حسين لبيب يحضر حفل تأبين العامري فاروق داخل النادي الأهلي    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    10 توصيات في ختام المؤتمر الثالث لمبادرة اسمع واتكلم بمرصد الأزهر    جهاز العبور الجديدة يحرر محاضر لوحدات إسكان اجتماعي مخالفة    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    الخارجية الأمريكية: نراجع شحنات أسلحة أخرى لإسرائيل    بوتين: 90% من المدفوعات في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تتم بالعملات الوطنية    أحمد موسى : مصر لا تتحمل أي مسؤولية أمنية في غزة    «المحاربين القدماء وضحايا الحرب» تُكرم عدداً من أسر الشهداء والمصابين    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائى 2024 بالجيزة .. اعرف التفاصيل    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    أمطار حتى الإثنين.. الأرصاد السعودية تحذر من بعض الظواهر الجوية    الثقافة جهاز مناعة الوطن    نجوم الفن ينعون والدة كريم عبد العزيز: «ربنا يصبر قلبك»    أولادكم أمانة عرفوهم على ربنا.. خالد الجندى يوجه نصائحه للأباء والأمهات فى برنامج "لعلهم يفقهون"    بعد قرار "أسترازينيكا" سحب لقاح كورونا.. استشاري مناعة يوجه رسالة طمأنة للمصريين (فيديو)    أسعار الأضاحي في مصر 2024 بمنافذ وزارة الزراعة    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    لفترة ثانية .. معلومات عن سحر السنباطي أمين المجلس القومي للطفولة والأمومة    السجن 5 سنوات لنائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة بتهمة الرشوة    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    محلل سياسي: «الجنائية الدولية» تتعرض للتهديد لمنع إصدار مذكرة اعتقال لنتنياهو    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «فلسطين» تثني على اعتراف جزر البهاما بها كدولة    أمين الفتوى يوضح حكم وضع المرأة "مكياج" عند خروجها من المنزل    «التجارية البرازيلية»: مصر تستحوذ على 63% من صادرات الأغذية العربية للبرازيل    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    تقديم رياض أطفال الأزهر 2024 - 2025.. الموعد والشروط    "عليا الوفد" تلغي قرار تجميد عضوية أحمد ونيس    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    دعاء للميت بالاسم.. احرص عليه عند الوقوف أمام قبره    «تويوتا» تخفض توقعات أرباحها خلال العام المالي الحالي    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    «الجيزة التجارية» تخطر منتسبيها بتخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية    «القاهرة الإخبارية» تعرض تقريرا عن غزة: «الاحتلال الإسرائيلي» يسد شريان الحياة    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    يوسف زيدان عن «تكوين»: لسنا في عداء مع الأزهر.. ولا تعارض بين التنوير والدين (حوار)    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    محافظ كفر الشيخ: نقل جميع المرافق المتعارضة مع مسار إنشاء كوبري سخا العلوي    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة الاستقلال في مصر
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 11 - 2010


الاستقلال له جاذبية..
لكل استقلال جاذبية، التحرر من السيطرة دوما مرتبط بحرية وآمال في الانجاز..
نقصد هنا، الاستقلال بعيداً عن علاقة الدولة الرسمية بالثقافة، العلاقة التي ستظل قائمة رغم محاولات نفيها.. للدولة دور، وللمجتمع دور كذلك.
خلال السنوات العشر الأخيرة، تأسست مراكز ثقافية مستقلة عن المؤسسة الرسمية، بعضها استقر، والبعض استمر دون تحقيق شعبية حقيقية.. حالة الاستقلال ليست دائما مستقرة، في كل مركز، وفي كل جهة، لكن ما يجمع جميع الجهات والمراكز في حالة واحدة هو أن الاستقلال عن وزارة الثقافة كان استقلال للجمهور أيضاً..
الجمهور كان متلقي صامتاً لسنوات.. حالة ثقافية من طرف واحد تقدم الوزارة فيها كل شئ والجمهور عليه أن يصفق!
حينما تولي ثروت عكاشة وزارة الثقافة حشد الشعب كله خلف أنشطة الوزارة، الثقافة الجماهيرية استوعبت أغلب الفنانين لتقدم الفن الرسمي للشعب كله.. كان التصور أقرب للشحن، للحشد.. كانت الخيارات محدودة. الأمر ارتبط بظروف سياسية وتاريخية، جعلت فكرة الإرشاد مثلا مرتبطة بالثقافة، ورغم مزايا فكرة "الإرشاد الثقافي"، من الناحية السياسية، إلا أن هذه التجربة كان لها عيوبها أيضاً من الناحية الثقافية، وفي جميع الأحوال يظل هذا التاريخ الخاص بالثقافة، كوزارة وكحالة في مصر أيضا، هو الذي أفرز تجارب مهدت لحالة الاستقلال التي نرصدها في هذا التقرير..
التوثيق
جهاز تسجيل صغير حمله زكريا إبراهيم متوجها لبلده بورسعيد حاملاً رغبة في تسجيل التراث، ألتقي هناك كتّاب أغاني السمسمية "الداش عبد السلام"، مواليد عام 1916، وإبراهيم الباني. هما يمثلا نصف كتاب السمسمية، (المعروفين أربعة.. هناك أيضاً محمد أبو يوسف، وكامل عيد.)
سجل زكريا مع الداش والباني، وكان طموحه وقتها أن يكتفي بالكتابة عنهما. سجل مع الكثير من العازفين، والمطربين، كل هذا كان مادة خام لكتاب عن تراث السمسمية، لكنه أقتنع في النهاية أن التسجيل عن طريق الفيديو والصوت أفضل من الكتابة.
نتناول هذه الحكاية لأن فكرة التوثيق هي المشكلة الحقيقة للفنون الغنائية والشفاهية في مصر، هناك محاولة أخري في مركز "مكان"، الذي حاول التوثيق لتراث الجنوب، الصعيد، والنوبة.. بعيداً عن حصر هذا النوع من الغناء في عدد من المطربين، الذين يروجون لهذا الغناء تجارياً..
الأجيال الشابة في مصر تربت بعيداً عن التراث، صارت فرص إطلاعهم علي التراث خاضعة للصدفة .. إمكانية اقترابه من موسيقي الطنبورة، أو أغاني سلمي العسل أو سيد الركابي قد لا تحدث إذا لم يذهب إلي مركز "مكان" بشارع سعد زغلول في وسط البلد، أو قاعة الطنبورة بباب اللوق مثلاً.. المسألة لا تزال تحتاج إلي جهد أكبر، جهد شبيه بما قام به الشاعر عبد الرحمن الأبنودي مع السيرة الهلالية مثلا!
اللافت أن سنوات النشأة بالنسبة للطفل المصري قد تخلو تماماً من أي أغنية تراثية، مع احتمال ضعيف في بقية حياته أن يسمعها عن طريق الصدفة!
جمهور يكره التراث
في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ببورسعيد وكافة مدن القناة لم يكن الفنانون معزولين.. كانوا ينظمون حلقاتهم الغنائية، يعزفون، يغنون، يرقصون رقصة البمبوطية، ولكن هذا النشاط خفت. الدولة لم تكن بمعزل عنهم، جمعت الكثير منهم في قصور الثقافة، وجعلتهم موظفين بقصر ثقافة بورسعيد. كان الفنانون تحت قبضة الدولة، لكنها لم تستثمرهم جيداً علي ما يبدو . اللوائح، والبيروقراطية، وضعتهم في أدني درجة في السلك الوظيفي.. حينما مدت الدولة يدها ساهمت في إحباط الفنانين أيضاً، لهذا كان تنظيم فرق مستقلة هو الحل الأمثل..
كل منطقة بمصر بها تراث غنائي وشفاهي قيم، يمكن استثماره جيداً، من خلال إعادة انتاجه مرة أخري كما هو، عبر تسجيلات جديدة وفرق شابة. لكن كيف سيتقبل الجمهور هذا العمل كمنتج؟
في تجربة إحياء تراث بورسعيد ومدن القناة الغنائي أنتج مركز المصطبة ألبومات الفرق المتعاونة معه.. المركز يدفع تكاليف ضخمة لإنتاج "الدفي دي"، والأسطوانات، أسأل زكريا إبراهيم، مؤسس المركز: هل بيع هذه المنتجات يكفيك أم لا تزال تحتاج لتمويل؟ فيجيب: لقد ظللت لسنوات أمول نشاط الفرق بنفسي، حتي اضطررت التعاون مع فورد. المشكلة كما يراها زكريا أن الناس في مصر لا تلتفت للمنتج التراثي. الأغاني والموسيقي النابعة من التراث المصري غير مرغوبة في مصر"الناس عايزة تبقي خواجات"، اللافت أن الأجانب هم الذين يهتمون بالتراث المصري، فحسبما يؤكد زكريا أن أفضل عروض الانتاج جاءت من أوروبا، وتحديداً بريطانيا، التي انتجت أحدي شركات ألبومات لفرقتي "الطنبروة" و"الجركن"!
طرحنا السؤال علي زكريا فكان رده بسؤال آخر: كيف تمنح قيمة للموسيقي الشعبية في هذا الوطن!؟
الجمهور الواعي بأهمية التراث، وكذلك بجمال هذا النوع من الغناء.. لا يزال يقف عند مرحلة التحمس، يتعامل مع الموضوع كما لو أنه يشاهد اكتشافات أثرية في متحف (أي لا يلمسها ولا يتفاعل معها)! ..هكذا تبقي هذه الموسيقي بلا تفاعل حقيقي، والأهم أن الجمهور لا يتعامل معها بوصفها منتجات.. ستظل أزمة النشاط المستقل في مصر في كون الجمهور يراها أنشطة ثقافية بمعني أنها لا تخلو من الجمال والمتعة والقيمة، لكنه لا تستحق أن يدفع مقابلها مالاً..إنها طبيعة المنتج الثقافي الذي سيظل غير مربح تجارياً، ولا يعامل معاملة سائر المنتجات.. لذا سيظل في حاجة دائمة لدعم وتمويل من المهتمين.
من الأعيان
إلي شباب إمبابة
أغلب المؤسسات الثقافية في الخارج تنال مساعدات ومنح من الدولة أو من المجتمع المدني، حتي الأنشطة التي تعتمد علي بيع تذكرة للمشاهدة مثل المسرح، لا تتناسب قيمة التذكرة مع تكاليف الانتاج، لأن التذكرة إذا غطت مصاريف الإنتاج ستكون كبيرة ولن يشاهد النشاط أحد.. أغلب الأسعار إذن رمزية، تعوض الإنتاج بنسبة قليلة.. لهذا سيظل مفهوم الرعاية حاضراً.
من ناحية أخري تلجأ بعض الأنشطة الثقافية للجمهور القادر علي دعم المبدع، مثلا سنجد أن سوق البيع في الفن التشكيلي قائم علي دوائر بعيدة عن المهتمين، لأن المهتمين لا يملكون القدرة المادية للتعبير عن إعجابهم باللوحة عبر اقتناءها مثلا!
المفهوم السابق كان مستفزاً لمحمد عبد المنعم الصاوي، الذي كان يري أن الثقافة في مصر أصبحت مخصصة للأعيان. كان ذلك قبل سنوات من الآن، حينما شاهد الصاوي انتهاء دور مسرح سيد درويش بالهرم، وتحول الثقافة إلي دار الأوبرا المصرية، ومسرح الجمهورية.. هكذا شاهد الصاوي الدولة وهي تهتم بالمكان الجديد، وتترك المكان القديم ليهلك، وينتهي تماماً. كان هذا الأداء مختلفاً عن التصور الذي تربي عليه، يوضح ذلك بقوله :" والدي رحمه الله حينما كان وزيراً للثقافة كان يؤمن أن الفن والثقافة لابد أن يكونا متوجهين للشعب، وليس للنخبة والأعيان"، لكن هذا التصور كان مُعطلاً، حسبما كان يري محمد وقتها. كان الصاوي يحلم بتحقيق حلم والده القديم بأن تكون "الثقافة بلغة وكلام الناس، ألا تكون كلمة الثقافة مقلقة أو مرعبة للجمهور".. هذا لم يتم، في الساقية، وغيرها من المراكز، إلا من خلال مشاركة الجمهور في عملية الإنتاج الثقافي!
الشباب:المخ والعضلات
هل الجمهور سيظل جمهوراً!؟
سؤال قد يبدو مستغرباً، لكنه مع ذلك لابد من طرحه لبحث تفاعل الجمهور مع المراكز.. راهنت أغلب المراكز المستقلة علي جمهور جديد، أو بالأصح قدرتها علي خلق جمهور من الشباب.. هذا تتطلب تقديم أنشطة جديدة بروح شابة، روح قريبة من الجمهور المستهدف.. هكذا صار الجمهور مشاركاً في صناعة الثقافة، وتخلي عن صمته ورضاه بما تقدم له الثقافة الرسمية، في هذه المراكز بدأ طرح أفكار أجرأ، وتبني لتيارات جديدة من الكتابة والمسرح والغناء، كلها لمبدعين من الشباب. بمرور الوقت، واستمرار التجربة صار الجمهور أكثر تورطاً.. بعضهم دخل في قلب المؤسسة نفسها.
حكاية الشباب مع الساقية لم تكن مجرد لعب دور العضلات في جسم الساقية، بل أنهم لعبوا دور المخ كذلك.. حيث اثمرت أفكار الشباب: مهرجانات شعر العامية، والفصحي.. في جميع المسابقات الحد الأقصي للمشاركة ألا يتجاوز سن المتقدم 40 عاماً. أما لجنة التحكيم فيشترط أن يكون المحكم قادراً علي التفاعل مع الكتابات الشابة، لهذا اختارت الساقية محكماً سنه 29 سنة (الناقد الشاب عادل محمد) وفي مسابقة شعر الفصحي كان د.عماد عبد
اللطيف محكماً ..
تلبية احتياجات المبدع
إذا تركنا الجمهور جانباً وتحدثنا عن حالة الاستقلال من الجانب الآخر سنجد أن التقرير سيقودنا للحديث عن مؤسسة "المورد الثقافي"، التي تأسست عام 2004 لغرض واحد:دعم المبدع.
مرت المؤسسة بأكثر من تطور، كل مرحلة منها مرتبطة بالنشاط الذي تبنته المؤسسة التي يقع مقرها الرئيسي في بروكسل. لم تشغل المؤسسة نفسها بفكرة التنوع، وكذلك التخصص، بل كانت تلبية لاحتياجات لدي المبدع.
كان العامل الناقص في الحياة الثقافية والعالم العربي عموما هو الدعم الإنتاجي.. وتوضح بسمة الحسيني المنسق العام بالمورد الثقافي ذلك بقولها :" اجتمعت مجموعة من المشتغلين بالعمل الثقافي في مصر وفلسطين ولبنان لبحث فكرة تأسيس هذه المؤسسة.. كان أول ما بدأنا به برنامج المنح للمبدعين الشباب". أسألها ما الذي كان ناقصاً، ليقدمه المورد؟ فتقول:" لم تكن هناك وسائل لدعم المبدع، أقصد بالدعم المنح الصغيرة من أجل نشر كتاب أو تقديم مسرحية.. كانت الأنشطة الحكومية لا تدعم من هو خارجها".. لهذا قدم المورد خلال الأربع سنوات الأولي من نشاطه 51 منحة لإنتاج أعمال فنية وأدبية.
أما بالنسبة لمراحل التطور، فكانت نابعة من التجربة، التفاعل مع المبدعين العرب أبرز مشاكل كثيرة منها أن الفرقة المسرحية التي ستنال منحة لن تستطيع أن تديرها، من هنا جاء التفكير في العمل علي نشر الإدارة الثقافية، تقول بسمة:" وجدنا أنها مشكلة في معظم الدول العربية.. بعض المبدعين لديهم خبرات تراكمية عن كيفية تنظيم العمل الثقافي، لكنها في النهاية ليست خبرات صحيحة، لهذا قدمنا لهم الإدارة الثقافية (أو كيفية إدارة مشروع ثقافي أو منحة لانتاجه) التي تعتمد علي مديرين جيدين، ووجود هيكل تنظيمي إداري..". تعلق بسمة: "بعض الجهات تنظم ورشاً للإدارة الثقافية، لكننا نعرف الموضوع جيداً"!
من ناحية أخري كانت فكرة الإدارة الثقافية أمراً جديداً، كان المتبع أن شروط تنظيم نشاط ثقافي تقتصر علي أن يكون المنظم ملماً بالثقافة ليس أكثر، لكن الإدارة لم تكن مفهومة..
الإدارة الثقافية وهو مفهوم غربي وجد التربة المناسبة له في "المورد": جمهور مهتم، مناخ يسمح بالنشاط الثقافي توفر عبر جهات مستقلة عدة، والأهم إمكانية التجريب مع وجود فرص للنجاح.
تتطور الأمر إلي توسيع دائرة النشاط، صارت المورد مشغولة بالعمل علي السياسات الثقافية، "لدينا مجلس فني قوي إذا أردنا أن ندخل أي مشروع سيساهم معنا بأفكار مهمة" (المجلس يتكون من المسرحية اللبنانية حنان الحاج علي، رئيسة، المغربي فوزي الصقلي، نائباً، الصحفية المصرية هبة صالح، أمينة صندوق، الصحفي المصري سيد محمود، أميناً للسر، الشاعر الليبي خالد مطاوع، عضوا، الفلسطينية ليلي حوراني، عضوا، المصري علاء خالدي، عضواً).
تقول بسمة: "نفكر الآن في توسيع الدائرة.. نريد جذب دائرة جديدة للمهتمين بالثقافة.. أن تكون الثقافة للشارع، والفن كذلك"..
تسييس الثقافة
كان الابتعاد عن السياسة سمة تميز أغلب الأنشطة الرسمية، وإذا حضرت فهي بكاء علي القدس وتشديد علي رفض التطبيع إلي جانب صور ومعاني حب الوطن، انتقل الأمر إلي أداء المؤسسات المستقلة التي عرفت جيداً أن الخروج عن الأطر المحددة سلفاً أو التطرق إلي بعض القضايا والأمور السياسية قد يكلفها استمرارها ونشاطها كله.
لكن الظروف قادت بعض المؤسسات المستقلة لتكون موضوعاً للكثير من الخلافات السياسية علي رأسها قضية التطبيع التي وجهت لبعضها منهم جاليري التاون هاوس، الذي فوجئ المسئولين عنه في بداية نشاطهم بالسفير الإسرائيلي يزور المكان، انسحب ياسر جراب، وعلي حد وصفه جراب "اختبأنا في قهوة بعيدة حتي ينصرف، لم نكن علي علم بالزيارة، وبعدها أرسلنا خطاب رسمي لوزارة الخارجية نعلمهم بعدم ترحيب المكان بزيارة أي مسئول إسرائيلي".
التطبيع لم يكن التهمة السياسية الوحيدة التي وجهت لبعض المراكز المستقلة، فقد كانت شبهه التمويل الأمريكي تهمة آخري واجهتها بعض المؤسسات حينما بدأ المورد نشاطه نظم برامجاً للكتاب الشباب، وأولها، كان "صفحة جديدة" وهو عبارة عن ورشة كتابة تجمع عدد كبير من شباب الكتاب العرب لكن رفض الانضمام له كاتبان شابان لسبب واحد: أن المؤسسة ممولة من فورد!
تسييس الثقافة الذي هوجمت بسببه المؤسسة، لجهة تمويلها، كان سمعة طاردت المؤسسة، ولكنها كانت تمارس تسييساً للثقافة بشكل مختلف.. ففي عام 2005 أوقفت محافظة القاهرة نشاط مسرح الجنينة، التابع للمؤسسة. كان السبب الرسمي لتعليق نشاط المسرح المستقل هو تدخين الشيشية وتوقيع المحافظة علي اتفاقية ضد التلوث البيئي، لكن السبب الذي تداوله الناس كان تقديم المسرح لفرق تغني كلمات أحمد فؤاد نجم، وسيد درويش!
الأغنية السياسية كانت مرفوضة بشكل غير مباشر.. تم توجيه رسالة مبطنة، تحذر هذه المراكز المستقلة من أن المناخ لا يسمح بحرية وضع برنامج يحوي أغاني نقد لاذعة! هذا يدفعنا للكلام عن شرط سري لتقديم أي نشاط ثقافي في مصر، وهو أمر معلوم لكنه محاط دائماً بالسرية، حيث تلتزم أغلب المؤسسات المستقلة بإعلام جهات محددة ببرنامج الأنشطة قبل مدة من العرض، وإذا تم العرض بسلام فإن ذلك يعني أن هذه الجهات تسمح بهذا النشاط .. لعبة ترصد تتم بين المراكز والمؤسسات من ناحية وهذه الجهات من ناحية أخري، ولكنها ليس موضوعنا هنا.
من ناحية أخري صار الهم السياسي الآن هماً ترعاه مؤسسة المورد، الأجندة الثقافية السياسية تفرض نفسها علي اختيارات المورد، مثلا الاهتمام بدعم النشاط الثقافي الفلسطيني، وتقديم فنانين من الضفة.. كان آخرها فرقة المسرح الفلسطيني، التي تأسست من أجل تقديم عرض سيرك مسرحي عن الجدار العازل، أو معرض فوتوغرافيا وفيديو بعنوان "زوروا غزة"، وإن كان المعرض يقدم المدينة المحاصرة بوصفها مدينة ساحلية، حالة السخرية هنا مقصودة، استحالية زيارة غزة كمدينة اصطياف، تلفت الانتباه لما صارت عليه المدينة علي يد المحاصر والمحتل الإسرائيلي!
رغم جرأة المبادرة بتقديم الفرق والأعمال الفلسطينية للساحة الثقافية ، إلا أن طريقة التقديم لا تخلو من اهتمام سياسي بالموضوع أكثر من تقديم المنتج بما فيه من مزايا فنية وجمالية، دون الاستناد علي العلاقة العاطفية التي تربط الجمهور بكل ما هو فلسطيني.
علي النقيض ترفض الساقية التعامل مع الموضوع السياسي، حتي في أبسط أموره..
الأغنية السياسية تكاد تكون غائبة تماماً في قاعات الساقية، كذلك الطابع المحافظ للمكان يفرض حضور جمهور محافظ، ويندرج ذلك ويؤثر علي أداء الفرق ومتحدثي الندوات.. استحدثت الساقية فريقاً اسمته "البطاقة الحمراء"، وهو مفهوم أقرب لكرة القدم وتحديداً الكارت الأحمر الذي يلوح به الحكم للاعب إيذاناً بطرده من الملعب، حيث يراقب أعضاء الفريق رواد الساقية، وإذا بدر من أحدهم أي تصرف يراه الأعضاء خارجاً تسحب بطاقة العضوية منه ويمنع من دخول الساقية!
كانت آخر مشاغبات الساقية استضافتها لأمسيات أحمد فؤاد نجم، لكن تاريخها يعود إلي أربع سنوات مضت!
هناك من يشاهد اللوحة؟
فجأة صار هناك جمهور يهتم بالفن التشكيلي، تجربة الاستقلال اثمرت متذوق جديد للفن خارج الدائرة الضيقة للفنان والناقد التشكيلي ومسئول الجاليري.. تولد هذا الجمهور عبر التاون هاوس، الكيان الأبرز خلال التسعينيات، حيث كان الجاليري بالتعاون مع أكثر من ناشط ومنظم قادراً علي تقديم بديل آخر للفن التشكيلي، بديل يفتح المجال للفنان التشكيلي ليقدم أعمالاً أكثر حداثة، في مساحات عرض أكثر مناسبة لجديد الفن.. وللجمهور الجديد.
ووجه التاون بتهمة التمويل، وإضفاءه المجال للتجريب واتباع الفن الغربي، بعيداً عن التراث، والبحث عن فن مصري..كل الاتهامات كانت منصبة علي المؤسسة دون مراعاة المعيار الحقيقي لما يقدمه الجاليري من تجديد تحتاجه ساحة الفن، بأن المعيار الحقيقي هو ما قدمه المكان الجديد للفنان التشكيلي، وتأثيره علي أعمال الفنان..وخلق جمهور جديد للوحة!
الفنان هو الفيصل، وانتاجه هو المعيار، لهذا إذا قيمنا تجربة التاون سنجد أنه منح فرصة لفتح الباب للجمهور لدخول عالم الفن التشكيلي. بعد سنوات صار بالإمكان التكلم عن رأي الجمهور في الفن التشكيلي.. الجاليري، مع صالون الشباب(التابع للوزارة)، وبعض الجاليريهات الصغيرة بوسط البلد والزمالك ساهموا في صنع حالة خاصة بالفن التشكيلي.. لا تزال مستمرة.
صار هناك سوقاً للوحات، ووكلاء فنيين مصريين، يسوقون للوحات المصرية في الخارج، حتي لو كان ذلك مرفوضاً من جانب بعض المثقفيّن باعتباره تسليعاً للثقافة، إلا أن اللوحات في النهاية من الممكن أن تباع، والفن في النهاية منتج ثقافي له قيمته الجمالية والمالية كذلك.
كان آخر ثمار هذه الحالة تجربة "درب 17/18"، والتي تمثلت في مركز ثقافي وفني بمنطقة الفسطاط.
يمكن اعتبار درب أحدث المراكز المستقلة، وتركيزه علي الفن التشكيلي، الخيال، التوظيف للتكنولوجيا الأحدث، لمناقشة الموضوع الفني والتجريب فيه. درب مشغول بالفن فقط، المناقشات التي تطرحها الأعمال أقرب للمدرسة القديمة "الفن للفن"، بروح جديدة وأكثر حداثة..في أحد المعارض قدم الفنان محمد علام حواراً مع فنان آخر عبر "السكاي- ب"، كان علام في بيروت، والآخر في امستردام.. وكان الحديث عما شاهداه من معارض، وأعمال فنانين، وما يحدث في القاهرة.. الدردشة تطورت لرصد ما يصلح للجمهور المصري الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.