فى الوقت الذى تعالت فيه الأصوات المنادية بإعادة النظر فى نظام التعليم فى مصر بشكل عام، خاصة بعد أزمة تسريبات امتحانات الثانوية العامة، أصبح من الضرورى النظر إلى قطاع التعليم نظرة أكثر شمولية، باعتباره أساس النهضة والتقدم لأى مجتمع يسعى إلى تحقيق الازدهار والرفاهية، وليس مجرد نظام لتلقين بعض المعلومات ومنح الشهادات العلمية التى لا ترتبط بأى صلة بواقع الحياة العملية فى البلاد. حققت ماليزيا طفرة اقتصادية كبيرة، ضمن ما بات يعرف بتجربة النمور الآسيوية، الأمر الذى جعلها فى مقدمة الدول التى خرجت من نطاق التخلف والدخول ضمن نادى الدول المقتدمة، حيث لم تتحقق تلك الطفرة فجأة أو بدون مقدمات مدروسة، ولكنها بدأت مع الإدراك بأن مفتاح النهضة فى البلاد هو التعليم، ولذلك بدأت ماليزيا منذ مطلع عقد السبعينيات فى الاهتمام بقطاع التعليم فى مختلف مراحله، فقد كان إيمان الحكومات المتعاقبة كبيراً بأهمية دور التعليم فى صناعة النهضة المنشودة، ولذلك كان التعليم فى مقدمة أولوياتها، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تخصيص جزء كبير من ميزانيتها لبناء نظام تعليمى قوى ومتنوع، إلى جانب دعمها الكامل للبعثات الدراسية العلمية فى الجامعات الأجنبية. شكلت التجربة التعليمية فى ماليزيا نموذجاً لصناعة النهضة الشاملة فى كل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، حيث حققت مركزاً متقدماً فى القطاع التعليمى، لا يعتمد على تلقين وحفظ المعلومات بقدر ما يعتمد على الفكر والإبداع، ويترجم ذلك عملياً تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة لأهم 30 دولة مصدرة للتقنية الحديثة، الذى يشير إلى موقع ماليزيا فى المرتبة التاسعة فى العالم فى هذا المجال، متقدمة فى ذلك على العديد من الدول كإيطاليا والسويد والصين، وذلك بفضل النظام التعليمى القوى الذى اتبعته البلاد ، والذى يقوم على توفير الفرص للإبداع والابتكارات العلمية. المعلم هو أساس العملية التعليمية، ولذلك فإن الاهتمام به مادياً وعلمياً واجتماعياً يُعد من أولويات المنظومة التعليمية فى ماليزيا، فيتم إعداد المعلم فى كليات إعداد المعلمين المتخصصة، ويختلف إعداد المعلم بحسب نوعية التعليم الذى سيعمل به فى المستقبل، فمعلمى التعليم العام يختلف إعدادهم عن معلمى العلوم، الذين يختلف إعدادهم أيضاً عن إعداد معلمى التعليم المهنى، حيث تستغرق مدة إعداد المعلم عاماً واحداً بعد التخرج من الجامعة وذلك للحصول على الدبلوم العالى للتدريس، ثم عاماً ونصف العام للحصول على شهادة التدريس النهائية، ويدرس المعلم ثلاث سنوات أخرى للتخصص فى التعليم المهنى ، وهذا ما يدل على أهمية التعليم المهنى ليس فى منظومة التعليم بل فى المجتمع الماليزى بشكل عام. تشمل مناهج إعداد المعلم، علم النفس التربوى، طرق التدريس، التعليم فى ماليزيا، لغة الملايو «لغة البلاد الرسمية»، اللغة الانجليزية، تقنية التعليم، التربية الإسلامية والأخلاق، الحضارة الإسلامية، التاريخ، بالإضافة إلى الجانب التطبيقى فى المدارس، وخلال عمل المعلم يخضع لتدريبات أخرى كل خمس سنوات لتلبية المتطلبات الحديثة وزيادة كفاءة المعلم، إلى جانب كل ذلك فإن منظومة التعليم تشارك فيها المؤسسات الإعلامية من خلال البرامج الإعلامية التى يتم إعدادها بين كل من وزارة التعليم والمؤسسات الإعلامية الوطنية وتعرض فى وسائل الإعلام الوطنية بمعدل أربع مرات فى الأسبوع. تضع الحكومة الماليزية المعلم فى مكانة اجتماعية مهمة، ولذلك ينال تقديراً مادياً وأدبياً منقطع النظير على المستويين الرسمى والشعبى باعتباره الأساس الذى تقوم عليه نهضة المجتمع الشاملة، فالمعلم هو المسئول عن صناعة الأجيال التى تتحمل مسئولية إدارة البلاد فى مختلف المستويات العلمية والمهنية والإدارية والقيادية، ولذلك تعتبر الحكومة الاستثمار فى التعليم هو أهم مجالات الاستثمار فى الموارد البشرية التى بدورها تمثل أهم مورد فى منظومة النهضة والتقدم. ما حققته ماليزيا من نهضة قائمة على قاعدة تعليمية قوية، جعلها محل اهتمام العديد من الدول الساعية للنهوض والتقدم، ولذلك أصبح قطاع التعليم فى ماليزيا مجالاً هاماً من مجالات الدخل القومى للبلاد، حيث تستقطب سنوياً أعداداً كبيرة من الدارسين فى مختلف المستويات التعليمة ومختلف المجالات العلمية والمهنية، كما باتت ماليزيا مكاناً مفضلاً وجاذباً للعديد من الأحداث العلمية الدولية الهامة فى مقدمتها العديد من المؤتمرات العلمية الدولية وورش العمل ومعارض المؤسسات العلمية والتدريبية.