اجلس مع والدة إحدى صديقاتى فيصدمنى رأيها فى حياة ابنتها النموذج الايجابى للفتاة فى عصرنا الحالى فهى فى أواخر العشرين من عمرها ناجحة تعافر مع المجتمع لتحقق ما تحلم به ولتشكل كيانًا مستقلًا لا تنتظر (ضل راجل) يوصفها من حولها بالشخصية القوية ولكن والدتها لا تفكر سوى فى نجاح واحد فقط هو الزواج والإنجاب.. على خلاف دائم معها لعدم اقتناعها بمتطلباتها فى الرجل الذى تستكمل معه سنوات عمرها القادمة.. الأم لا ترى فى ابنتها ما ينبهر به الآخرون من تفوق و تحقيق للذات. داليا سعيد كاتبة شابة وأم لطفلين تقول «الطبيعى ان كل فتاة تؤسس أسرة وتنجب فهو الشكل الأمثل للحياة المستقرة ولكن هناك فتيات لا يقّدرن على هذه المسئولية وأخريات فضلن الاستقلال لعدم العثور على الشخص المناسب للارتباط به وهى اختيارات مشروعة ولكن تكمن المشكلة أن الأب والأم فى مجتمعنا الشرقى عادة ما يرفضا مصطلح الاستقلالية». وتستكمل داليا حديثها حول تغير بعض المفاهيم فى وقتنا الحالى مما أوجد مساحة أوسع للكثير من الفتيات فى الاستقلالية بتشجيع من الوالدين وأتاح لهن فرصة العمل والسفر بمفردهن وهو ما يزرع فى نفسها أمل فى أن يغير المجتمع نظرته للمرأة، فالزواج وتحقيق الذات أمران لا يعترضان بعضهما البعض فمن الجميل أن تكون المرأة المتزوجة ناجحة فى العمل الذى تتقنه. «ن ى» صحفية سردت تجربتها الشخصية للبحث عن إثبات الذات فى مجتمع ذكورى فهى تخوض معركة لتحقق أحلامها التى تضعها نصب عيناها ولكن دائما ما تواجه مقارنة بين كل ما حققته وعدم زواجها لتجد من يحاصرها بسؤال «بتعملى كل ده ليه ؟ ولمين؟» وكأن المرأة لا يكتمل كيانها إلا بالزواج وتتساءل ما هو المانع أن تنجح وتسعى وراء طموحاتها سواء كانت متزوجة أو مازلت آنسة، متعجبة من الربط بين الزواج وانتهاء الطموح فهناك من يردد «مش اتجوزت خلاص بقا راحت عليها». بعد وفاة والد «ن.ى» بدأ اقاربها فى محاولات فرض سيطرتهم عليها ووضعوا قائمة من الممنوعات لكونها فتاة عليها الطاعة فقط ولكنها لم تستسلم لاقتناعها باستقلالها ولكن للأسف الجميع ينظر للفتاة من منظور واحد مهما كان مستواها التعليمى والاجتماعى فهى تجد أن هناك أنواعًا من الرجال فمنهم من يكسر طموح شريكة حياته وآخر يبحث عن دخلها الشهرى ويعتبرها بمثابة مشروع يدر له الاموال فالاستقلالية مفهوم واسع يقابله فى ذهن الرجل الشرقى كلمة واحدة هى السيطرة وأنه صاحب الاولوية فى كل شىء. أما علياء أحمد فتعلمت من والديها ان تكون شخصية مستقلة تعتمد على نفسها فى مختلف المواقف والصعاب وعلى الرغم من ذلك فهما تراودهما أفكارًا ان هذا سيقلل من فرص ارتباطها ومن حولها ايضاً لديهم نفس النظرة بأن ما تحققه من نجاح واستقلالية له أثر فى عدم زواجها حتى الآن لذلك هناك الكثير من الأهالى فى مجتمعنا يحاولون بشتى الطرق تحجيم استقلالية الفتاة خوفاً من عدم تمكنهم من السيطرة عليها وإحجام الرجال عن الارتباط بها. منى عبد النبى، تعمل بإحدى الشركات الخاصة، وترى أن من واقع الحياة والتجارب المحيطة بها ليس دائما النجاح فى العمل هو ما يسعد الأهل لأن من وجهة نظرهم أن النجاح الحقيقى يتمثل فى الزواج والاستقرار والإنجاب رغم أن النجاح لا يجب ان يتجزأ فمن الممكن أن تكون المرأة ناجحة على مستوى العمل والزواج معاً. وعلى الرغم من أن النجاح حق مشروع لأى فرد لكن عندما تكون امرأة هى من تسعى لتحقيق كيانها المستقل تتحول إلى كائن يوضع تحت التيلسكوب تُراقب بشغف وتحليل من الآخرين فهى تفعل أمراً عكس طبيعتها البشرية من وجهة نظر البعض، فمكانها الأساسى بين ابنائها وزوجها الظل الذى عليها الاحتماء به وما بين كلمات التشجيع المغلفة بمقولة «ربنا يرزقك بابن الحلال» والهمز واللمز عن هذه الفتاة التى لم يعد أهلها يسيطرون على تصرفاتها يقف الكثير من الفتيات يواجهن المجتمع بكل حزم مؤكدين «الجواز مش كل شىء».