قصة - خالد ثابت كانت عجينة أما الآن فالسكر يزين وجهاً أصفر، دقيق مقهور كان معه ماء هرب حينما اشتعل الفرن بالجحيم هذه هي الفطيرة. قالت: ذهب أبوك للسوق يوم الثلاثاء، ووجدوا جثته طافية علي وجه النهر صباح الأربعاء ! قال : لماذا لم تخبريني وقتها ؟ قالت: خفت عليك قال: مم؟ قالت: خفت عليك من الألم ..وميراث كئيب قال : هل تعرفين ما حدث؟ قالت: لقد مرت سنوات طويلة... كل يا ولدي كل، لا معني لهذا الشقاء الآن! السكر منثور علي السطح فقط، الطعم الحلو فوق الوجه، أما القلب الساخن فلا يحتوي الا علي ملمس الزيت.. تحايل علي رقائق العجين الميت التي بلا طعم، لفحها بالوجه، التهم .. يمتلئ فمه وينقرض الكلام. قالت: كنتُ صغيرة ، وحيد، وفي حضني طفل يتيم .. مذاق الأيام الجافة قاس كنشارة الخشب.. قال : أعرف، مازلت أبتلعُ منها، كانت ولادة الهلالي صعبة أليس كذلك؟ لقد عانيتِ كثيراً، مازلت أذكر أطراف معاناتك المفزعة، زوجك وصراخك وليلة البرد الفقيرة في زمن الحرب! قالت: لقد تزوجت ثانية من أجلك ! قال :وهجرت السويس من أجلي ؟ .. وأحرق زوجك دواوين أبي من أجلي ؟.. كان أبي يكتب فيك شعره، لم يبق من قصائده الا ما ضاع منك في كتب المدرسية قالت: الحرب يا حبيبي سلطان شهواني أعمي ! قال : أرضعت سلطان حليبي قالت: اشتريت لك منه عمراً وبيتا ومدرسة قال : وقلباً مشروخاً وفراغاً، لقد زرعت الهلالي في أرضك من صلب السلطان قالت: الهلالي أخوك .. انتم أبناؤنا.. قال : الهلالي فقط .. أنا ابن الشاعر المقتول قالت: سلطان يحبك .. ولا يري فيك الا ابنا له قال: من يدري... ربما اكون ابنه .. لكن المستندات تقول ان الشاعر المقتول ابي اشاحت بوجهها ... لم يبق علي المائدة الا غلاف ورق عليه بقعة زيت ونصف فطيرة فقدت كل السكر من علي سطحها .. فم خال ورغبة مفقودة قال : من قتل أبي ؟ قالت: هل شبعت ؟ قال : لماذا لم تحبيه كما كان يحبك ؟ قالت: كان يكتب عني أشياءً جميلة اليس كذلك؟ قال : هل تعرفين لم قتل ؟ قالت: هل أحضر لك السكر ؟ قال: لماذا ؟ تخطفه خطوات مخنوقة عن مقعده، يقوم الي دوائر حائرة وعلامات استفهام وشك ! النور حكاية أخري من الحكايات القديمة، حلم الأعمي والغريب وأصحاب القلوب الأسيرة يدخل الهلالي الي المطبخ .. يدور علي خطواته الصغيرة في فلك أمه، يتورد وجهه لنصف وجه الفطيرة، بقية نصيب اليتيم ... قطوفها دانية. تباغتها دموع قديمة، تغالب البكاء، يطاردها بعين ظمآنة تتسول. لكنها تفرش فوق ألمها ابتسامة، تنثر سكراً علي الوجه الأصفر، وتحاول أن تقتسم معهما البقية الباقية من الفطيرة .