يعيش العالم العربى والإسلامى أصعب مراحله التاريخية، وهذا أمر لا ينكره أحد، حيث تعانى معظم دوله الوهن والضعف والفقر والتشرذم، كما أمست أخبار التناحر والاقتتال بين أبناء الأمة العربية، هى أهم العناوين التى تتصدر نشرات الأخبار وعناوين الصحف، الأمر الذى يجعل ممن درس تاريخ هاتين الأمتين العربية والإسلامية يتحسر على فترات الرقى والازدهار والقوة التى سادت بها العالم، وعاش الأجداد خلالها فى واحة من السكينة والاستقرار والرخاء. لا يحق لأبناء هذا الجيل «البكاء على اللبن المسكوب» لأن حياة الدول والأمم والشعوب كموجات البحر، تعلو ازدهارا، ثم تنخفض ضعفا ووهنا، وكم من دول وحضارات سادت ثم بادت، فما تمر به أمتنا هو أمر طبيعى لدورة حياة الدول، لكن الأهم من كل ذلك أن تتعلم الشعوب من دروس التاريخ، وأن تحاول الخروج من كبوتها فى أسرع وقت، وأن لا تتمادى فى الخلاف والتناحر، وأن تضع مصحلة الوطن والأمة فوق كل اعتبار. هذا الكلام أقوله بمناسبة استضافة سلطنة عمان منذ 26 مارس 2015، محادثات بين مسئولين أمريكيين وحوثيين حول إيجاد تسوية للأزمة اليمنية، خاصة أن التقدم الذى تم فى تلك المحادثات حتى الآن يمهد الطريق أمام عقد مفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية برعاية دولية فى جنيف. استضافت مسقط فى عام 2013 محادثات سرية ومباشرة على مدار ستة أشهر، بين الولاياتالمتحدة «الشيطان الأكبر» وبين إيران «محور الشر» حول البرنامج النووى الإيراني، بعد عقود من العداء والعقوبات، وسلسلة من التهديدات، فقد كانت تلك المحادثات الأولى بين البلدين منذ الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979، دون إعلان مسبق، والتى كانت مفاجأة كبرى، سارة للبعض ومخيبة لآمال البعض، حيث مهدت تلك المفاوضات للوصول إلى اتفاق بين إيران ومجموعة ال «5 + 1» بشأن الملف النووى الإيرانى فى 24 نوفمبر 2013، ومن المتوقع أن يتم التوقيع على الاتفاق النهائى فى نهاية يونيو الحالى. تحظى سلطنة عمان بثقة لدى أطراف المشكلة اليمنية، وبحكم عضويتها فى مجلس التعاون الخليجى تستطيع مسقط أن تؤكد مع الدول الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية على أهمية الحوار وتسوية المشكلة اليمنية سلمياً، كما أن العلاقات القوية التى تربط بين السلطنة وإيران - الحليف لجماعة أنصار الله الحوثية - يجعل من مسقط وسيطاً، خاصة أن سلطنة عمان كانت وما زالت فاعلة فى الحوار «الإيرانى – الأمريكى»، إضافة إلى ذلك فإن السلطنة لها علاقات قوية مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية، وهو ما يكسبها دعماً من تلك القوى الغربية فى مساعيها الحميدة المطلوبة والمهمة لإطفاء النيران الملتهبة فى اليمن، والتى يُخشى من أن يتطاير شررها لمناطق أخرى هادئة فى المنطقة المكلومة بالجراح. اهتمام مسقط بالمشاركة فى تحريك الجمود فى الملف اليمنى بعد مشاركتها فى محادثات الملف النووى الإيرانى يجعلنا نثق فى قدرة سلطنة عمان على لعب دور فى الملف السورى أيضاً، بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية لم يستطع خلالها أى طرف سورى حسم الصراع لصالحه، وبات الشعب السورى هو الضحية الأولى لهذا الاقتتال الداخلى، الذى تطور وجعل من الأرض السورية ساحة للصراع الإقليمى والدولى، وخوض بعض الدول حروباً بالإنابة على الأرض السورية، والشعب السورى وحده هو الذى يدفع فاتورة ذلك الصراع. .حل المشكلة اليمينة قد يكون بداية حقيقية لخروج عالمنا العربى من أزماته المزمنة، والتى قد تؤدى إلى إصابة الجسد العربى بالوهن والضعف، إذا ما طال أمدها، وبما أننا على يقين أن حلول مشاكل الأمة العربية لن تأتى من الخارج، لأن الدول الأخرى غير معنية بحلول مشاكلنا، إن لم يكن من مصلحتها تغذية نيران تلك المشاكل، فإننا على يقين بأن الوصول إلى حلول لمشكلات العالم العربى المزمنة لن تأتى إلا من الداخل، ومن بنات أفكار وجهود أبنائه المخلصين، وتعتبر سلطنة عمان هى احدى الدول التى لها مساع حثيثة لحل الأزمة فى الوقت الراهن، نظراً لما تتمتع به من سياسة اكسبتها ثقة كبيرة داخل عالمنا العربى العزيز. كاتب وباحث فى الشئون الآسيوية