من فضائل الأمور الاعتراف بالخطأ، ومحاولة تداركه بقدر المستطاع، وعدم الاستسلام لمنطق، «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، ومن أسوأ الصفات الإنسانية، التى يصاب بها المرء، جنون العظمة والكبرياء، وبالتالى الإصرار، على تقديم السيئ والردىء، واعتباره نموذج يحتذى به، ونظرية كونية جديدة، يجب أن تتبع. اصطدمت مع العالمين، من خلال تجربة شخصية، وربما الأجدر هنا الحديث عن الأفضل، أو عن «فضيلة الاعتراف» بالخطأ، التى واجهتها، مع المخرج المسرحى الشاب مازن الغرباوى، وتعتبر هذه هى المرة الثانية، التى اكتب فيها عن عرضه «حلم ليلة صيف»، بعد المرة الأولى والمقال الأول الذى نشر فى نفس المساحة بعنوان «الحلو.. ما يكملش»، قررت الكتابة للمرة الثانية عن نفس العرض، وهى من المرات النادرة. يقدم الغرباوى فى عرض «حلم ليلة صيف»، تجربة جديدة ومختلفة على المسرح، ربما لم تكن متكررة خلال هذه الأيام، خاصة بعروض البيت الفنى، نظرا لما تحتاجه من ميزاينات ضخمة، وكوادر تمثيلية وغنائية حقيقية، لكن برغم صعوبة، تقديم عمل مسرحى موسيقى كامل، قرر مازن القيام بالمجازفة وخوض التجربة، مع أكثر من ممثل، قام بتدريبهم جميعا على الغناء، وهو ما بدا واضحا وملموسا، فى عرض «حلم ليلة صيف» فالجميع يغنى ويؤدى، بمهارة شديدة. فى يوم الافتتاح، كان العرض يعانى من مشاكل فنية عديدة، وهو ما سبق وأشرنا إليه، فى المقالة الأولى، وللمرة الثانية أصر المخرج على دعوتى، من جديد لمشاهدة المسرحية، وبالفعل كانت قد تغيرت بعض عناصر العرض، أهمها الأزياء، التى لم تكن على مستوى جودة العمل، لكنها تغيرت بالكامل، وأصبحت أكثر جودة فى التعبير، عن الجو الفانتازى للمسرحية، وأدخل المخرج تعديلات جوهرية على العرض، والتى انتقلت به إلى مستوى أفضل كثيرا، مما كان عليه، وكان من أهم هذه التغييرات، إضافة عنصر جديد لأبطاله، وهى الممثلة والمطربة الشابة أميرة عبد الرحمن، كانت أميرة إضافة جوهرية وحقيقية، «لحلم ليلة صيف»، وخرجت بدور «تيتانيا» زوجة ملك الجن، إلى منطقة أخرى أكثر حضورا وحيوية، مما كانت عليه من قبل، ففى المشاهدة الثانية للعرض، ظهرت الأهمية الدرامية لهذه الشخصية، بأداء أميرة الغنائى الراقص والممتع، والتى كانت من قبل شخصية هامشية باهتة وغير مؤثرة، لكنها تحولت على يد عبد الرحمن، تحولا سحريا، فكانت من أكثر أبطال العرض، ظهورا رغم صغر مساحة دورها، وتركت بصمة حقيقية، فى الحاضرين بإنطلاقها على المسرح، أمام حسام داغر ملك الجن، الذى لم يقل حضورا، ومهارة منذ مشاركته الأولى بالعرض وحتى اليوم. جمعت تجربة عرض «حلم ليلة صيف»، عددا كبيرا من الممثلين، قد لا يجتمعون معا فى عرض مسرحى واحد، مثل سهر الصايغ التى لعبت شخصية «هيلينا»، والتى كان من الأفضل أن تتخلى عن أدائها الكرتونى لها فى بعض الأحيان، فكادت أن تفرط منها زمام الشخصية، التى بدأتها جيدا، مع أول ظهور لها على المسرح، وإيمان إمام فى دور «هيرميا»، وحسن حرب «ليساندر»، وحسام داغر «أوبرون»، ومحمد الأحمدى «ديمتريوس»، وأميرة عبد الرحمن «تيتانيا»، كل هؤلاء كان من الصعب جمعهم، فى عمل واحد، ومن الصعب أيضا تدريبهم، على غناء مسرحية بالكامل، وهو ما أصر عليه المخرج، ومنحه وقتا وجهدا كبيرا من شهر نوفمبر 2014 وحتى يونيو 2015، فإذا كانت تتوافر لبعض الفرق المستقلة، والمسارح الخاصة، إمكانية تقديم أعمال موسيقية ضخمة، لامتلاكهم ميزانيات أكبر من المتوافرة، لعروض البيت الفنى للمسرح، فيجب أن نحترم هنا المجهود، الذى بذله مخرج شاب، مع الشاعر الدكتور مصطفى سليم، بتحويل المشاهد الدرامية النثرية، لمسرحية وليم شكسبير، وترجمة الدكتور محمد عنانى، إلى أشعار مغناه، لم تخل بدراما المسرحية، بل على العكس، كانت إضافة لها، وكذلك التأليف الموسيقى لأحمد مصطفى، وبالتالى تعتبر «حلم ليلة صيف» تجربة فريدة ومختلفة، وقد تشجع آخرين على تكرارها، لذلك أمام جودة الصنعة المسرحية الغنائية، لابد أن تتغاضى، عن بعض عيوب العرض، حتى ولو كان «الديكور»، فجودة الغناء وتماسك العرض فنيا، فى المرة الثانية، يجعلك تنسى أو تتناسى أن الديكور ما زال مزعجا!