الشعب المصرى شعب أصيل لا يعرف اليأس ولا القنوط، ولا الإحباط، ولا الاستسلام، وتنبع ثقافته هذه من حضارتين عظيمتين امتزجتا فصنعتا منه نسيجًا فريدًا متميزًا، وهما: الحضارة الإسلامية بقيمها وأخلاقها وعظمتها وإنسانيتها وإيمانها الراسخ بالله (عز وجل)، الذى تهتز الجبال ولا يهتز يقين المؤمن بها فى الله (عز وجل)، أما الحضارة الثانية فهى الحضارة المصرية العريقة بعبقها، وصمودها، وجلدها، وقوتها، بحيث صار أجنادها كما قال عنهم نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) خير أجناد الأرض، فهم وأبناؤهم وأزواجهم وأهلوهم فى رباط إلى يوم القيامة. وبهذا الإيمان لم تحبط المصريين جراحُ عام سبعة وستين، ولم تفت فى عضدهم حرب الاستنزاف، بل زادتهم قوة إلى قوتهم، وكما يقولون: فإن الضربة التى لا تقصم ظهرك تقويه، فسرعان ما لملموا جراحهم، وأعادو تنظيم صفوفهم، وأحكموا خطتهم، واستعانوا بالواحد الأحد، وأحسنوا التوكل عليه واللجوء إليه، وكانت صيحتهم الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، خرجت مدوية من قلوبهم قبل ألسنتهم إيمانًّا بالله وحبًّا للشهادة فى سبيله وفى سبيل الوطن، فزلزلت الأرض تحت أقدام أعدائهم، وعبروا القناة، وحطموا خط بارليف، وقهروا الجيش الصهيونى الذى كان يقول فى صلف إنه لا يقهر، وأعادوا لمصر أرضها وترابها، وللأمة عزتها وكرامتها. وها هى قواتنا المسلحة الباسلة تصنع من جديد تاريخًا جديدًا لا يقل عن نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر1973م ألا وهو وقوفها الصلب الذى لا تلين له قناة فى وجه الإرهاب الأسود الغاشم والعدو الجبان، والذى لا يعرف سوى الغدر والخيانة. وإلى جانب قيامها بواجبها العسكرى خير قيام يشهد به القاصى والدانى، بما يغيظ العدا ويَسُرُّ الصديق، فإنها تسلك مسلكا آخر لا يقل أهمية ولا وطنية عن المسلك الأول، وهو مسلك البناء والتعمير، يد تبنى وأخرى تحمل السلاح، يد تواجه العدو وأخرى تبنى وتشيد، ولا يمكن لأحد المسلكين أن يؤتى أكله كاملاً بمعزل عن الآخر، فبدون الأمن والأمان لا اقتصاد ولا استثمار، فالعمران والتعمير والبناء والتشييد كل ذلك فى حاجة إلى قوة تحميه وتحافظ عليه، وتدفع عنه يد الغدر والخيانة ومطامع العدو المتربص قاصيًا كان أو دانيًا، كما أن الدول الرخوة الضعيفة لا يمكن أن تبنى جيوشًا قوية، فالجيوش القوية تحتاج إلى إعداد مهنى ومادى كبير، ثم إن الدول العظمى لا تبنى على محور واحد أو بعد واحد، وإنما هى منظومة يكمل بعضها بعضًا ويشد بعضها أزر بعض ويقوى بعضها بعضًا فترى إلى جانب الدفاع عن الوطن والذود عن حماه استصلاحًا هنا وتعميرًا هناك. ثم مَنْ هى القوات المسلحة؟ إنهم أبناء مصر الأوفياء: ابنى وابنك، وأخى وأخوك، وابن أخى وابن أخيك، وابن عمى وابن عمك، وابن خالى وابن خالك، وجارى وجارك، وصديقى وصديقك، ولعل من أبرز ما يميز الجيش المصرى أنه جيش وطنى لا يعرف المرتزقة التى تعرفها جيوش أخرى، ولم يكن يومًا معتديًا أو متجاوزًا فى حق دولة أخرى، غير أنه جيش أبيّ عزيز لا يقبل الظلم، ولا يقر على الضيم أو الهوان، مستعد للشهادة فى سبيل وطنه، وفى الدفاع عن أبنائه، والذود عن حماه، وأرضه وسماه، فلله درك يا جيش مصر! وإننا لعلى يقين أن هذا الشعب الأصيل الذى عبر خط بارليف بفضل الله (عز وجل) وفضل إيمانه به ثم بوطنه وأمته لقادر على أن يعبر بأمته مرة أخرى إلى بر الأمان، وأن يخلصها من شرور الإرهاب الأسود، وأن يقتلعه من جذوره، إيمانا بأن ما يقوم به هو واجبه الوطنى والإنسانى، وأن مواجهة الإرهاب إنما هى واجب شرعى ووطنى ذلك أننا شعب عظيم محب للحياة، للبناء والتعمير، للأمن والأمان، يسعى لخير وسلام الإنسانية جمعاء، واقف بالمرصاد فى وجه الفساد والمفسدين والإرهابيين والمتطرفين حتى يرد الله (عز وجل) كيدهم فى نحورهم ونحور من يستخدمونهم، وما ذلك على الله (عز وجل) بعزيز.