كنا نتحدث عن البرلمان المصري فيما قبل (ثورة 25 يناير) علي أنه برلمان ذو أغلبية من «الحزب الوطني»، ويعمل هذا البرلمان، بعد أن يتسلم كل نائب مقعده وما يلزمه من مزايا أولاها (الحصانة)، ويتبع ما يملي عليه في «الهيئة البرلمانية»، من مجموعة من التنبيهات الحزبية ووجوب الالتزام بها، وإلا اتهم بأنه غير ملتزم حزبيا، ويخضع «للجنة القيم» داخل الحزب، مما يهدده بالفصل، ولعل قليلاً جدا من الأحداث التي خرج فيها أحد النواب عن هذا التقليد، مثلما حدث مع النائب «هشام خليل» حينما وجه سؤالاً عن فساد في ترسية جزيرة (آمون في أسوان) لشركة يساهم فيها (وزير الإسكان السابق) وكان البرلمان المصري السابق، هو أسوأ برلمان تم انتخابه في غياب تام عن الرقابة، بل وفرض البلطجية السلطة علي صناديق الانتخابات وجاء ذلك في كل وسائل الإعلام، بل إن أصوات داخل الحزب نفسه وفي لجانه، قد أبدت استياءها وحذرت من خطورة قيام نظام برلماني خال من المعارضة، التي لم تتعد النسبة اثنين في المائة، ومع ذلك كان الغرور والغطرسة وعدم المبالاة، والإحساس بالقوة الأمنية المسيطرة علي أعناق المصريين جعلت كل تلك الأصوات العاقلة تذهب هباء، ولم يستطع البرلمان المصري منذ عودة نظام المنابر والأحداث عام 1977 لم يستطع أن يعبر عن إرادة المصريين، بل إن جميع دورات (مجلس الشعب) لم تستكمل مدتها القانونية إلا تلك الدورة (2005/2010) التي استطاعت فيها بعض قوي المعارضة والأصوات أن يحتلوا أكثر من مائة واثني عشر مقعدا من إجمالي أربعمائة وخمسين مقعدًا، ومع ذلك لم يستطع البرلمان أن يقدم شيئًا للمصريين يمكنهم من أن يقنعوا بأن لديهم مجلسًا نيابيا حقيقيا يمثل إرادتهم، ومع ذلك فإن الأسباب الجوهرية التي عجلت بقيام (ثورة 25 يناير) هي حالة الإحباط العام الذي أصاب المصريين بعد انتخابات برلمانية أفرزت هذا الكم من الفساد السياسي، (والحمدلله) أن (قشة قصمت ظهر البعير) كما يجيء عادة في أمثالنا الشعبية، واليوم بعد أن استقر الأمر علي إجراء انتخابات حرة خلال (سبتمبر المقبل) سوف يفتح الباب للترشيح طبقا لجداول زمنية سيعلن عنها تبدأ (العملية الانتخابية) في (يونيو المقبل) أي بعد شهرين تقريبًا، وهنا الدور المنوط بشعب مصر والأهم بالإعلام المصري أن يتنبه إلي أهمية البرلمان المقبل، حيث إن هذا البرلمان هو المنوط به وضع دستور جديد للبلاد، وعليه فإن النائب المقبل يجب أن يكون ممثلا حقيقيا للشعب، ومجموع الأعضاء ويجب أن يكونوا ممثلين حقيقيين للكتل الانتخابية المصرية بجميع طوائفها وهوياتها وأعرافها ودياناتها وأيديولوجياتها، كل هذا مطلوب تمثيله في البرلمان المقبل. النائب عن الأمة من أي دائرة من الدوائر الانتخابية، يجب أن يتمتع بقدر من الثقافة ويتمتع بقدر من الرؤية السياسية، ويتمتع قبل كل ذلك بالانتماء الكامل لمشاكل هذا البلد ويؤمن بمستقبله في حقه في أن يكون أحسن من اليوم مائة مرة.. نحن نستحق كمصريين نوابًا محترمين ومثقفين وليسوا تجار (مخدرات أو سماسرة أو نواب خدمات) نحن في أشد الاحتياج في هذه المرحلة لنواب محترمين جدًا جدًا وهذا يقع علي عاتق الناخب المصري الواعي، وأيضًا الإعلام المصري بكل وسائطه!