعد الثورة؟ - سوف تنهض مصر لتلعب دورًا ملموسًا في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي والعالم بأسره، ولا شك عندي من أن شباب مصر نساءً ورجالاً سوف يحرصون علي أرضها وسمعة أبنائها ومستقبل أجيالها. ما الدور الذي تقوم به مؤسسة فاروق الباز للتنمية والتعمير وما مصادر تمويلها؟ - ليس لي أي دور في إنشاء مؤسسة باسمي والذي فعل ذلك عدد من طلبة جامعة الزقازيق، ولأنني مهتم بدعم شباب الجامعات قبلت أن أكون مستشارًا لهم لدعم إنشائها. وعندما سمعت مؤخرًا أن المؤسسة تجمع المال نصحتهم ألا يفعلوا ذلك لأن فيه خطراً جسيماً، وأنا لا أحب أن يدخل اسمي في مشروع يتضمن جمع المال من أي مصدر ولأي سبب. متي راودتك فكرة مشروع ممر التنمية، وحدثنا عن تفاصيل المشروع من حيث الوقت الذي يستغرقه، وحجم العمالة التي يتم تشغيلها، وتكلفته والعائد المادي المتوقع؟ - في أوائل ثمانينيات القرن الماضي بدأت في إعداد خريطة مصورة لمصر بالكامل من خلال الاستعانة بصور القمر الصناعي «لاند سات» وعندما اكتملت الخريطة تصورت ممر التنمية لربط كل المدن الكبري في مصر بطريق جديد وخطوط سكة حديد وكهرباء وأنبوب ماء لشرب الإنسان وتوفير الخدمات الرئيسية علي طول الممر لأن التنمية الاقتصادية تلزمها وسائل النقل المتقدمة، ومن المتوقع انتهاء المحاور العرضية من 12 إلي 15 محورًا في الخمس سنوات الأولي، ثم الممر الطولي في الخمس سنوات التالية. وذكر خبراء في الإنشاءات أن المشروع يوفر نصف مليون وظيفة في مرحلة الإنشاء هذه. وتم دراسة التكلفة بواسطة خبراء مصريون في وزارة التخطيط منذ سنوات وتبين أن البنية الأساسية بأكملها تحتاج إلي 24 مليار دولار، أما عن العائد فلا توجد تقديرات محددة حتي الآن لأن الممر يخدم كل تنمية متوقعة غرب النيل إلي الأبد. ما دور مشروع «الممر» في تنمية الاقتصاد المصري وتغيير الخريطة السكانية؟ - أهم منافع المشروع هو الحد من البناء علي أرض النيل الخصبة وفتح مساحات شاسعة للعمران غرب النيل لإقامة المدن والقري الجديدة إضافة إلي زيادة الرقعة الزراعية في وادي النيل إلي حدود الهضبة التي تحيط بالوادي. وما ردك علي المشككين في هذا المشروع العملاق؟ - لكل فرد الحق في إبداء رأيه، وليس هناك أي مشروع في الدنيا يوافق عليه كل الناس أو يتفق علي أولويته كل الخبراء. هل سبق لكم عرض هذا المشروع العملاق علي النظام السابق وماذا كان الرد؟ - عرضت المشروع عام 2005 علي الناس في محاضرات علمية وعامة ومقالات لأنني أعتقد أنه مشروع لمصر وليس لأي حكومة، وبعد فترة طلبت مني الحكومة أن أعرضه علي الوزراء المختصين وفعلت ذلك، وكانت النتيجة إعداد مجموعة في الجهات المعنية بالتخطيط في مصر لدراسته والتي انتهت في عام 2009. هل طلبت مقابلة الرئيس السابق بخصوص هذا المشروع وماذا كان رده؟ - لم أعرض المشروع شخصيا علي الرئيس السابق أبدًا. ما نصائحك لشباب مصر؟ - أود أن أذكر أبنائي وبناتي الطلبة والطالبات، بأن أي شهادة يحصل عليها أي شخص تعني شيئًا واحدًا وهو أنك إلي هذه اللحظة كنت تحتاج إلي معلم يأخذ بيدك لكي يعلمك ولكن من الآن فصاعدا تستطيع تعليم نفسك، وأن أسمي ولاء هو الولاء للمهنة وليس لرئيس العمل، فإذا أصر الفرد علي الولاء للمهنة فهذا يعني النجاح المؤكد في العمل والسعادة في الحياة، ولا يصح أن يتوقف أي منكم عن جمع العلم والمعرفة، فمن يحصل علي العلم تزداد دائمًا ثقته بنفسه والتي تجلب احترام الآخرين، وهذا يشجع علي المزيد من جمع المعرفة ما يؤهل للنجاح في العمل والسعادة في الحياة، وهذا ما أتمناه للجيل الصاعد في مصرنا العظيمة الخالدة.