تبدو ظاهرة التأخر في سن الزواج أو ما يعرف ب"العنوسة" عند النساء في "ازدياد مضطرد" بين الفتيات في لبنان، بسبب النزوح السوري الهائل الى لبنان وسهولة الارتباط بالفتاة السورية "غير المتطلبة غالبا"، اضافة الى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية والغلاء المعيشي والارتفاع الجنوني بأسعار الشقق. ولا يزال المجتمع يتخذ مواقف وآراء حازمة إزاء هذه الظاهرة، فيما تُشير الدراسات والإحصائيات الى ارتفاع نسبتها، بحسب الفئات العمرية بين الذكور والإناث. واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس أن النزوح السوري "الهائل" الى لبنان فاقم "أزمة العنوسة" عند الفتيات اللبنانيات. وأشار درباس في اتصال هاتفي مع "الأناضول" الى أن نسبة كبيرة من النازحات السوريات اللواتي هربن من الحرب الدائرة في بلادهن، وتتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة أتين من الأرياف "حيث ينخفض مستوى التعليم"، لافتا الى أنهن تزوجن من لبنانيين "من دون أي شروط كالسكن والمهر". وأوضح أن المناطق اللبنانية الحدودية التي تضم تجمعات للنازحين السوريين، كمنطقة عكار شمالا وبلدة عرسال في البقاع شرقا، "تشهد ارتفاعا في حالات زواج شبان لبنانيين من نازحات سوريات"، مشيرا الى أن وزارته لا تملك إحصاء دقيقا عن أرقام هذه الحالات. ورأى أن من أسباب ارتفاع معدلات "العنوسة" عند الفتيات اللبنانيات "كونهن يعتبرن أن التحصيل العلمي أولوية عندهن قبل التفكير في الزواج"، لافتا الى أن هذا التفكير "هو عكس التفكير الموجود عند الفتاة السورية التي تبتغي الاستقرار في الغالب". وغالبا ما تسعى الفتاة "اللبنانية" الى المساواة مع الرجل، فترفض في البداية فكرة الزواج حتى تحقّق طموحاتها التعليميّة والوظيفيّة، وانطلاقاً من هذا الواقع، سُجِّلت زيادات في أعمار غير المتزوّجات. م. العشي، وهي مدربة رياضية تبلغ 40 سنة من عمرها رفضت الافصاح عن اسمها الاول، قالت إن حياتها "غير سلبية على الإطلاق دون زواج". وأضافت لل"الأناضول" أن عدم زواجها حتى اللحظة "اختياري بامتياز"، حيث أن غالبية الشبان الذين تعرفت عليهم كانوا غير مناسبين من "الناحية المادية"، ولم يكن هناك "تجانس عقلي ونفسي" معهم. ورفضت فكرة الزواج ل"مجرد الجنس أو الاستقرار العاطفي"، مؤكدة أنها لا تكترث للعادات الاجتماعية لأنها "مستقلة ماديا" وليست "عبئا على أحد". وتفاجا الكثير من اللبنانيين بنسبة العنوسة بين الفتيات في لبنان بعمر الزواج التي وصلت إلى 85%، بحسب دراسة أجرتها إذاعة هولندا استناداً إلى إحصاءات مراكز الأبحاث والمعطيات الخاصة بالمنظّمات غير الحكومية ونشرتها حديثا. وعرفت الاخصائية في علم الاجتماع هيفا سلام العنوسة بانها "تشمل الأشخاص الذين تجاوزوا سنّ الزواج المتعارف عليه، والمحدّد ضمن المجتمع". ورغم أنها تفضل عدم استخدام مصطلح "عنوسة"، أوضحت سلام أن الزواج غالبا ما يكون "مرتبطا بالإنجاب"، مشيرة الى أنه حين تتوقف قدرة المرأة على الانجاب أي بعد سن الأربعين، يطلق عليها لقب "عانس". أما فيما يتعلق بالرجل، قالت سلام أنه يطلق عليه لقب "عازب" إذا لم يتزوج، وذلك بسبب غلبة "طابع الذكورية" على المجتمعات الشرقية. ورأت أن الزواج لم يعد هو الأولوية فقط عند المرأة لأنها أصبحت "متحررة جدا" وتسعى للحصول على مناصب علمية رفيعة، والدخول الى سوق العمل للانتاج وتحقيق الاستقلالية التامة، ما يؤدي الى انخفاض الرغبة في الزواج. ويشهد لبنان حركة هجرة واسعة ضمن صفوف الشباب بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية داخليا، والغلاء المعيشي، حيث يربط اقتصاديون ارتفاع أو انخفاض نسب الزواج بالأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة في أي مجتمع. الخبير الاقتصادي مصطفى عيتاني أكد هذه النظرية، معتبرا أن انخفاض نسب الزواج في لبنان مرتبط بشكل أساسي بارتفاع أسعار الشقق السكنية وإيجاراتها خاصة خلال السنوات الماضية. وقال عيتاني في حديث ل"الأناضول" إن أسعار الشقق السكنية في العاصمة بيروت على سبيل المثال "مخيفة جدا" فهي تتراوح بين 200 ألف دولار وصولا الى 500 ألف دولار أمريكي، متسائلا "كيف سيتمكن الشاب اللبناني من الزواج؟" يبدو ان بلال حمادة، 28 عاما، حسم امره، حيث انه لا يفكر حاليا ب"الارتباط الجدي"، ف"فتيات هذه الأيام يتطلبن كثيرا". وأوضح حمادة أنه حاول في السابق أن يرتبط بفتاة إلا أن أهلها طلبوا منه شقة يتجاوز سعرها 100 ألف دولار، ومهرا بقيمة 50 ألف دولار، وهي شروط تعجيزية". وغالبا ما تؤثر نظرة المجتمع للمرأة غير المتزوجة بطريقة سلبية عليها، كما قالت أ. وهبة، 46 عاما، التي قالت إنها تعيش "حياة تعيسة جدا وتكره نظرة المجتمع لها كونها غير متزوجة وغير عاملة وغير متعلمة". وهبة، التي فضلت عدم الحديث أمام الكاميرا، كانت مخطوبة لابن عمها الذي قضى نحبه بحادث سير في كندا. وتمنت لو أنها تزوجت من شخص آخر وأنجبت "لأنني أحب الأطفال"، وهي لا تزال"مؤمنة بأن القدر قد يكون يخبئ لي شيئا". واعتبر القاضي في المحكمة الشرعية السنية العليا في لبنان الشيخ حسن شحادة أن ارتفاع نسبة العنوسة في لبنان "مبالغ فيها بعض الشيء"، لافتا الى أنها تتفاوت بين المناطق "حيث أن بعض القرى تشهد أحيانا في موسم الصيف أعراسا جماعية تتجاوز العشر زفافات في يوم واحد". وأشار شحادة في مقابلة مع "الأناضول" الى عوامل تعيق الزواج تتمثل ب"الطلبات التعجيزية" لأسر بعض الفتيات، كالمهر المرتفع، والسكن الراقي، معتبرا أن هذا "يدفع الشبان للتفكير بالزواج من أجنبية غير متطلبة... وهذا الأمر يهدد بانقراض الأسرة (اللبنانية)". راعي كنيسة مار بطرس وبولس القس نعمة صليبا أوضح أنّ الكنيسة تشجع على الزواج وتحاول المساهمة بمختلف الطرق، ف"الصندوق الماروني" الذي أسسته البطريركية المارونية يهدف الى مساعدة الشباب على تأمين مسكن من خلال بعض المشاريع العمرانية التي لا تبتغي الربح المادي. وقال صليبا في اتصال هاتفي مع "الأناضول" أن الأعراس الجماعية التي تنظمها الكنائس المسيحية "تخفف الكثير من أعباء الزفاف".