نظرت إلى وجهها في المرآة ووجدت بعض التجاعيد التي بدأت تكسوه وبعضا من الشعيرات البيضاء تعلو رأسها فارتعدت خوفا وتذكرت أن اليوم هو يوم ميلادها.. اليوم تكمل فيه عامها الثلاثين وهي مازالت آنسة ..ثم قالت "لأ أنا مش عانس". أصبحت العنوسة الآن ظاهرة لا مجرد مشكلة في مصر، حيث أعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد الشبان والشابات العوانس وصل إلى 9 ملايين نسمة. وكان الحل حينما طالب أحد الباحثين بكلية الدعوة الإسلامية ,جامعة الأزهر في رسالته للدكتوراة بإنشاء صندوق للزواج يقوم على تزويج غير القادرين.. كما طرح التعدد كحلا لهذه المشكلة. وطالب كذلك بوضع تشريع يقضي بتوقيع عقوبة رادعة للمتزوجين عرفيا حتى يتجه الجميع للزواج الشرعي الصحيح وطالب كذلك بفرض ضريبة على غير المتزوجين حلا لهذه المشكلة. بداية يرى د.أحمد ربيع يوسف العميد الأسبق لكلية الدعوة أن التعدد ليس حلا لهذه الظاهرة إنما الحل يكمن في تخفيف المهور والتيسير في متطلبات الزواج وقيام أصحاب الأموال بمساعدة الشباب غير القادر علي الزواج. وعدد الباحث بعضا من الآثار النفسية للعنوسة في أن إخفاق المرأة في الحصول على شريك شرعي يحرمها من سعادة تتمناها وتترقبها والتي تنحصر في تحقيق ذاتها كربة أسرة تتحمل مسئوليتها وامتلاك عائلة تشعرها بالاستقلالية وبالشخصية بعيدا عن أسرة والدها من خلالها تمارس أمومتها وإخفاق المرأة في الحصول على شريك يحاصرها بكوابيسه المخيفة من وحدانية ودونية واكتئاب فضلا عن الحظر الصحي والخلقي والنفسي والاجتماعي . وأضاف أنه من البديهي بطبيعة الحال أن تكون الفتاة نفسها أكثر أفراد الأسرة معاناة من مضاعفات العنوسة وعلى رأسها المضاعفات الجسدية، مثل ارتفاع نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي ثم إن العنوسة غالبًا ما تؤدي، وخاصة عند البنات، إلى نوع من القمع الذكوري من الأب أو الأخ بحجة أنها بحاجة إلى حماية وأن "كلام الناس لا يرحم"؛ فتعيش العانس ضمن جدران سجن غير مرئي، محاط بفكرة حمايتها من المجتمع الذي "لا يرحم". أما الدكتور حسن عبد الغني حسان أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدعوة فطالب بضرورة إنشاء جمعيات خيرية مهمتها الأولي تزويج الشباب والفتيات غير القادرين فهذا بمقدوره التخفيف من تفاقم الظاهرة واشتعالها. كما طالب الدكتور عبد الغني أيضا بضرورة إنشاء صندوق للزواج على غرار الصندوق الذي أنشأته كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت ويتم تمويل الصندوق من الحكومة بالإضافة إلى قبول التبرعات من رجال الأعمال والقادرين وجزء من أموال الزكاة بهدف معاونة الشباب على نفقات الزواج بعد أن ارتفعت المهور وتكاليف الزواج. والباحث حمل الحكومة مسئولية العنوسة وارتفاع حالات الطلاق وطالبها بضرورة التدخل السريع للحد من ظاهرة العنوسة ومساعدة الشباب في تكاليف الزواج وتقديم تسهيلات لهم سواء بطرح الشقق السكنية بالمجتمعات العمرانية الجديدة بأسعار منخفضة أو من خلال توعية الآباء بضرورة تخفيض تكاليف الزواج أو تسهيل الزفاف الجماعي لأن ظاهرة العنوسة وارتفاع معدلات الطلاق تهدد استقرار المجتمع والأمن القومي المصري. بينما أشارت الدكتورة نادية عز العرب أستاذ الفقه والتفسير بجامعة الأزهر إلى أن ارتفاع المهور والمغالاة فيها هو أحد أهم القواسم المشتركة لارتفاع ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربية، فضلا عن التشدد في تحديد مواصفات عش الزوجية والأثاث، والتي تفوق قدرة ودخول أغلب الشباب وفي المقابل يدافع أهالي الفتيات عن أنفسهم بأن جميع الأجهزة والأشياء التي كانت تعد سابقا من الكماليات أصبحت اليوم أساسيات وضرورة من ضروريات الزواج التي لا يمكن الاستغناء عنها ، حتى وإن كان أغلب الناس غير قادرين على توفيرها. وأضافت أن العامل الثقافي يشكل سببا هاما لمشكلة العنوسة، فخروج الفتاة للتعليم الجامعي والعمل، واحتكاكها بالشباب ورؤيتها لأنماط مختلفة منهم، جعلها مترددة في الاختيار، مما أدى إلى عدم الإقدام على الزواج بشكل جدي، وبخاصة بعد أن ظنت أغلب الفتيات أنهن يستطعن الحصول على "عريس تفصيل " كما يقول العامة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ضياع الوقت وتجاوز الفتاة سن الزواج. كما يشكل التعليم أيضا سببا إضافيا – إلى جانب الأسباب السابقة – لانتشار العنوسة في المجتمعات العربية ، إذ ترفض الفتاة الطموح علميا الزواج حتى تحصل على الماجستير والدكتوراه ، وعندما تحصل عليهما تتغير شروطها في زوج المستقبل ، فيبدأ مسلسل الرفض حتى يفوتها قطار الزواج. وبينما كانت الفتاة التي حصلت على قسط بسيط من التعليم في الماضي تحلم بأن تصبح زوجة وربة بيت، وتدرك أن الزواج سنة الله في أرضه، فإنها الآن أصبحت تعيش حالة صراع الأدوار، بعد أن أصبحت لا تفكر في دورها التقليدي فقط كزوجة وأم، بل أيضا في دورها كامرأة عاملة تخشى أن تتزوج من رجل يستولي على راتبها، بينما هي من وجهة نظرها تستطيع الاستغناء عن الزوج لأنها لا تحتاجه اقتصاديا. كما اقترحت الدكتورة نادية أيضا كحل لمشكلة العنوسة مشروع يقوم على تيسير الزواج للتوفيق بين راغبي الزواج وتقديم المساعدات المادية والقروض للشباب المقبل على الزواج وإحياء مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وتقديم المساعدات العينية مثل الأثاث الجديد أو المستعمل الذي يقدمه المتبرعون ومحبو الخير، بالإضافة إلى التوسط لدى المتبرعين من أهل الخير لتوفير مكان مناسب لإقامة حفل الزواج بسعر تشجيعي، أو الحصول على تخفيضات في أسعار الأثاث والتجهيزات.