وكأن الثورات قابلة للحسد.. فإن كان ذلك جائزاً فالثورة المصرية هي أول الثورات المحسودة.. فبعد الإشادة الدولية بالثورة والتعليقات الرائعة من قادة العالم البارزين حول تحضر الشعب المصري.. وثورته السلمية.. انتكست الثورة وكأن «عين وصابتها».. فالشعب المصري موعود بالعذاب.. فلا يكاد يفرح يوماً واحداً حتي تنهال عليه الهموم والأحزان من كل صوب وحدب.. حتي إن المواطن المصري البسيط إذا ابتسم أو ضحك أو انبسط قليلاً لأمر ما.. عاد علي الفور يؤنب نفسه علي هذا الفرح الذي انتابه، فيردد بينه وبين نفسه: «اللهم اجعله خير».. وكأن هذا الضحك ليس من حقه.. فعليه أن يعتذر عن ممارسته الفرحة قليلاً. وهذا الاعتقاد بأن ثورتنا محسودة.. ما يدور الآن حولنا.. وأجدني عاجزاً تماماً عن فهمه.. ماذا يحدث؟! لا أحد يدري.. لا أنا.. ولا أنتم.. ولا أحد يعلم إلي أين تتجه بنا سفينة الوطن! فبعد أن كانت ثورة 25 يناير هي ثورة الشباب.. ثم انضم إليها كل فئات الشعب المصري.. ولكن فجأة وبعد نجاح الثورة وسقوط النظام.. تكالبت عليها كل التيارات السياسية.. وكل القوي اليمينية واليسارية.. والليبرالية.. والناصرية.. والوفدية.. والسلفية.. والمهلبية.. والملوخية.. وبعد أن كانت الثورة تمول نفسها بنفسها بقروش المصريين الفقراء.. تدفقت الأموال علي الجمعيات الأهلية.. والخيرية.. بالملايين.. وبعد أن كانت هناك دولة واحدة تقوم بالتمويل.. تعددت الدول المانحة، فالاتحاد الأوروبي موجود.. والولايات المتحدةالأمريكية «شغالة الله ينور».. وبعض الدول العربية لم تقصر.. حتي قيل إن ما تم إرساله لبعض الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والائتلافات الثورية بلغ حتي الآن 40 مليون دولار. وبعد أن كان لدينا ائتلاف ثوري واحد.. أصبح لدينا «وبلا فخر» 1600 ائتلاف.. وبعد أن كان لدينا 23 حزباً.. منهما 4 أحزاب معروفة وشغالة والباقي أحزاب «تحت السلم» أصبحت مصر الآن تلد حزباً كل 27 ثانية، وأخشي أن تلجأ لجنة شئون الأحزاب إلي تعقيم الرجال الحزبيين أو أن تخترع حبوباً لمنع «الحمل» بأحزاب جديدة.. حتي لا تعاني مصر من انفجار «أحزابي» يلتهم مشاريع التنمية.. كما التهم الانفجار السكاني مشاريع الأمن الغذائي من قبل. حتي أعداء الثورة توالدوا وتكاثروا كالأرانب.. فبعد أن كان لدينا «ثورة مضادة» واحدة.. أصبحت لدينا ثورات مضادة بالكوم.. فهناك فلول الحزب الوطني.. وبلطجية النظام السابق.. وذيول رجال السلطة.. وميليشيات رجال الأعمال الفاسدين.. والسلفيون المتحفزون لإثارة الفتنة.. حتي الإسلام السياسي أصبح بالعشرات.. فقد كان لدينا «الجماعة المحظورة» التي أعلنت عن اسمها الحقيقي وتخلت عن الاسم الحركي وأصبحت «الإخوان المسلمين».. والإخوان انشقوا إلي شباب الإخوان.. وشيوخ الإخوان.. ثم ظهرت من جديد جماعات الجهاد.. والجماعة الإسلامية.. وحزب الوسط وحزب العدالة.. وحزب العدل.. والأخوات المسلمات.. حتي رؤساء الجمهورية المرتقبون في تزايد مستمر فكل من كان محروماً من الظهور في التليفزيون والشهرة قرر أن يكون رئيساً. وبعد مليونية الغضب أصبح كل يوم جمبعة لدينا مليونية جديدة.. وقريباً سنصبح بلد المليون «مليونية». أما البلطجة فقد أصبحت «موضة».. وكل واحدة معاه «حديدة مصدية».. تمنحه الجماهير لقب «بلطجي».. وأصبحت البلطجة تمارس علناً وكأنها وظيفة جديدة يجب علي مجلس الدولة أن ينظم العمل بمؤسسات البلطجة ويحدد الكوادر الوظيفية.. والمخصصات والتخصصات.. فهناك تخصصات مختلفة داخل كل قطاع بلطجي. وبعد أن كان شعار الثورة: «سلمية سلمية».. علينا أن نحترس قبل أن يتحول الشعار بفضل البلطجية والفلول إلي «بلطجية سلفية».. وربنا يحمي الوطن من صحابه.