كتب: محمد القدوسي تحية، أجدها واجبة، للملك "فاروق الأول" ملك مصر والسودان، أوجهها إليه في مناسبة اقتراب ذكري الثورة التي أسقطته، والتي أنتمي إليها بكل وجداني. أما سبب التحية، فهو ذلك "الترفع" النبيل الذي تعامل به "فاروق" مع موقف من أصعب المواقف علي النفس، ألا وهو تنازل حاكم عن منصبه، وأذكر أنني وفي سياق أحداث ثورة 25 يناير وجدت مشاركا في الثورة يكتب علي الحائط "ارحل زي فاروق"، فقلت له إن ما كتبه يرفع من قدر "مبارك" ويظلم "فاروق"، الذي رحل من الإسكندرية إلي نابولي في إيطاليا، بناء علي أمر مكتوب بخط اليد، في ورقة صغيرة منتزعة من دفتر، تحوي أربعة أسطر، ممهورة بتوقيع القائد العام للقوات المسلحة: الفريق "محمد نجيب" ومحررة بتاريخ الساعة الثالثة وإحدي عشرة دقيقة من بعد ظهر السبت 26 من يوليو 1952 . تقول سطور هذه الورقة: من القيادة العامة للقوات المسلحة إلي اللواء البحري جلال بك علوبة قائد عام اليخت الملكي: عليكم الإبحار باليخت الملكي المحروسة اليوم الساعة 1800 لنقل حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول إلي خارج البلاد بعد تنازله عن العرش، والعودة بهذا اليخت سليما إلي ميناء الإسكندرية مباشرة. وللمزيد من رثاثة هذه القصاصة، فقد تعرضت بعض كلماتها للشطب والتعديل، حيث كانت موجهة لقائد اليخوت الملكية، ثم أضيفت كلمة عام، وعدلت "اليخوت الملكية" إلي "اليخت الملكي"، وواضح أن هناك من كتب اسم اليخت، وهو "المحروسة" بعد كلمة الملكي، ثم شطبت الكلمة، ثم واضح أيضا مدي الحرص علي المال العام، حيث تضمن الأمر الصادر لقائد اليخت أن يعود باليخت سليما، وأرجو مقارنة هذا مع الطائرات الخاصة التي خرجت من مصر محملة بالأموال، ثم لم تعد لا الطائرات ولا الأموال! علي أية حال، فإن الفريق محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة الثورة، وقبل أن يرسل هذا الأمر، كان قد أرسل إنذارا إلي الملك، نصه: إلي الملك فاروق الأول، نظرًا لما لاقته البلاد في العهد الأخير من فوضي شاملة، عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب، حتي أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن علي حياته أو ماله أو كرامته، ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم في هذا المسلك، حتي أصبح الخونة والمرتشون يجدون في ظلكم الحماية والأمن، والثراء الفاحش والإسراف الماجن علي حساب الشعب الجائع الفقير، ولقد تجلت آية ذلك في حرب فلسطين، وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات، تعرضت لتدخلكم السافر، مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة في العدالة، وساعد الخونة علي ترسم هذه الخطي، فأثري من أثري وفجر من فجر، لذلك فقد فوضني الجيش الممثل لقوة الشعب، أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولي عهدكم الأمير أحمد فؤاد، علي أن يتم ذلك في موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت الموافق 26 من يوليو عام 1952م والرابع من ذي القعدة سنة 1371ه، ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه. والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب عن عدم النزول عن رغبة الشعب من نتائج. وقد استجاب الملك فاروق للإنذار من دون لجاجة وكان في وسعه أن يبديها، غاية ما هناك أنه طلب الحفاظ علي كرامته في وثيقة التنازل عن العرش، التي يقول نصها: أمر ملكي رقم 65 لسنة 1952 نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغي سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة، ونزولا علي إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلي حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه. صدر بقصر رأس التين في الرابع من ذي القعدة عام 1371ه.. الموافق 26 من يوليو عام 1952. وفي السادسة من مساء اليوم نفسه، كان الملك فاروق مع زوجته ونجله الأمير أحمد فؤاد علي متن اليخت المحروسة يغادرون الإسكندرية في طريقهم إلي نابولي. وأرجو أن تكونوا قد لاحظتم، أن إنذار الملك بالتنازل عن العرش، واستجابته، وصدور وثيقة التنازل، ثم تنفيذها، ومغادرة الملك مصر مع ولي عهده، كل هذا تم في يوم واحد، وهكذا تكون الثورات!