يُعد الأزهر الشريف من أهم المؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى، حيث يعتبر منارة علمية يؤمها طلاب العلم من مختلف الدول الإسلامية، وذلك لما يحظى به من مكانة كبيرة فى نفوس المسلمين، نظرا لتبنيه الإسلام الوسطى البعيد عن التشدد والتطرف، وذلك منذ أن وضع حجر أساسه المعز لدين الله فى 14 رمضان 359 ه/ 970 م، ليصير بعد ذلك قبلة للعلم، منذ أن انتهى العمل من بنائه فى شهر رمضان عام 361 ه/ 972 م، ومن ثم بدأ رحتله التنويرية فى نشر العلم والمعرفة منذ ذلك التاريخ. خلال مسيرته الطويلة التى تمتد لأكثر من ألف عام، تعاظم دور الأزهر الشريف، وتوسع فى أنشطته العلمية، فأصبح الآن يضم العديد من الهيئات التى يؤدى كل منها دور مهم فى مجال الدعوة ونشر العلم والمعرفة، وأهم تلك الهيئات «دار الكتب الأزهرية، جامعة الأزهر، لجنة الفتوى، الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة، الإدارة العامة للبعوث الإسلامية، المجلس الأعلى للأزهر، اللجنة العليا للدعوة الإسلامية، الإدارة العامة للطلاب الوافدين. المعاهد الأزهرية الخارجية، قطاع المعاهد الأزهرية، مجلة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، إدارة إحياء التراث الإسلامى «، ولكل من هذه الهيئات دور فى أداء الأزهر لوظيفته التى وصل من خلالها إلى مكانته الكبيرة على المستوى العالمى. يفد إلى الأزهر الآن نحو 40 ألف دارس ودارسة من 150 دولة حول العالم، يدرسون فى معاهد وكليات الأزهر الشريف المختلفة، بالإضافة إلى مدرسى المواد الشرعية والبعثات التى يوفدها الأزهر حول العالم فى شهر رمضان المبارك، للقيام بأعمال الدعوة والتثقيف والتعريف بأمور الدين الإسلامى الحنيف سواء فى الدول الإسلامية أو الجاليات الإسلامية فى الدول غير الإسلامية، الأمر الذى أكسب الأزهر قوة ناعمة ليس لها حدود نظرا لأعداد الدارسين الكبيرة من مختلف دول العالم، إلى جانب العديد من المؤسسات التى أصبحت تعتبر الأزهر مرجعيتهم الأولى. ومن ثم أصبح يحظى بمكانة مهمة لدى الأفراد والمؤسسات فى معظم إن لم يكن جميع دول العالم، ولذلك يمثل الأزهر القوة الكبرى الناعمة لمصر حول العالم، قد لا يدرك الكثير فى مصر هذه المكانة الكبيرة للأزهر الشريف. ولكن يدركها جيدا من يسافر إلى الخارج ويلتقى بخريجى الأزهر فى مختلف دول العالم، الذين درسوا فى كلياته والشرعية والعلمية على حد سواء فى مختلف دول العالم، خاصة فى الدول الإسلامية الآسيوية سواء فى آسيا الوسطى «أوزبكستان، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان «، أو جنوب شرق آسيا «اندونيسا، ماليزيا، بروناى» وغيرها من الدول، هؤلاء الذين درسوا فى الأزهر ورجعوا إلى بلادهم وتولوا وظائف ومناصب مهمة فى بلدانهم يحملون فى ذاكرتهم وفى قلوبهم كل مودة وتقدير للأزهر الشريف ولمصر بشكل عام، وكل ما ينغص عليه حياتهم هو عدم تواصلهم مع الأزهر أو مع أى من المؤسسات المصرية بعد عودتهم إلى بلادهم. يشكل هؤلاء الذين درسوا فى الأزهر قوة ناعمة كبيرة لمصر، لم يحسن الاستفادة من تلك القوة حتى الآن، فبإمكان خريجى الأزهر الشريف من دول العالم المختلفة أن يكونوا جسورا للتواصل والتعاون بين بلادهم وبين مصر فى مختلف المجالات خاصة أنهم يعملون فى مجالات مختلفة فى مقدمتها السياحة والتجارة، إلى جانب التعاون الثقافى الذى يُعد من أهم مجالات التعاون بين الدول والشعوب باعتبار الثقافة بوابة فهم ومعرفة الآخر، ومن ثم تفتح آفاقا رحبة للتعاون فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية. حتى يكتمل دور الأزهر، وجنى ثمار ما قدمه من علم ومعرفة للدارسين من مختلف دول العالم، لابد أن يضاف إلى الهيئات المتعددة فى الأزهر الشريف هيئة جديدة تتولى التواصل مع الدارسين الذين وفدوا إليه وتلقوا علومهم ونهلوا من معين الأزهر الذى لا ينضب، حتى يظل ذلك التواصل جسرا مستمرا بين الأزهر كمؤسسة مصرية مهمة، وبين الدارسين الذين درسوا فيه والمؤسسات التى يعملون فيها ببلادهم، ومن ثم تتولد فرص التعاون فى مختلف المجالات. يبقى على الهيئات الدبلوماسية والمراكز الثقافية المصرية فى الخارج، ومختلف المؤسسات فى الداخل الاستفادة من قوة الأزهر الناعمة ودعم تلك القوة بكل السبل، وتوفير فرص التعاون التى تحقق أقصى استفادة ممكنة للطرفين، فالدول الصغير يمكن الاستفادة من التعاون معها بشكل أفضل من التعاون مع الدول الكبرى، لأن الدول الكبرى دائما تكون المنافسة معها لصالحها، بعكس الدول المتكافئة أو الأقل نموا فإنه يمكن المنافسة معها وتحقيق مصالح أكبر للوطن.