حينما اندلعت الشرارة الأولي لثورة 25 يناير لم يكن علي بال أحد من المشاركين أن تحقق تلك الانتفاضة أهدافها، كانت مجرد إنتفاضة يحلم الشباب المنظم لها بأن يصل أعدادهم إلي المائة ألف مشارك، وكان الحلم أن يبقي هؤلاء المنتفضون ليوم كامل في الشارع المصري سواء في القاهرة أو السويس أو الإسكندرية علي الأكثر وليس كل عواصم المحافظات. حتي تلك القوي السياسية المنظمة لم تكن لديها الثقة في نجاح الانتفاضة فامتنعوا عن المشاركة، وعلي رأس هذه التنظيمات جماعة الإخوان المسلمين بل الأكثر من ذلك أن جماعة "السلفيين" هاجموا الدعوة للتظاهر، حيث اعتبروها "حرام" معللين ذلك بمقولة الخروج علي طاعة "الحاكم بأمر الله"! ومع ذلك خرج شباب الثورة، أبناؤنا حاملين شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" وسرعان ما تحولت هذه الانتفاضة السلمية إلي (غضب) وتطورت الأحداث حتي يوم 28 يناير، حيث انتفض شعب مصر كله، أمام قسوة أجهزة النظام السابق التي واجهت الشباب بكل الآلات الحربية، ووقع الشهداء الأبرار من فتياتنا وأولادنا، وسرعان ما كانت الأغنية التي صاحبت الثورة "يا بلادي يا بلادي" و"إزاي" تحركت الجماهير غاضبة رافضة العودة، وتصاعدت سقوف الطلبات حتي رحيل الرئيس مساء يوم 11 فبراير، لكي تضع الثورة أوزارها في ميدان التحرير وكل ميادين الجمهورية ويضمن الجيش طلبات الثوار، ويحترم شهداءهم ويعظمهم علانية في بيانه العسكري الشهير! ولم يشهد العالم شهادة مثلما سطرها علي ألسنة قياداته السياسية والتنفيذية في أرجاء المعمورة تٌشيد بشباب مصر وأصبح ميدان التحرير، مزاراً سياحياً وأيضاًُ مزاراً سياسياً قصده زعماء العالم، وزوار مصر الرسميون! ولكن للأسف الشديد، سرعان ما ظهرت بوادر الفرقة واندلعت المزايدات، وتوافد الباعة الجائلون والمتسولون إلي ميدان التحرير لكي نقدم الصورة البالغة السوء عن مصر، ولكي نقدم أسوأ ما في شعبنا من استهتار ومن عدم احترام، وظهرت كل مبيقات المجتمع، وتفرق الثوار الشباب بين ائتلافات، وتجمعات، وأحزاب وجماعات ما أنزل بها من سلطان. وسرعان ما كشَّرتْ عن أنيابها تلك التنظيمات الرجعية منهم من دعا إلي (مليون لحية)، ومنهم من دعا إلي حرق الأضرحة، ومنهم من راح يؤكد أن القاعدة الشعبية ملك له، متفرداً بتنظيماته، ووجوده وسط الغلابة من المصريين الذين عانوا في النظام السابق، ولم يجدوا صدراً حنيناً عليهم سوي أهل الدعوة في الظاهر، وهم أهل سياسة ودعاة أهداف سياسية أهمها الوصول للسلطة وهذا حقهم! طالما أن القوي السياسية الأخري هي في حقيقة الأمر هياكل دون مضمون! ولكن أين شعب مصر؟ أين الأغلبية الصامتة؟ أين هؤلاء الشباب الذين أشعلوا الثورة وجلبوا لمصر كل هذا الفخار العالمي، أين هؤلاء؟ وأين الدور الرئيسي للمجلس الأعلي للقوات المسلحة الضامنة للثورة وطلباتها وأهدافها، والمحقق لانتقال السلطة من الجيش إلي الشعب عبر انتخابات برلمانية سليمة وشفافة - ولكن يسبق ذلك شكل الدولة والتي نطمح إليها! هل دولة الخمسون في المائة عمال وفلاحين؟ هل دولة الكوتة للمرأة؟ هل دولة البرلمان ذو الغرفتين شوري وشعب! هل دولة برلمانية أم رئاسية؟ أين أهداف الثورة؟ إلي أين نحن ذاهبون! سؤال يجيب عنه شعب مصر وقيادته في الهيئة العليا للقوات المسلحة خلال الأيام القليلة القادمة!