صدر حديثاً عن دار نشر أنباء روسيا كتاب «بين الفولجا والنيل» ويضم مجموعة مقالات تتناول آفاق العلاقات المصرية الروسية منذ القدم وقد نشرت فى مجلة الأرشيف الشرقي، وهى دورية علمية يصدرها باللغة الروسية معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية وقد تأسس هذا المعهد عام 1912. وقد كان لكل من فلاديمير بولياكوف الباحث بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، وجينادى جورياتشكين أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة موسكو نصيب الأسد فى هذه المقالات التى نقلها إلى العربية مجموعة من المترجمين الأكفاء مثل: أمانى التفتازانى، منى الدسوقى، الدكتور محمد رياض، ونشوى نوح . وكتب مقدمة الكتاب الدكتور حسين الشافعى رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم الذى أكد أن هذا الكتاب يحوى صفحات متنوعة ما بين ضفتى الفولجا والنيل، والبعض منها يتناول روسيا، وديرسانت كاترين فى سيناء، وأعمال البعثة الأثرية المصرية فى الجيزة، ومصير أول قنصل روسى فى مصر، وآخر مبعوث من قبل القيصر الروسى إلى مصر والجالية الروسية فى بلاد الأهرامات، والأسرى المصريين فى روسيا وتاريخ العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي، وذكريات دبلوماسيين سوفييت فى مصر ولقاءاتهم مع الرئيس جمال عبد الناصر، ويصحبنا فيه باحثون بارزون ذوى أياد بيضاء على مسيرة التواصل الثقافى بين شعبينا. يرجع أول ظهور للشتات الروسى فى مصر إلى نهاية القرن التاسع عشر وكان انتماؤهم القومى من اليهود وذكر ذلك نائب القنصل الروسى فى القاهرة سيرجى زوييف فى تقريره عام 1915. وقد جلبوا معهم الثقافة الروسية واللغة الروسية. وكانت مصر قبلة لليهود الروس لعدة أسباب منها إبحار السفن من ميناء أوديسا الروسى بشكل منتظم، وانخفاض أسعار التذاكر مما أسهم فى سهولة الوصول إلى مصر، وقد شمل نظام الامتيازات الذى كان مطبقا فى مصر، خاصة بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية فى حربها ضد روسيا، الذى بموجبه لن يقعوا تحت طائلة السلطات المحلية مما أعطى وضعهم طابعاً مميزاً. ويرجع تاريخ أول كنيسة أرثوذكسية داخل مصر إلى نهاية عام 1914، حيث تم إجلاء البعثة الدينية الروسية مع رئيسها الأرشميندريت ليونيد من فلسطين إلى الإسكندرية، بعد دخول الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى، وتزامن مع ذلك وصول مجموعة من الحجاج الأرثوذكس قوامها 95حاجاً، وقامت القنصلية الروسية بتأجير منزل مستقل فى 24 ميدان الرمل (سعد زغلول الآن)، وهو المكان الذى أطلق عليه فيما بعد البيت الروسي، وفى إحدى شقق الطابق الثانى أقاموا كنيسة باسم القديس «الكسندرنيفسكي». فى منتصف القرن السابع عشر بدأت روسيا تولى اهتماما كبيراً لشبه جزيرة سيناء وترجع الأهمية الدينية لسيناء والشهرة الطاغية فى روسيا للقديسة كاترين التى ينسب إليها الدير ويرقد رفاتها فى الدير، فكان أول وسام نسائى أسسه القيصر بطرس الأول عام 1714 هو وسام التحرير باسم القديسة الشهيدة كاترين. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى ثورة 1917، ظلت نفقات الكنيسة الأرثوذكسية فى سيناء تأتى من روسيا بصفة أساسية. وكانت رحلة الحج إلى سيناء رحلة حقيقية باسم الإيمان وكانت رحلة شاقة تستغرق عدة شهور بل وسنوات. وأشار نعوم بك شقير إلى أن الحجاج الروس كانوا يقيمون على حساب الدير أثناء إقامتهم بالدير، ومقراته بالقاهرةوالإسكندرية والسويس وطور سيناء، وكان البعض منهم يتبرع بجزء من أمواله وأغراضه الثمينة لصالح الدير. ولم يكن الروس مجرد ضيوف دائمين لزيارة الدير فحسب، بل أصبحوا من الطلائع المتقدمين فى دراسة كنوز الدير التاريخية، ففى عام 1845 اكتشف «أوسبينسكي» الذى عرفه العالم بأنه مكتشف «قانون سيناء» حيث اكتشف نسخة مخطوطة كاملة للإنجيل تعود للقرن الرابع عشر، وقد كتبت هذه النسخة على ورق الرق المقوى، وكانت تتألف من 92 كراسة منفصلة. وفى عام 1888 قام أبناء الخديوى توفيق الأمير عباس بك ولى لعرش ذو الخامسة عشر ربيعاً، وشقيقه الأمير محمد على الذى كان يبلغ ثلاثة عشر عاما بزيارة روسيا، وتؤكد المصادر الدبلوماسية على أن الشقيقين عباس ومحمد توجها لزيارة روسيا بناء على رغبة والدهما الخديوى توفيق وذلك لوجود رغبة ملحة من حكام البلدين فى توطيد العلاقات بين الحكومتين من خلال الاستفادة بتلك العلاقات الشخصية الجيدة وقام الأميران بزيارة الأماكن المهمة فى سانت بطرسبورج وضواحيها وحضرا العديد من المناورات الضخمة وسباقات الخيل والعروض العسكرية . ومن المعروف أن تاريخ العلاقات بين البلدين يعود إلى أمد بعيد حيث أصدرت الإمبراطورة كاترين الثانية مرسوما فى التاسع عشر من أغسطس عام 1784 بإيفاد فون طونوس كأول قنصل روسى إلى الإسكندرية فى الثالث من يوليو عام 1785. وفى الرابع عشر من أكتوبر عام 1943 تم تعيين نيكولاى فاسيليفيتش كأول سفير سوفيتى مفوض فوق العادة فى مصر بناء على الرسائل المتبادلة بين مايسكى نائب المبعوث لشعبى السوفيتى للشئون الخارجية ومصطفى النحاس رئيس الحكومة المصرية التى أوضحت بأنه سيتم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء. وخلال الفترة من 1942 - 1943 ظهرت فى مصر حالة من الولع بالأدب الروسي، وبدأت دور النشر الكبرى بالقاهرة وكذلك المحلات مثل: « جين» و «بريد» ترسل طلبات رسمية للحصول على المؤلفات الأدبية والفنية التى كتبها المراسلون العسكريون السوفيت. وأدى الانتصار الساحق للجيش السوفيتى فى الحرب الوطنية العظمى، إلى تحول الرأى العام فى مصر لدعم ومساندة التحالف المضاد لهتلر والنازية وزيادة الشعور بالتعاطف مع الاتحاد السوفيتى وقد تمثل ذلك فى كتابات الدكتور طه حسين الذى انضم إلى لجنة الصندوق المصرى لمساعدة الشعب السوفيتي. ويسلط الكتاب الضوء على محاولة الرئيس جمال عبد الناصر أثناء زياراته إلى موسكو الترويج لقضية مفادها أن الصراع فى منطقة الشرق الأوسط برمته ليس صراعا بين الدول العربية وإسرائيل، ولكنه صراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتى ولكن الأصدقاء الروس أوضحوا له أن هذا استنتاج خاطئ ليس فقط من الناحية النظرية ولكن من الناحية العملية البحتة، فالصراع العربى الإسرائيلى يعد صراعاً بين القوى التقدمية التى يدعمها الاتحاد السوفيتي، بينما الولاياتالمتحدة وفقاً لطبيعتها الطبقية تدعم القوى الرجعية.