نقابة المهن الأخلاقية!

أوراق شخصية

وجد المطرب راغب علامة نفسه أمام ورقة استدعاء رسمية للتحقيق، صادرة عن نقابة الموسيقيين، تتهمه بمخالفة الأعراف والتقاليد المصرية، فى مشهد استعراضى باسم الأخلاق والقيم، وقرار بمنعه من الغناء فى مصر، وكأنه ارتكب جريمة خيانة فنية!
رجل النقابة الأول، الفنان مصطفى كامل، لم يتأخر؛ إذ خرج ببيان نارى، قرر فيه إحالة راغب علامة إلى التحقيق، مصرحًا بأنه «لن يسمح بأى تجاوز أو مساس بقيم المجتمع»، وأنه بصدد مراجعة كل ما حدث فى هذا الحفل، وكأن النقابة تحولت فجأة من كيان يرعى حقوق الموسيقيين إلى محكمة تفتيش أخلاقية.
وبعيدًا عن مضمون البيان، الذى تصدر منصات التواصل- بسبب ما حفل به من كوارث لغوية- فإن نقابة الموسيقيين، التى صمتت أعوامًا أمام إسفاف حقيقى، وأغانٍ هابطة، قررت فجأة أن تحارب الانحلال، ولكن ليس من جذوره، بل من عند «خصر سيدة» فى حفلة راغب علامة! إذا كان الهدف ضبط الأداء الفنى، فلماذا لا تبدأ النقابة بتطهير أرشيفها من «الكوارث الصوتية» التى تصدرت المشهد تحت اسم «المهرجانات»؟ وإن كان الهدف الحفاظ على الذوق العام، فلماذا لا تمنع من يُغنى بكلمات وألفاظ فجة ومبتذلة، بدلًا من ملاحقة فنان بسبب مقاطع التُقطت بهواتف المراهقين وتصدرت السوشيال ميديا؟!
إننى لا أنكر أن بعض الفتيات قدمن مشهدًا فجًّا من القبلات، والاحتضان، والرقص، والابتذال، لكن السؤال: كيف تُترك خشبة المسرح مستباحة لكل من قررت أن تقتنص لحظة شهرة فى حضرة راغب، أو تستعرض زيًّا صارخًا، وتقدم وصلة رقص ساخنة، أو تُشبع رغبتها فى التقبيل والعناق على مرأى ومسمع الجميع؟! وهل نحاسب مطربًا على تصرفات الجمهور، و»الهرج والمرج»؟ أم نحاسب المنظمين والأمن الذين تركوا المسرح مستباحًا، كأنه شرفة مفتوحة فى ليلة صيفية؟ هل نحاسب مطربًا لأنه واجه وحده إعصارًا من العشوائية، أم من سمح بالقبلات ووصلات الرقص المجانية على المسرح؟! وهل أصبحت النقابة جهازًا رقابيًّا على السلوك العام؟ أم أن دورها هو حماية الفن وتنظيم مناخه؟ وإذا كانت القبلات تُشعل الفزع النقابى، فماذا عن الابتذال الفنى الذى يتسرّب كل يوم عبر كلمات هابطة وأصوات لا تملك من الطرب شيئًا؟ المؤسف أن نُحاسب الفنان على ما ارتكبه الجمهور، بينما يظل من سهّل، وتغاضى، وتغافل، خارج دائرة الضوء والمحاسبة.
صحيح أن الأزمة انتهت، لكنها كشفت أمرين: أن الفن لا يزال يُراقَب بعين الوصاية، وأننا نحتاج إلى نقابة تُجيد صياغة البيانات، قبل أن تُجيد إصدار العقوبات!!