أعد الملف- إيمان علي ومحمد عبد الخالق ومي أبو زيد وتغريد الصبان ومحمد شعبان في الوقت الذي لاتزال فيه الثورة تناضل من أجل الحفاظ علي مكتسباتها، ومحاولة الوصول لباقي مطالبها، أعلن التيار السلفي عن وجوده في مختلف نواحي الحياة، ولم تعد مطالبهم تقتصر علي المطالبة بالسيدات اللائي لا أحد يعرف إن كن مسلمات أو مسيحيات، ليتدخل في كل نواحي الحياة الاجتماعية، فيما يشبه تنظيم "أمر بالمعروف ونهي عن المنكر" وإن كان بشكل غير معلن، فمن مظاهرات الترويع التي قام بها السلفيون، واتجاههم بأعداد كبيرة لكاتدرائية العباسية، مطالبين باستعادة "الأخت كاميليا"، إلي ما تناقلته مواقع الإنترنت عن دخول عدد من الأفراد الذين يدل مظهرهم الخارجي علي انتمائهم للتيار السلفي، في مشاجرة بمقهي "زهرة البستان"، أحد مراكز تجمع المثقفين بوسط البلد، وهو التصرف الذي تمتد خطورته لأبعد من تأثيره المباشر، لتصل إلي تهديد الحرية التي كانت أحد المطالب الرئيسية لثوار 25 يناير، والتي ناضل الشعب المصري وعاني كثيرا من افتقادها، ودفع من دمائه ثمنا ليسقط نظاما فاسدا حرمه من حريته، ليفاجئ بمجموعة تحاول فرض سطوتها علي المجتمع. جابر عصفور وصف وزير الثقافة السابق والناقد الدكتور جابر عصفور ما حدث بأنه يدل علي مستقبل مظلم يمكن أن يؤول الوضع إليه لو تمكنت مثل هذه الجماعات من السيطرة. واعتبر عصفور التيار السلفي هو أخطر هذه التيارات قاطبة علي الوطن لما يحمله من فكر منغلق. وأشار عصفور إلي أن مثل هذه الحوادث لا تعبر عن صحيح الإسلام الذي يحث علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب واللسان أما التغيير بالقوة فليس له مجال سوي أحداث العنف. وأوضح وزير الثقافة السابق أن المطلوب لمواجهة هذا الأمر هو التوعية من خلال وسائل الإعلام لتوضيح خطأ وخطورة هذه التصرفات مشيرًا إلي ضرورة تفعيل القانون واعلاء النظام وفرضه بالقوة اذا لزم الأمر وختم عصفور كلامه بقوله: في النهاية كل هذه التيارات إلي زوال لأن ذلك يتعارض مع طبيعة الشعب المصري. المفكر الإسلامي جمال البنا وصف هذه الأحداث وغيره بأنه مثل الفقاقيع التي سرعان ما تذهب ادراج الرياح لافتا إلي أن الظروف التي تشهدها مصر حاليا من مناخ حرية وانفتاح لابد له من ضريبة وهي ما سماه «الميكروبات». جمال البنا وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال البنا «هذا الأمر له درجات منها القلب واللسان أما اليد فخاص بولي الأمر. واعتبر البنا اظهار أن الإسلام هو تدخل في حريات الأخرين يعد تخلفا عن الدين والواقع معًا. إمام عبدالفتاح الدكتور امام عبد الفتاح استاذ الفلسفة بجامعة عين شمس أرجع ما حدث إلي تخلف الخطاب الديني ضاربًا لذلك بعدة امثلة كالحديث عن شرب بول الرسول والكلام عن أن القردة تطبق الحدود وغيرها من الأمور التي يري أن الجاهلية لم تشهدها. وأكد امام أن غياب الحرية عن مصر منذ ثورة 1952م وحتي عصر مبارك هو المسئول عن ظهور مثل هذا التفكير مشيرًا إلي أن الحرية كفيلة بتنقية الأجواء وشبه عبد الفتاح ما تشهده مصر الآن من مثل هذه الأفكار بما حدث مع اعرابي قال للرسول «اللهم اغفر لي ولا تغفر لأحد بعدي فأجابه الرسول لقد ضيقت واسعاً ويردف عبد الفتاح هؤلاء تماما مثل الاعرابي الماكث في الصحراء لا يري إلا نفسه ويضيق الواسع علي الآخرين بدلاً من أن يبحث عن التقدم وسبل النهضة. وانهي عبد الفتاح كلامه بقوله لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح. محمود الورداني: إذا كان المصريون قد ثاروا علي توحش مبارك ونظامه ورجاله، فليسوا أقل من أن يواجهوا الديكتاتوريين الصغار، الذين أجدر بهم الاهتمام بالدعوة وعدم التدخل في سلوكيات غيرهم. ما يفعله السلفيون، بفرض فكرهم، هو عدوان لا يقل عن عدوان السياسة، هؤلاء "صناع أمن الدولة" الذين ظهروا بعد نجاح الثورة والشارع سينجح في مواجهتهم، لأن موضوعهم ليس الدين، وما ينادون به مخالف لمشاعر وطبيعة المصريين، ولأن السلفيين "شوية مدعين" فإن مواجهتهم لن تتم إلا بالفكر. مكاوي سعيد: علي العكس يري أن الحادثة التي شهدها بنفسه من قبيل المبالغات، وأن ما يتردد علي مواقع الإنترنت بخصوص اقتحام السلفيين ل"زهرة البستان"، فما حدث لا يعدو كونه "خناقة" عادية بين شباب علي المقهي، تطورت إلي أن احتمي بعضهم بمقهي "ريش" المجاور، وهو ما يحدث كل يوم علي المقاهي. وبصفة عامة لا يري مكاوي تأثيرا ضاغطا كما يصوره البعض عن تواجد السلفيين في الشارع المصري، ويؤكد أن هذه البلبلة من شأنها أن تخلق هيبة وخوفًا غير حقيقيين لجماعة كهذه عادية وتنم عن فكر متخلف. صلاح عيسي: ما حدث من السلفيين من الأمور التي تدخل تحت اختصاصات ولي الأمر، وكان علي الشخص المعترض أن يلجأ لولي الأمر (الشرطة) للاعتراض علي ما شاهده، أما أن يتدخل ويحدث مشاجرة، فإن هذا يعد جزءا من حالة الفوضي التي تعم المجتمع حاليا. كما أن إعطاء السلفيين أنفسهم حق التعرض لما يرونه خطأ وتصديهم له بأنفسهم، رغم أنه من اختصاصات سلطة الدولة، فيرجع إلي عدم وجود هذه السلطة بشكلها الكامل، وهو ما يمنحهم الفرصة للقيام بدور الخصم والحكم والجلاد في الوقت نفسه، دون التحقق من الأمر. وهذا يعود إلي اعتقاد السلفيين أنه من واجبهم وحقهم مواجهة المنكر باليد، رغم أن الفقهاء أجمعوا علي أن مواجهة المنكر من أدوار الإمام أو الحاكم، وليس متروكا لكل فرد يقوم به بنفسه. حمدي أبو جليل: بلهجة استنكارية لما حدث، علق الروائي حمدي أبوجليل قائلا: "لماذا ذهب هذا السلفي إلي "زهرة البستان" من أساسه؟ أنا طوال الوقت وأنا أحذر من سكوت المثقفين ووزارة الثقافة عليهم، فطالما لا توجد مقاومة حقيقية من قبل الثقافة الجماهيرية من المكتبات وقصورالثقافة ونوادي الأدب وقاعات السينما والمسرح وغيرها من أدوات تملكها الثقافة الجماهيرية، لن نتمكن من مواجهة هذا التيار. فالمشكلة أن هذه الجهات الثقافية لا تعمل، والمؤسسة الوحيدة التي من المفترض أن تقاوم هذا الفكر لم تتأثر بالثورة، بل انحدرت وتقاعست عن القيام بدورها، واهتمت بالأنشطة الإعلامية التافهة التي لا تتعدي أكثر من خبر بالجريدة وصورة رئيس الهيئة، والأنشطة المهدرة للمال، فالهيئة تصدر عددا من المجلات يكلفها مليون جنيه شهريا لا يراها حتي العاملين، حتي أن العاملين بها قد أصدروا بيانات واعتصامات من أجل إلغائها، فهذه الهيئة مختصة وقادرة علي تصحيح المفاهيم لوصولها لكل المحافظات والأقاليم، فلو استطاعت استضافة رجال الأزهر الشريف وأقامت لقاءات عديدة علي مستوي مصر فستقيم نهضة ثقافية ودينية حقيقة. وطالب أبو جليل المثقفين بمواجهة هذه التيارات مواجهة حاسمة وعنيفة، وعدم الرضوخ والتجنب لهم بل خوض المعركة، فهؤلاء السلفيون من صناعة "أمن الدولة" السابق، فالدليل علي ذلك أن مقر أمن الدولة بالبحيرة حماه السلفيون، كما حمي الثوار المتحف المصري، والذين يقيمون اليوم الندوات من أجل الثورة هم في الحقيقة ضدها، لأنها بالنسبة لهم خروج علي صحيح الدين". محمد عبلة الفنان محمد عبلة عبر عن عدم اندهاشه من الواقعة قائلا: "الفترة القادمة ستكون فترة اختبار قوي تأخذ صورا مختلفة، فالسلفيون يحاولون أن يثبتوا وجودهم اليوم، بالتالي سيظهروا أداءات مختلفة ، بالتالي علي المثقفين أن يتنبهوا الفترة القادمة وعليهم دور مهم في التوعية والتنشيط في الجانب المدني من الحياة، من خلال ندوات وحفلات ومعارض فن تشكيلي أيضا الدعوة لكل رجال الأعمال لدعم كل الأنشطة الثقافية بكل قوتهم، لأنه من المستحيل مطالبة الحكومة بأخذ مواقف حادة الآن، فالسلفيون ستكون لهم طرق مختلفة للتواجد وفرض أنفسهم، وعلي المثقفين أن يستشعروا الخطر وكذلك رجال الأعمال وكل الأجهزة المدنية لمواجهة هذا الزحف السلفي". هويدا صالح تساءلت الناقدة هويدا صالح: "هل السلفيين يعطوننا إنذارا؟ فما يحدث هو نوع من التهريج فليس من حقهم التدخل في خصوصيات أحد فهل تذكروا الآن أن هناك مجتمعًا لابد أن يفرضوا هيمنتهم عليه؟ أين كانوا من 30 عاما وموقفهم مع الحاكم الظالم؟ ولماذا كانوا يدعون لعدم الخروج علي الحاكم؟ إن دماء شهدائنا لم تسل علي الطرقات، حتي يأتي السلفيون ليحققوا مكاسب خاصة بهم، فكان من الأولي بهم محاربة الحاكم الظالم وطغيانه ومواجهته بدلا من التدخل الزائف الآن والتسلق علي الثورة. وعن رؤيتها لما يجب أن يتم في الفترة المقبلة قالت صالح: "الحل في حرب تنويرية ضخمة لا تقل أهمية عن إسقاط مبارك، فلن نعود إلي عصر الناقة، فكل النخبة والمثقفين والمجتمع المدني لابد أن يتحدوا، حتي نحافظ علي مدنية الدولة المصرية وحداثتها التي قامت من أجلها الثورة". خيري شلبي ومن جانبه أكد الروائي خيري شلبي علي الحريات قائلا: "أي واحد سلفي يتدخل في حرية شخصية لابد أن يوقف عند حده، فهو لم يمنح توكيلا من الله لتطبيق حدود الله، فمن أعطاه هذا الامتياز؟! لابد من التصدي بكل قوة لهذه الظاهرة السلفية المفتعلة، أولا بالحوار وهو الأهم ورفض منطقهم وتوسيع معني الدين الحقيقي عند الغالبية العظمي لدي الشعب، فيجب أن يدرك الشعب الإسلام الوسطي والسماحة التي درجت عليها مصر، ولابد أن يطبق علي هذا السلفي القانون فلابد أن تتصدي الحكومة بكل قوتها لمثل هذا التوجه المرفوض، وهذا التدخل المرفوض فهم ليسوا أوصياء علي المجتمع". بسؤاله إن كان هذا الموقف وهو في ظاهره بسيط قد يكون مؤشرا لمواقف أكبر يقول شلبي: "طبعا هذا مؤشر لسنين سوداء كحل ستعيشها مصر إن لم يتم التصدي لها كما يجب". أحمد أبوخنيجر في تعليق الروائي أحمد أبوخنيجر قال: "سنري الكثير من هذا السلوك في الفترة القادمة، فهؤلاء بعد أن تم إطلاق أميرهم واستقباله استقبال المقاتلين الأبطال في الإعلام، أصبح لديهم مشروعية للتواجد في الشارع، أيضا واقعة قطع الأذن للأخ المسيحي، التي لم يطبق عليهم فيها قانون البلطجة، وانتهي الأمر بجلسة صلح، هو السبب فيما يحدث حاليا، وهو غير مقبول!! وأكمل: إن صراعهم سيكون عنيفا جدا مع المثقفين، فالأفكار السلفية والوهابية لم تقبل يوما المدنية، فما يحدث طبيعي وعادي، وعلي المثقفين أن يجهزوا أنفسهم، فكانوا يضربون الشباب في الجامعات، ويوم الاستفتاء هنا في أسوان كان هناك تعد بالسنج والمطاوي علي المتقدمين للاستفتاء، لإجبارهم علي التصويت بنعم!! وواصل: لابد من مناقشة الأدوار بين المثقفين، لأن رصيدهم عند الناس ضئيل والمفاهيم التي تم الترويج لها ضدهم كثيرة، فعلينا أولا تصحيح هذه المفاهيم، ولابد من إعلاء قيمة العقل نفسه من البداية، والعمل علي تطويرها من خلال المؤسسة التعليمية لإصلاح هذه المفاهيم، فالسلفيون لهم الحق في ممارسة أفكارهم وعقيدتهم دون التعرض للآخرين". إبراهيم داود اختار الشاعر إبراهيم داود الحل القانوني لمواجهة سلوكيات السلفيين، وقال بعد أن وصفهم بالانتهازيين الذين يفعلون ما يفعلونه وهم يعرفون جيدا أن المجتمع في غني عن ذلك الآن، كما أنهم لا يشبهون المصريين ولا طبائعهم ويتصرفون بمنطق أنهم الفرقة الناجية، قال: أنا مرعوب من السلفيين لأنهم لا يفكرون، ويمثلون خطرا حقيقيا علي التطور الديمقراطي الذي نحلم به، لأنهم من المستحيل أن يندمجوا في حياة ديمقراطية سليمة، وعليه فلابد من استصدار قانون يحرّم فرض الرأي بالقوة علي الآخرين، ويحد من حريات الآخرين، كما أنه كان يجب علي الجيش أن يحرّم ما قاموا به من رفع علم السعودية أثناء اعتصامات قنا، وهو ما يعد إهانة للدولة المصرية". محمد البساطي أما الروائي محمد البساطي فاختار الحل الراديكالي، وهو التعامل معهم بالقوة والشدة، وقال: أنا مندهش لهذا الصمت والسكون أمام تلك الفئة المشعوذة، ولسنا في حاجة إلي شرطة أو نيابة أو حكومة أو جيش لكي تكف هذه الفئة عن الأذي، بل إن الحل في يدنا نحن، ويجب علي كل المصريين وكل شاب معتدل أن "يمسح بهم الأرض مسحا"، بل وتمني من جميع المثقفين وغيرهم أمام تلك الوقائع أن ينهالوا عليهم ضربا، وبذلك فقط سنقطع دابرهم، لأنهم قلة منحرفة ونحن كثرة معتدلة وقادرون علي الفعل أيضا"، وأكد: آن لنا أن نتخذ موقفا حاسما في هذه القضية، لأنهم يهدددون الأمن والاستقرار، ويكفي أن ما يدعون إليه فيه كثير من النصب، لأن الدين الإسلامي متعدل ولا يقول ما يدعون". منتصر القفاش ومن ناحيته اختار منتصر القفاش الحل الحزبي والائتلافي، وأوضح: أري أن الخطر الدائم والأساسي الذي تواجهه مصر هو الجماعات الإسلامية والسلفيون ومن اشتهر عنهم عمليات الاغتيالات السياسية، ولا أظن أن أي تهاون معهم سيجدي أو سيفيد، هناك فرق بين ممارسة الديمقراطية وبين أن تفرض هذه الجماعات علينا شكل معينًا لمصر يمتاز بأنه متخلف ورجعي يحد من دور مصر ومكانتها، وعليه من المهم أن يتحد كل اليساريين والمثقفين بكل اتجاهاتهم لمواجهة هذا الخطر الذي للأسف سيتعاظم ويزداد في الأيام القادمة، وهم في معظم الأحيان لا يعرفون قيمة الحوار ولا يسمعون سوي أصوات سلفية، بل إنهم خارج الزمن والتاريخ". وعن آليات هذا الاتحاد قال القفاش: مازال عندي أمل بأن تصنع كل الأحزاب اليسارية والليبرالية التي تكونت ائتلافا فيما بينها لمواجهة هذا الخطر، كما أنني أعوّل علي المؤتمر الذي سيعقد في 7 مايو الجاري بقاعة المؤتمرات والمدعو له كل الليبراليين واليساريين لتكوين لجنة لمخاطبة الجيش والحكومة للحفاظ علي مكتسبات الثورة". أحمد الخميسي الروائي أحمد الخميسي يعلق قائلا: "فتفوتة من كعكة كبيرة، فهي تمد من ألا يقبل الأب ابنته، إلي منع المرأة من السباحة، ومنع "ألف ليلة وليلة"، فالسلفيون يقدمون يوميا دليلا علي سفاهتهم، والمشكلة أن المثقفين عاجزون عن مواجهة ما يحدث، وانتهز الفرصة لأناشد أبوغازي وهو شخص مستنير أن يرسي طريقة أخري خارج البيروقراطية التي درجنا عليها لمواجهة هذا التيار والتيارت المشابهة ستكون هذه الطريقة خارج إطار الندوات والكتب، أي من خلال المسارح والألعاب الشعبية والتي لابد أن يكتب لها كبار الروائيين، فهذا ما يحتاجه الناس في (القلج وشبرا وباب الشعرية).. وفي الأقاليم، وشاشات عرض في الساحات الشعبية لعرض أفلام عن الوحدة الوطنية وعن العلم أيضا، فهذا ما يحتاجه الناس الآن وهم جاهزون فعليا لهذا، وعلينا أن نتحرك لهم".