ظلت المؤسسات الثقافية المستقلة لسنوات طويلة، في عهد النظام السابق تعاني من الهجوم عليها والتشكيك حول تلقيها تمويلا خارجيا، وإعلان بعض المثقفين تخوفهم من وجود "أجندات" خفية وتوجهات سياسية من هذه الجهات المانحة... والسؤال الذي يطرح نفسه بعد الثورة، هل تخلصت تلك المؤسسات من وصمة التمويل الخارجي؟ أم مازالت تعاني في هذا الشأن؟ "روزاليوسف" طرحت هذا السؤال علي عدد من المثقفين المستقلين، الذين عبروا عن رؤيتهم حول هذه الأزمة.. أشار ياسر جراب مسئول برنامج المشروعات التنموية الثقافية بجاليري التاون هاوس إلي أن أحد مواطن ضعف أي مؤسسة مستقلة هو تمويل المشروعات الثقافية ومن هنا يجب مراعاة تنوع مصادر تمويل لتنمية الموارد المالية للمؤسسات، وذلك ما قام به منذ افتتاح الجاليري في عام 1998، بالشراكة مع صديقه وليام ويلز، فهذا يعني عدم الحصول علي التمويل بالمعني المجرد للكلمة، وإنما هو تلقي دعم لتمويل أحد المشروعات الثقافية دون فرض أي توجهات. ويستطرد قائلاً "ما يجهله الكثيرون ان الجهة الممولة سواء كانت داخلية او خارجية تحمل عددًا من الاسئلة وبعض المطالب حول المنتج الفني الثقافي ولكنها لاتفرض شروطًا او قيودًا عليه فالمهمة الاكبر التي تنشغل بها هي التأكد من صرف التمويل المادي في مساره الصحيح وعدم وجود تلاعب او سرقة لهذه الاموال. يضيف جراب بانه علي الرغم من ان كل مشروعات المؤسسات الثقافية المستقلة يتم تنظيمها في النور فليس هناك من يعمل في الخفاء الا ان وصمة التمويل الخارجي لاتزال تلاحقهم حتي الآن ولكنه يرفض ان تكون تهمة تلقي بشكل عشوائي علي الاخرين بحجة الحفاظ علي الهوية المصرية والتخوف علي ثقافة المجتمع والوطن ويطالب من لديه شكوك حول عمل ثقافي بعينه ان يقوم بمناقشة الفنان صاحب المشروع بشفافية ليتعرف علي اهدافه والرسالة الحقيقية لعمله. الأمر لم يتغير بأي صورة من وجهة نظر الدكتور أحمد المغربي مدير المركز المصري للثقافة والفنون حيث أكد أن وزارة الثقافة لم تمنح المؤسسات المستقلة اي دعم مالي علي عكس الدول الاخري التي فيها اجهزة الدولة تقدم الدعم المادي للفئات المستقلة وهو امر مستمر حتي وقتنا هذا فالثورة لم تغير شيئاً في ذلك، فمازالت الوزارة تنتج ببذخ علي نفس الأشخاص دون التفات للمستقلين لذلك يكون السبيل الأيسر البحث عن جهات خارجية داعمة لمشروعاتهم الثقافية. ولكنه اوضح ان المرحلة القادمة ربما تشهد تغييرًا ووضع حد لهذه الاقاويل المغلوطة الخاصة بشأن تلقي بعض المؤسسات تمويلا خارجيا اجنبيا مما يثير الرأي العام فعلي سبيل المثال ما يشاع عن مؤسسة فورد الامريكية يعد كلامًا غير صحيح لانها لا تتدخل في توجيه سياسات بعينها للمؤسسات التي تدعمها والدليل علي ذلك انها تعمل بشكل علني في مصر ولم تتعرض لأزمات من قبَل الجهات الحكومية ووصف ما يثار من اتهامات لتلك المؤسسات لا تختلف عما تردد عن ثوار ميدان التحرير بتلقيهم وجبات وأموال من الخارج. ربما تعد آخر هذه الاتهامات ما تحدث به الفنان الدكتور رضا عبد الرحمن عن تلقي مهرجان "الفن ميدان" وبعض المؤسسات المشاركة به تمويل من مؤسسات اجنبية مما يلعب دوراً في سحب البساط من تحت أقدام أجهزة الدولة الثقافية ونقل تلك الأنشطة الممولة إلي المحافظات عبر المهرجان. وقد علق علي ذلك المخرج المسرحي محمد حبيب أحد منظمي مهرجان الفن ميدان بأن التفكير بنفس أسلوب ما قبل الثورة لا يتناسب مع المرحلة الحالية ولا يجوز أن يقال هذا الكلام علي المستقلين الذين يبذلون مجهودات كثيرة لنشر الفن بكافة أنماطه بين المواطنين مشيراً إلي أن المهرجان منذ انطلاقه رفض تلقي تمويل من أي جهات فهو قائم من الألف إلي الياء علي الجهود التطوعية والتبرعات المحلية من المثقفين والفنانين المصريين. وأكد حبيب علي ان كل فنان يحمل رؤية وفكرًا يترجمه من خلال عمله وليس معني ذلك ان ما يقدمه يحمل توجهًا بعينه فالفنان الحقيقي لا يمكن ان يكون "مسيسا" ومن يفرض سوء النية ويدعي تخوفه علي مستقبل الثقافة فهذا يعد "كسلا".