في محيط الأسرة الصغيرة تتجلي السلطة الحاكمة داخل البيت في الأب والأم وهذه السلطة الأبوية تتولي حماية البيت وكل أفراد الأسرة.. وتوفر الأمن والأمان للجميع.. ومن بديهيات الحماية تقويم السلوك المنحرف.. وتعليم الأولاد المبادئ الأولية للآداب العامة وعدم التلفظ بالكلمات الخادشة للحياء.. ف «الأدب فضلوه علي العلم».. وعندما يغيب الأب والأم.. وتغيب السلطة الأبوية.. يصبح كل شيء في البيت خارج السيطرة.. فينطلق الأطفال الصغار بحرية تامة في أنحاء المنزل يقلبونه رأسًا علي عقب.. ويسفون السكر.. ويأكلون ما يقع تحت أعينهم من حلوي تخبئها الأم عن الأعين.. وإذا كان بين الإخوة والأخوات طفل «معجون بماء الشياطين» فسرعان ما يفرض سيطرته علي الجميع ويمارس كل أساليب «البلطجة» العائلية علي إخوته ويتزعم التخريب والعصيان المدني وتسود المنزل حالة من الانفلات الأمني.. فإذا كان الأولاد قد أحسن الأبوان تربيتهم.. ساد الهرج والمرج.. وقبل عودة الكبار بقليل يتم إعادة كل شيء في البيت إلي نصابه.. أما إذا كان الأولاد من نوعية «النسانيس مقاصيف الرقبة» فالبيت سيتم تدميره وستنتشر الألفاظ البذيئة.. والشتائم التي يعاقب عليها القانون.. وستندلع نار الفتنة بين أفراد العائلة الواحدة.. ويبدو أننا نعيش الآن في مصر هذه الحالة من الانفلات الأمني.. فالسلطة الأبوية للدولة التي من المفترض أنها توفر الحماية والأمن والأمان للجميع مازالت غائبة.. أما سلطة تقويم السلوك المنحرف.. والحفاظ علي الآداب العامة وتعقب كل من يتلفظ بما يخدش الحياء.. فهي غائبة تمامًا فكل هذا الانفلات الأخلاقي لا يمكن القضاء عليه الآن اعتمادًا علي مؤسسة الأسرة أو مؤسسة المدرسة أو الجامعة.. فنحن في زمن «العيار الفالت» ولا أحد يحاسب أحدًا.. فالبلد في حالة سيولة والشرطة مازالت لغزًا غير مفهوم.. والقوات المسلحة كان الله في عون رجالها فهم مشتتون ما بين واجبات فرضت عليهم لم تكن يومًا ما ضمن مهامهم القتالية.. ولا عقيدتهم الحربية.. فهم لحماية الحدود المصرية من الغزاة أما تنظم المرور.. والحفاظ علي الآداب العامة وحماية المجتمع مما يخدش الحياء فهذه مهام ليست ضمن مسئوليتهم.. أما حكومة الدكتور شرف فهي حائرة ما بين الدكتور «علي الغتيت» و«الدكتور يحيي الجمل».. فأيهما يستشيره «شرف».. فنحن بحاجة إلي معجزة إلهية لكي نخرج مما نحن فيه.. فقد رأيت بعيني رأسي عدة مشاهد في يوم واحد.. وكل مشهد منها يندي له الجبين وتقع تفاصيله تحت باب: «صدق أو لا تصدق» وسأكتفي هنا بمشهدين: المشهد الأول «نهار خارجي»: سائق ميكروباص يصدم بسيارته مؤخرة سيارة أجرة أمام مؤسسة روزاليوسف بشارع قصر العيني ينزل سائق الميكروباص - والمفترض أنه هو المخطئ - فيسب سائق التاكسي الأبيض بأمه وأبيه و«يسكعه قلم علي وجهه.. ثم بوكس معتبر».. وينهال عليه بوابل من الشتائم البذيئة.. وسائق التاكسي الغلبان يكاد لا يصدق فقد أذهلته المفاجأة وأصابته بشلل رباعي.. وجاء صول من الداخلية ينظم مرور إشارة المبتديان فظننته قادرًا علي انصاف المظلوم وسحب رخص القيادة ورخص الميكروباص.. ويحيل الاثنين إلي قسم قصر النيل ليتخذ الإجراءات المناسبة.. وعندما اقترب منهما.. كان أحد المساعدين لسائق الميكروباص قد أخرج من الشباك «شومة» طولها متران غليظة مدببة ذات شكل مرعب.. وهو يحاول جاهدًا أن يلقي بها للسائق لكي يكمل ضرب سائق التاكسي الأبيض أما حضرة «الصول»..فقد جاء هادئًا وأمر سائق التاكسي بأن يقصر الشر ويركب سيارته ويتكل علي الله.. ولسان حاله يقول له: «ياعم خليك في حالك وارجع لعيالك سالم بدل ما بلطجية الميكروباص يقطعوك».. وهكذا انتهي المشهد الأول.. وانطلق سائق التاكسي مضروبًا ومقهورًا ومذلولاً.. وعاد سائق الميكروباص منتصرًا ومزهوًا و«نافش ريشه كما الطاووس». المشهد الثاني «ليل داخلي»: أنا في منزلي أشاهد التليفزيون.. صدمتني قناة تسمي «روتانا/ مصرية» تقودها الإعلامية «هالة سرحان».. فإذا ببرنامج يأتي مسرعًا من الجهة الأخري ليطيح بي من فوق مقعدي فأطير في الهواء وأهوي علي الأرض محطمًا بعد أن شاهدت وسمعت مجموعة من «النكت» البذيئة المخجلة.. المخلة بالشرف.. والخادشة للحياء العام.. وكأنها فعل فاضح علي قارعة الطريق نكات من نوعية لا يمكن أن يسمعها الأطفال في البيوت ولا النساء الفضليات.. ولا الرجال المحترمين.. نكات لا تقال إلا بين نساء ساقطات.. ورجال منحرفين يجلسون في «غرزة للتحشيش» ويتبادلون أنفاس الحشيش والبانجو.. وحقن الماكس.. ومنقوع «البراطيش».. نكات لو نشرت منها هنا «نكتة» واحدة سأتعرض أنا ورئيس التحرير للمساءلة القانونية لأنها نكات بذيئة ورديئة.. الكارثة الأكبر أن من يلقي هذه النكات بنات صغيرات السن في العشرينات.. وشباب صغار السن.. ولكن للأسف الشديد يجلس بينهن عدد من الفنانين مثل المطرب «إدوارد».. وبعض الممثلين الآخرين لا أتذكر أسماءهم ولكن وجوههم مألوفة.. والبرنامج اسمه: «comic club».. ولكنه كارثة أخلاقية فهو لا يقدم سوي هذه النكات البذيئة فقط فلا يوجد موضوع.. ولا مادة إعلامية.. ولا قضية يناقشها.. ولا مسئولية أخلاقية لدي أصحاب هذه القناة.. ولا القائمين علي البرنامج.. إنه انفلات تليفزيوني يضاف للانفلات الأمني. وفي نهاية المشهد.. يودعنا مقدم البرنامج ويعدنا بأن يرانا الحلقة المقبلة ومعه مجموعة أكثر بذاءة من هذه النكات الخارجة عن القانون والعجيب أن القناة تحمل اسم «مصر» مع أن شركة «روتانا» يمتلكها الملياردير السعودي الوليد بن طلال.