في أول حوار له بعد حصوله علي "جائزة الدولة التقديرية" في الآداب لهذا العام، التي رشحه لها اتحاد كتاب مصر، بدأ الروائي عبد الوهاب الأسواني حديثه متندرا: "والله الجايزة دي وترتني جدا من كتر التليفونات والمواعيد.."، وهو الوضع الطبيعي للرجل الذي اعتاد العزلة، ويري أن الرواية هي "فن العزلة".. وفي تفسيره لاعتقاده هذا يقول الأسواني: الكاتب يحتاج لعزلة تكاد تكون كاملة حتي يستطيع مواصلة كتاباته، لأن عليه أن يكتب يوميا، ولأندريه جيد الروائي الفرنسي المعروف قوله للروائيين: "سطرا واحدا كل يوم". لكن كيف تنعزل وأنت تصور المجتمع؟ يقول ماركيز "الطفولة مخزن الروائي" لأن هذه المرحلة هي مرحلة نقاء يستقبل فيها الطفل كل شيء دون انتقاء أو تحليل، فالذاكرة تكون قوية وحاضرة في تلك الفترة، لذلك أنا دائما أكتب عن المجتمع الأسواني. أعلنت ندمك في 2008 علي ترشيح أتيليه القاهرة لك للحصول علي "التقديرية"، فما صدي فوزك بها هذا العام؟ كنت في 2008 يائسا من فوزي بها، وطالبت بسحب الترشيح، لكن الأتيليه لم يستجب، لكن هذه المرة في الاتحاد كان هناك شبه إجماع علي ترشيحي من أول جلسة، لكنني كنت "متشائم" من الفوز، فأنا أتسم بالحياء الشديد، ولا أعرف أن أقدم نفسي للآخرين واتصل باللجنة وغيرها، فحينما بدأ الاجتماع في الرابعة وجدت أحد الأصدقاء من المجلس يهاتفني ويبلغني أنه سوف يبشرني في السادسة، ومرت الساعة السادسة ولم يتصل، فأدركت أنها ليست من نصيبي، وحزنت لمدة ربع ساعة، لكنني فرحت! لأن معني ذلك أن شحنة الحزن هذه سأنتج بسببها عملا روائيا مهما، فأحسن الأعمال تأتي هروبا من أزمة، ونزلت لصديق لأجلس معه بمكتبه ساعة ثم أعود للمنزل لأبدأ الكتابة، لكنني وبعد أن نزلت فوجئت بابني يهنئني بالجائزة! وعقبه مباشرة صديقي من المجلس يؤكد لي المعلومة، فرحت لكنها لم تكن فرحة مكتملة، وحزنت لأنني لن أكتب لفترة طويلة. يدور الآن حديث حول تطوير آليات جوائز الدولة، في رأيك ما النقاط التي تستدعي التطوير؟ أري أن أكثر السلبيات الموجودة تتمثل في الأعضاء، فأنا لا أرحب بمن هم ليسوا في مؤسسات ثقافية كمندوبي الوزارات الأخري، فأغلبهم لا يعرفون الأدباء ولم يقرأوا لهم وليسوا متابعين للتشكيليين ولا أتصور أنهم يسألون المثقفين الموجودين لأنه ليس من اللائق لهم، فلمن سيصوتون؟..أعتقد أنهم يصوتون لمن هو مشهور إعلاميا ومن ثم لا يشترط أن يكون أفضل المرشحين، فأعتقد أنه لا بد من إلغاء حضور مندوبي الوزارات الأخري الذين لا علاقة لهم بالثقافة. هل تري أن فوزك بالجائزة قد تأخر؟ والله بعض الأصدقاء يرون أنها تأخرت.. ثم استطرد في استحياء: يعني حتي لا أكون مغرورا.. جاءت في موعدها. وما موعدها المناسب للمبدع من وجهة نظرك؟ اسمعي..الأدباء العظام يكون لديهم عشرة كتب مثلا، عادة ما تكون الأولي منها متواضعة..وهؤلاء يحصلون علي نوبل في بلادهم، لكن ما الذي يعطلنا نحن العرب؟..اللغة.. فنحن لم نفرض أنفسنا ليكون بهيئة نوبل متخصص في اللغة العربية، رغم أنني أزعم أن لدينا أعمالا روائية أفضل من أعمال فازت بنوبل، والسبب في ذلك حكامنا الجهلاء الذين يكرهون الأدباء، فعبد الناصر كان يسلم هذه الجائزة بنفسه لأنه مثقف وكانت له بعض الكتابات وهو شاب، لكن السادات ومبارك رفضا منح هذه الجوائز بنفسيهما، ففاقد الشيء لا يعطيه. الشاعر عبد المنعم رمضان اعترض علي كل الفائزين عداك، أما الروائي خيري شلبي فيري أن الجميع لا يستحقونها، ما تعليقك؟ طبعا جزيل شكري للشاعر عبد المنعم رمضان، فهو شاعر ومثقف حقيقي وموهوب بالتالي يدرك الموهوبين أمثاله، بالنسبة للروائي خيري شلبي فهو رجل طيب ومحترم وصديقي، لكن له شطحات أحيانا وظن أن كلامه لن ينشر، لذا اتصل بي وقال إنه لم يقل ذلك، ولأنني أعرفه تماما فإنني متأكد أنها كانت لحظة غضب منه. ما سبب إغفال الجوائز العربية لرواية الأسواني؟ لم أشترك في أي جوائز عربية، فحينما كنت أعمل بمجلة "المجلة" العربية رشحني رئيس تحريرها لجائزة "العويس"، لكنني اعتذرت وقتها لأنني كنت انتظر صدور مجموعتي القصصية "شال من القطيفة الصفراء" ورواية "سر العنب" بهاتين كنت سأضمن الفوز بالجائزة لأنني أكره الهزيمة. هل تري أن ظهور تيارات الكتابة الجديدة إعلان لانتقال كتابات الستينيات للماضي؟ لا، يجب أن نلاحظ شيئا مهما، أن كل جيل يأتي بالجديد وبالتغيير ودائما ما يتولد صراع خلاق بين الأجيال، لكن ما يبقي هو الأعمال الجيدة، فلقد قرأت في الفترة الأخيرة أعمالا قصصية لشباب جديد أعجبتني جدا لأنها متميزة وبها إضافات حقيقية خاصة بهم، لكن دائما كل جيل يعزز من نفسه ويري أنه الأفضل، وهو ما ليس صحيحا، فجيل الستينيات يحسب له أنه أحدث نقلة في الكتابة والظروف خدمته في تلك الفترة لكنه ليس الأفضل. هل تري أن ثورة "25 يناير" وعدم استقرارها لفترة سيحدث نوعا من الفجوة الأدبية؟ بالعكس الفترات التي تتسم بالاضطرابات أو الركود يزدهر الأدب، فالفن احتجاج علي أوضاع المجتمع، لكنه احتجاج جمالي. معني ذلك أن الثورة لم تنتصر بعد؟ لا، فهي لم تكتمل بعد، وان شاء الله أرجو لها أن تنتصر، فأعداؤها كثر ولا يجب أن نطلق عليهم "ثورة مضادة" لأنهم أقل من أن يوصفوا بثوار والثورة تكون لأهداف نبيلة، من الحزب الوطني السابقين وبعض رجال الأعمال و"الراقصين" في كل مكان والانتهازيين وهم أقوياء جدا لأنهم متمرسون سياسيا، بينما الشباب العظيم الذي قام بالثورة تنقصه الممارسة والخبرة السياسية مثلهم، لكن لدي احساس قوي بنصرتها لأن الشعب كله مؤمن بها. أنت من الكتاب القلائل الذين ينصفون النقاد حتي أنك وصفتهم "بالشهداء العظام" فما الدافع وراء ذلك؟ لأن الناقد فعلا شهيد، فأين المنبر الذي يستطيع من خلاله تقديم فكره ورأيه فيه؟.. فالصحف التي تحترم الثقافة والفكر أصبحت قليلة وغير مشهورة، أو أكاديمية أكثر بالتالي أين سيكتب الناقد؟ في المقابل نجد الصحف والمجلات العربية تفرد الصفحات للنقد وتحترمه، لكنها تهتم بأعمالها وبالتراث والأعمال الأجنبية ولا تلتفت كثيرا للأدب في مصر، فبالتالي الناقد المصري يضطر للكتابة عن الآخرين، فهو يريد أن يعيش وأن يعبر عن فكره. لماذا لم ننتج نظرية أدبية عربية حتي الآن؟ هذا من الممكن حدوثه في الفنون فقط وليس في النقد، فالنقد معروف أنه عالمي وليس تابعا لجنسية. كيف تري ظاهرة كتاب "الأكثر مبيعا"؟ لا أؤمن بها إطلاقا، فالأكثر مبيعا لا يعني أنه الأفضل، فكلما كان العمل أكثر إتقانا أدبيا قل قراءه. تخصصاتك الأدبية متعددة ما بين الرواية والقصة والسيناريو والمقال وكذلك الكتابة التاريخية، ألا ترتبك أحيانا بين كل هذا؟ بالتأكيد أرتبك كثيرا، وتعطلت كثيرا عن الرواية بسبب ذلك، لكنني اتخذت قراري بالتركيز في الرواية، فهي عشقي الأساسي. بعض أعمالك تم تحويلها لأعمال درامية وإذاعية، هل تري أنها أضافت لك ككاتب؟ الحقيقة لا، لأن الجمهور الأدبي أو القاريء لا علاقة له بالتليفزيون والعكس صحيح، لكن بالنسبة لمجتمعي الأسواني كان مهما لأنهم لم يقرأوا لي ! لكنهم استمتعوا بعملي الدرامي. بوصفك عضوًا بجمعية الأدباء .. ما سبب الخمول الذي ساد نشاط الجمعية؟ وما السبيل لنفض الغبار عنها؟ الجمعية تتميز بالعراقة، لكن نشاطها قل كثيرا عن الوقت الحالي، ربما لازدحام الحياة ومزاحمة القنوات الفضائية والإنترنت للكتاب، مما أثر علي دور الكلمة المكتوبة، بالتالي دور الجمعية تأثر. شهد اتحاد الكتاب مؤخرا عدة مشاكل .. هل تري أن الاتحاد قد بدأ اتجاها أكثر حيوية وخدمة لأعضائه؟ الحقيقة أنني لا أري مشكلة في الاتحاد، بل إنه يقوم بعمله جيدا وسلماوي بذل ويبذل مجهودا مشهودا لم يحدث في الاتحاد منذ عشرين عاما علي الأقل، وكل من هاجموه كانت أسبابهم غير موضوعية، فنحن ماذا نريد من الاتحاد إلا أن يقوم بعمل نقابي لأعضائه وهو ما يحدث فعلا، فهو علي خطي التقدم المطلوبة. ما تقييمك للأعمال التي ظهرت سريعا عن الثورة؟ هو أدب حماسي لكنه ضعيف فنيا، فليست هذه أحسن ما لدي كتابها. هل يمكن اعتبار روايتك المنتظر صدورها "جوليا اليونانية" إفراجًا عن ذاكرتك السكندرية؟ في اسكندرية بدأت علاقاتي مع بقايا الخواجات في سن الشباب حين كنت أبلغ عشرين عاما، حيث أصبح المصريون أغلبية بالإسكندرية وليس أقلية كما كنا وأنا في سن الطفولة، وما رسخ في ذهني وقتها هو تجارب انتقيتها وحللتها، وهو ما أكتب عنه، لكن أعتقد أن أعمال أسوان هي الأقوي، لأنها كما ذكرت خرجت من مخزن الطفولة البكر. ما سبب عدم حماسك للاتجاه الحداثي؟ بالعكس أنا متحمس له لكن بشرط، فالكثيرون يتناولونه من باب الموضة الجديدة وبأنه سيكون متميزا وهو كلام ساذج، فالحداثة كيف تساعد علي التوصيل وكيف تجعل العمل أكثر متعة، فأنا اهتم بالتجديد لكن بحذر والحفاظ علي الوصول للقارئ. أين غربتك لمدة اثني عشر عاما في أعمالك الأدبية؟ الحقيقة أن غربتي لا تحتمل أكثر من رواية واحدة، لكن مشكلتي أنها ستكون عن الكواليس الصحفية هناك في الخليج، لكن حتي لا يزعل أحد مني لابد أن أكتب عن الكواليس الصحفية هنا أيضا.