عادت مصر إلي تبوؤ مكانتها في عالمها العربي، بهذه الثورة التي قادها شباب مصر يوم 25 يناير واندفعت خلفه جموع شعب مصر من كل مناحي توجهاته، وأيديولوجياته وحتي الصامتين من المصريين انبعثت فيهم روح التحدي والرفض وعدم الإذعان وتخلوا عن مشاغلهم الحياتية. بل تخلوا عن وسائدهم ومناضدهم ومقاهيهم وتركوا اهتماماتهم اليومية سواء بالمشاهدة للشاشات، أو المشاركة في النقد دون السعي للتغيير، كل تلك الجموع تحركت بعد يوم 25 يناير وازداد الانفعال بعد مرور ساعات من نهار جمعة الغضب يوم 28 يناير، وسرعان ما أظهر شعب مصر معدنه الأصيل في حماية نفسه وصيانة عرضه والتشابك المجتمعي الذي حدث في شوارع وحواري وأزقة كل البلاد في مصر من شمالها إلي جنوبها ومن شرقها إلي أقصي حدودها الغربية وسرعان ما أظهرت قواته المسلحة، معدنها الأصيل وحرص رجالها، رجال مصر علي الوقوف بجانب شرعية وجودها وهي الحفاظ علي الوطن والمواطنين، فأصبحت مصر كلها شعبها وجيشها يدًا واحدة، دون تفرقة طبقية أو فئوية أو عنصرية أو دينية، الكل التحم - رغم الصعوبات التي واجهت ولادة الثورة إلا أن المخاض بطبيعته يمثل صعوبة شديدة في أثناء ولادة شيء ما وخاصة إذا كانت الولادة أنجبت الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية - والتي يسعي شعب مصر منذ إعلانه لهذه الثلاثية صباح يوم الثلاثاء 25 يناير، إلا أن المراحل التي مر بها الشعب في ثمانية عشر يومًا، والتي دشنت مساء يوم 11 فبراير بتخلي الرئيس السابق عن منصبه، كانت وستظل ملحمة شعبية مصرية تضاف إلي التاريخ المصري العظيم. ولعل هذه الثورة عندما اندلعت أحداثها، كانت «تونس» الشقيقة قد صدرت المفاجأة الكبري لأمتنا العربية، حيث استطاع جموع الشباب الذي ثار لكرامة الشاب «بوعزيزي» الذي أحرق نفسه برمزية شديدة بعد أن تعدت الشرطة التونسية علي كرامته، هذه الرمزية التي فجرت ثورة، تداعي لها النظام بسرعة لم يستوعبها عقل، أي عقل عربي، وربما كانت تلك الشرارة التي حركت بعض الميادين في العواصم العربية كان الحظ فيها أوفر لميدان التحرير بالقاهرة الذي أيضا جاء بالمصادفة حينما فكر شباب 25 يناير في اختيار مكان للتجمع وشدوا الرحيل إليه بعد معارك شرسة علي مداخله، حتي انسحاب قوات الأمن مساء يوم 28 يناير ولكن كان لمصر، الدور الرائع البارز القائد لأمتها العربية وهكذا شهد الجميع في جميع الفضائيات «حينما تكون مصر بخير يصبح العالم العربي بخير» فمصر هي الفنارة وهي المنبر وهي القدوة - وحينما نتذكر تلك الأبيات العظيمة لشاعر النيل في قصيدته «مصر تتحدث عن نفسها»: أنا إن قدر الله مماتي/ لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي ما رماني رامٍ وراح سليمًا/ من قديم عناية الله جندي.