أعد الخبير العسكرى الإسرائيلى «يوئيل جوزينسكى»، الباحث البارز فى مركز دراسات الأمن القومى الإسرائيلى دراسة تحت عنوان «صنعاء فى قبضة المتمردين الحوثيين» يتحدث خلالها عن الأوضاع المتدهورة فى اليمن وأنه لا يوجد ثمة ما يدعو إلى التفاؤل فى صنعاء، وأن السلطة المافيوية للرئيس على عبدالله صالح نخرت جسد الدولة والمجتمع اليمني، لأكثر من ثلاثة عقود، دفعت الشعب اليمنى للخروج فى ثورة ضده قسمت بعدها البلاد بشكل يصعب القول فيه لماذا هناك جماعة باسم الحوثيين تعتبر خارج الدولة،فمنذ قيام الثورة اليمنية ورحيل الرئيس صالح، لم يتغير الوضع اليمنى كثيراً، فباستثناء إسقاط الرئيس ودخول حزب الإخوان السلطة، ظلت الأمور على حالها، بل قد تكون أسوأ مما كانت عليه، بسبب تدهور الوضع الأمنى والمعيشى فى البلاد . بدأ الباحث الإسرائيلى بتعريف الحوثيين أولا فى بداية دراسته قائلا إنهم جماعة دينية شيعية زيدية تقوم على ولاية الإمام وتتبع الطريقة الاثنى عشرية وسميت بهذا الاسم تيمنا بزعيمهم « الروحي» الراحل بدر الدين الحوثى ونجله حسين الحوثى الذى قتل فى مواجهات مع قوات الجيش اليمنى عام 2004 . تأسست هذه الجماعة فى عام 1986م كتجمع سياسى تحت اسم «حركة الشباب المؤمن» حيث أنشئت للتنديد بالتهميش الذى يعانيه سكان شمال غربى اليمن معقل الزيديين الذين يشكلون ثلث السكان فى اليمن تقريبا، وتنطوى حاليا تحت اسم «أنصار الله» الذى استخدمته جماعة الحوثى بشكل رسمى فى مؤتمر الحوار الوطنى وتتخذ مدينة صعدة التى تقع على بعد 240 كلم شمال صنعاء معقلا رئيسيا لها. ويقول جوزينسكى إن الأحداث اتخذت فى الساحة اليمنية منحى آخر، بعيدا عن المبادرة الخليجية، بعد أن أصبحت هناك جهة معينة تفرض شروطها وتتحكم بمصير البلد وبمخرجات الحوار الوطنى الشامل، وهى حركة التمرد الحوثية،التى تعمل بعيدا عن القوى الوطنية والسياسية الأخرى، عقب استيلائها على العاصمة اليمنية صنعاء بالقوة المسلحة، وبدأت الحركة فى رفع مطالب تتعلق بتراجع الحكومة عن الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها. وأضاف جوزينسكى أن قرار رفع الدعم عن المحروقات جاء فى وقت حرج زاد من معاناة الناس، وليضيف للجماعة الحوثية المتمردة ورقة تعزز بها موقفها فى غزو صنعاء، والاستيلاء على المؤسسات السيادية فى الدولة، وفرض شروطها السياسية على النخبة الحاكمة. منذ لحظة إسقاط الحكومة المركزية فى صنعاء و لم تتوقف الاتهامات لإيران بقيادة «الثورة المضادة»، و بالإيعاز لحليفها الحوثى باقتحام العاصمة بالتواطؤ مع بعض دول الخليج لإبعاد الأحزاب الإخوانية عن الحكم، وكذلك الألوية العسكرية المقربة منها فى السلطة، ويندرج ذلك ضمن إطار صراع المحاور فى المنطقة، دون النظر أو الاهتمام لأسباب وجود جماعات فاعلة خارج سلطة الدولة، كما هو حال الحوثيين فى اليمن، وما آثارها على المجتمع والدولة؟ ولفت الباحث الإسرائيلى لما قاله مندوب مدينة طهران فى البرلمان الإيرانى «على رضا زكانى» المقرب من المرشد الإيرانى على خامنئى إن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية»، مشيرا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التى فى طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية، بعد بيروت ودمشق وبغداد. تمر إيران وفقا لزكانى فى هذه الأيام بمرحلة «الجهاد الأكبر»، و أن هذه المرحلة تتطلب سياسة خاصة، وتعاملا حذرا من الممكن أن يترتب عليه عواقب كثيرة، إذ أنه على المسئولين فى إيران معرفة كل ما يجرى على الساحة الإقليمية، والتعرف على جميع اللاعبين الأساسيين والمؤثرين بدول المنطقة. ويرى جوزينسكى أن طهران تسعى لدعم الحركات التى تسير فى إطار الثورة الإيرانية لاستغلالها فى تحقيق أهداف استراتيجية بزعم رفع الظلم عنها ومساعدة المستضعفين فى منطقة الشرق الأوسط ، مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط تتجه الآن إلى تشكيل قطبين أساسيين، الأول بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها من العرب، والثانى بقيادة إيران والدول التى انخرطت فى مشروع الثورة الإيرانية. وكشفت الدراسة ووفقا لمصادر إيرانية عن تدخل فرقة فيلق «قدس» الإيرانية فى العراق بقيادة الجنرال «قاسم سليمانى» فى إقليم كردستان لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابى ، مضيفة أنه لو لم يتدخل سليمانى فى الساعات الأخيرة بالعراق، لسقطت بغداد بيد تنظيم داعش، كما أنها تدخلت فى سوريا لإنقاذ نظام الرئيس السورى « بشار الأسد» . وأضافت أنه فيما يخص اليمن فترى طهران أن الثورة اليمنية ما هى إلا امتداد طبيعى للثورة الإيرانية، وأن اليمن سوف تصبح تحت سيطرة الحوثيين قريبا، كما أن الثورة لن تقتصر على اليمن وحدها، بل ستمتد بعد نجاحها إلى داخل العمق السعودى. ورأت الدراسة أن تحويل المملكة العربية السعودية اهتمامها إلى مناطق أخرى بالإقليم، متجاهلة الفوضى المحتملة على حدودها الجنوبية ، أعطى إيران داعمة الحوثيين «اليد العليا» لتتبوأ بذلك مكانة تفوق السعودية بالنسبة لبلد عربية مثل اليمن يفترض أن غالبيتها مسلمون سنة. وينظر إلى الحوثيين على أنهم حلفاء لإيران القوة الشيعية الرئيسية فى المنطقة والعدو الأبدى للمملكة العربية السعودية ولدول اخرى فى الخليج تقودها أسر حاكمة سنية ، وإن تجنبت النخبة السياسية فى اليمن الحوثيين لفترة طويلة، وعدم إشراكهم فى الحياة السياسية هو ما دفعهم للنظر للقوة الخارجية المؤيدة لهم، معتقدين أنه المخلص الوحيد من الاضطهاد الذى يمارس عليهم داخل بلادهم . وطالبت الدراسة الإسرائيلية بضرورة وقف النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية، وأن يعطى رؤساء الدول العربية هذا الأمر الأولوية القصوى، لأن التساهل إزاءه يهدد بسقوط عواصم عربية أخرى تحت السيطرة الايرانية، إذ إن ما يحدث فى المنطقة منذ عام 2003 وإسقاط نظام الرئيس العراقى «صدام حسين» يصب فى مصلحة إيران، موضحة أن تدخل الولاياتالمتحدة وقوى التحالف الغربى فى حروبها المستمرة فى المنطقة لا يقوم إلا بتقديم الخدمة تلو الأخرى للنفوذ الايراني. وما يحدث حالياً من حرب ضد تنظيم «داعش» فى العراق وسورية سينتج منه تطهير وتجهيز فراغات جديدة ليملأها النفوذ الايرانى. ووفقا للدراسة فإن اعادة ترتيب الأوضاع فى الشرق الأوسط يعتمد على حسم «المعركة الاقليمية» التى قامت فيها دول عربية عدة بحملة ضد الاخوان المسلمين وتنظيمات الاسلام السياسى التى تشارك فى التغيرات السياسية والديمقراطية فى بلدانها، ليس دفاعا عن الإخوان وإنما تقديرا للأخطار الإقليمية ، قائلة إن هذه المعركة فى غير مكانها، وأنها تستنزف هذه البلدان وتهلك البنية الداخلية فيها والتى من المفترض ان تعمل على تقويتها لمقاومة ومجابهة الخطر الأهم والاكبر وهو النفوذ الايراني. تجدر الإشارة إلى أن الجولة الحالية من المواجهة بين السلطة اليمنية والحوثيين ليست أول مواجهة تدور بين الجانبين و يمكن أن نعتبر الجولة الأخيرة على أنها الجولة الثامنة منذ عام 2004 لكنها الجولة الأكثر إثارة للاهتمام و الجدل . واختتم الباحث الإسرائيلى دراسته بأن الحوثيين لم يولدوا من رحم المصادفة، بل كانوا نتاجاً طبيعياً لسياسات الإقصاء والتهميش للشمال والجنوب، ولعدم بناء دولة عادلة فى اليمن، فالحالة الاجتماعية لم تتغير، بعد الثورة عما قبلها، والناس بفطرتهم يسعون إلى توفير سبل عيشهم، وتعزيزها، ولن يهتموا كثيراً إذا ما كانت الجماعة الحامية لمصالحهم متهمة بالولاء لإيران أو للشيطان.