شارع المعز مشروع فاروق حسني الأكبر في تاريخه الوزاري كما تردد لسنوات، حيث أكد في أكثر من حديث لأجهزة الإعلام، أنه سيكون أكبر متحف، مفتوح في العالم وأنفق عليه ملايين الجنيهات والتي يبدو أنها ضاعت علي واجهات المحال وديكورات الشارع نفسه في حين أن الآثار نفسها مازالت تعاني الإهمال ومن تلك الآثار «حمام السكرية» الذي يعاني الآن من أكوام القمامة ومخلفات الحيوانات ناهيك عن المنطقة الواقعة خلفه وما تحويه من ورش لتصنيع الأحذية والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تشويه المنظر الجمالي للمبني الأثري، مما يؤكد أن مشروع فاروق حسني، جاء لتجميل شارع المعز دون أن يلتفت للمباني الأثرية بالمنطقة. علي بعد خطوات من باب زويلة في نهاية شارع المعز يقع واحد من الآثار الإسلامية الرائعة التي يزخر بها المكان وعلي ما يبدو أنه قد سقط من حسابات المسئولين عن الآثار الإسلامية حتي تحول إلي خرابة بما تحويه الكلمة من معني .." حمام السكرية" الأثري.. ذهبنا إلي هناك ورصدنا حاله كما هو لننقله إلي كل من يغار علي تاريخه وآثاره سواء كان مسئولا أو فردا عاديا الحمام يعود تاريخه إلي العصر العثماني وهناك روايتان مختلفتان حول صاحبه،إحداهما تقول أن منشأه هو"القاضي الفاضل عبد الرحيم علي البيساني" في القرن 12هجري و18 ميلادي،والرواية الأخري تشير إلي أن"نفيسة البيضا"زوجة "مراد بك الكبير"الثانية كانت ثرية جدا وأقامت مجموعة أثرية رائعة عام 1211هجري 1796ميلادي وتضمنت سبيلا وكتابا ووكالة تجارية وحمام السكرية الذي نسب إلي المكان الذي يطلق عليه ربع السكرية. مدخل الحمام الوحيد يقع في مواجهة جامع المؤيد شيخ وبابه ضيق جدا ومغلق كما أن واجهته تبدو عليها مظاهر الإهمال الشديد مما جعل أسلاك الكهرباء المتهالكة تتدلي عليه في مشهد سيئ جدا ناهيك عن تفكك أحجار الواجهة وضياع ملامح المسحة الجمالية التي كانت تتمتع بها واجهة الحمام وبابه بما كانت تتميز به من زخارف بسيطة. المشهد الخلفي للحمام أبشع ما يكون وكي تصل إليه لا بد أن تلتف حوله عبر حواري ضيقة لتفاجأ بما يمكن اعتباره جريمة في حق هذا الأثر،كم لا حصر له من الأتربة والقمامة والمخلفات التي ملأته من الأرض حتي القباب التي تهدم بعضها تماما والآخر علي وشك الانهيار. ليس هذا فقط،فهناك عدة بيوت وعقارات مجاورة وملاصقة للحمام لم تكتف بإلقاء مخلفاتها فيه وتعدت عليه بشكل بشع،أحدها عقار بني فوق جزء منه ويرتفع ثلاثة أدوار مما أدي إلي تصدع جدران الحمام وانهيار سقفه كاملا ولا بد من الإسراع في إصدار قرار بإزالته حتي لا يقضي عليه تماما. المنطقة الواقعة خلف الحمام بها ورش عشوائية لتصليح الأحذية ساهمت في تشويه المشهد أكثر مما هو عليه،واكتملت منظومة التشويه بعربات الكارو والفول المتهالكة التي ألقاها البعض بالمكان دون رادع للدرجة التي استحل معها البعض تحويله إلي زرائب لتربية الماعز والأغنام ولنا أن تخيل مخلفاتها التي أدت إلي انتشار الروائح الكريهة في المكان أكثر مما هي عليه. شهادات الأهالي تباينت آراء سكان وأهالي المنطقة حول الحمام والحال التي وصل إليها،منهم من يري أن الآثار هي السبب لأنها تركته دون ترميم مثل الحاج أحمد الذي قال أن الحمام يكاد يكون مهجورا منذ سنوات ولم تطله يد الترميم في شئ وتساءل:أين الآثار والمسئولون عنها من الحمام وضرورة ترميمه للحفاظ عليه ولماذا نسوه طوال السنوات الماضية؟ وشاركه في الرأي محمد أحد أبناء المنطقة الذي قال أن الحمام مغلق منذ فترة طويلة ولا يعرف لماذا ويتعرض لأقسي أنواع الإهمال مما جعله عرضة لتعدي الناس عليه ليتخذوه مقلبا للقمامة والمخلفات حتي ملأته تماما وشوهت منظره وإن كانت الآثار الإسلامية شاء حظها العاار أن تقع وسط الكتلة السكنية خاصة في الأحياء الشعبية،إلا أن هذا ليس سببا كي تهملها الآثار لتصل بها الحال إلي هذه الدرجة من السوء مثل ما حدث مع الحمام. إحدي الأزمات التي ساءت معها حال الحمام تكمن في تعدي بعض السكان عليه بالبناء فوق بعض أجزائه وبجواره مما أدي إلي تدهوره من الناحية الإنشائية والمعمارية،وحسب رواياتهم فإن الآثار وعدتهم بالتعويض في حالة إزالة تلك التعديات التي قالوا عنها أنهم يتوارثونها عن الآباء والأجداد منذ زمن،إلا أن الآثار لم تنفذ وعدها. رد مسئول إذا كان الحمام سقط من دائرة اهتمام مسئولي الآثار حتي أصبح خرابة،فلا بد من معرفة مبرراتهم في ذلك ولماذا أهملوه طوال تلك السنوات، د- مصطفي أمين"رئيس قطاع الآثار الإسلامية بوزارة الدولة لشئون الآثار أشار إلي مشروع ترميم كان معدا للحمام إلا أن سجن أيمن عبد المنعم مدير مكتب وزير الثقافة السابق الذي كان مشرفا علي صندوق التنمية الثقافية ومدير مشروع القاهرة التاريخية حال دون تنفيذ المشروع،موضحا أن العديد من مشروعات الآثار كانت تابعة لوزير الثقافة الأسبق"فاروق حسني" ويهيمن عليها هو وأيمن عبد المنعم ولا يعلم القطاع عنها شيئا ومنها ترميم حمام السكرية الأثري. رئيس القطاع أوضح أنه يجري حاليا حصر كامل لكل المشروعات الأثرية التي كانت تتبع وزارة الثقافة وحالتها وذلك بعد أن أصبحت الآثار وزارة مستقلة لفحصها والعمل علي ترميمها واستكمال العمل فيها. وأشار إلي مشاكل كثيرة كانت تحيط بترميم الحمام أثناء تبعيته للقاهرة التاريخية ووزارة الثقافة رافضا الإفصاح عن طبيعة تلك المشاكل، مما أدي لتوقف المشروع بالكامل،لافتا إلي أن التدهور الذي أصاب الحمام نتيجة لتعدي بعض الأهالي بالبناء عليه،وتمت إزالتها بشكل جزئي في حين يتبقي بعضها مثل محل ذهب لم يزل بعد،بالإضافة إلي أن طبيعة العمل في الحمام من حيث استخدام الحرارة المرتفعة في تسخين الماء بالإضافة إلي عامل الزمن، كل هذا أدي إلي أن أصبحت حالته متهالكة بشكل كبير. وأوضح أن أكبر مشكلتين تواجهان الآثار الإسلامية هما تهالك البنية التحتية خاصة الصرف الصحي والمياه وعدم وعي الناس بأهميتها مما يؤدي إلي تعديهم وتدميرها،وقد قامت الوزارة بعمل مشروعات ترميم عديدة وإصلاح للبنية التحتية لأغلب الآثار الإسلامية، وتتبقي فقط مشكلة وعي الناس ولهذا أنشأنا في كل منطقة إدارة للوعي الأثري لتوعية الناس بأهمية الآثار الإسلامية كونها جزءاً مهماً من تاريخ مصر لا يجب التفريط فيه. من جانبه ،أوضح"محسن سيد"رئيس الإدارة المركزية للآثار الإسلامية بالوزارة أن المنزل المجاور للحمام يمثل خطرا شديدا علي الحمام لأنه آيل للسقوط وترميم الحمام سيعرض المنزل للانهيار لأنه ملاصق له تماما،والإدارة الهندسية في مشروع القاهرة التاريخية قامت بعمل مقترح منذ فترة لصلب البيت بمشدات حديدية ويمكن البدء في ترميم الحمام في أي وقت طالما تم حل هذه المشكلة. ولفت إلي عدم وجود أي مشكلات في التعويضات الخاصة بأصحاب المنازل المجاورة للحمام حيث تم إخلاء عدد كبير منهم وحصلوا علي تعويضاتهم ويتبقي فقط الجزء الخلفي للحمام حيث أن السكان القاطنين هناك متعدون علي الحمام وستصدر لهم قرارات إزالة مع التعويض لنبدأ بعدها في الترميم.