بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك ببضعة أيام التقيته ضمن مجموعة من الأصدقاء الذين اجتمعوا للإعداد والتحضير لندوة تنظمها واحدة من أنشط منظمات المجتمع المدني في مصر منذ سنوات وهي الهيئة القبطية الإنجيلية.. كان صديقي أستاذ العلوم السياسية بكليتي التي أتشرف بالانتساب إلي خريجيها وهي كلية الاقتصاد، شديد التفاؤل بمستقبل مصر، أو كي أكون دقيقا لمستقبل ثورة 25 يناير.. كان تفاؤل صديقي الأكاديمي يصل إلي عنان السماء لدرجة أنه رفض بإصرار وحسم إمكانية حدوث أي احتمالات أخري غير طيبة مثل احتمالات الفوضي أو عدم تحقيق الثورة كل أهدافها. لكن بعد نحو أسبوعين أو أكثر قليلا عندما التقيت صديقي الأكاديمي في حال مختلف.. أخفي تفاؤله وحل محله تشاؤم أو بدايات تشاؤم.. وجدت صديقي يتحدث بحسم أن كل الثورات التي حدثت في التاريخ لم تحقق أهدافها، وبالتالي فإن ثورة 25 يناير ليست استثناءً.. أي أنها بهذا المعني لن تحقق أهدافها هي الأخري بسبب تجمع قوي الثورة المضادة ومحاولات المتشددين دينيا الاستيلاء علي السلطة التي ارغم النظام السابق علي التخلي عنها. وصديقي هذا الذي تبدل حاله من التفاؤل إلي التشاؤم أو حتي إلي قدر منه ليس وحده الذي تعرض لذلك التغيير.. هناك كثيرون حدث لهم هذا التبدل أو التغيير.. تفاؤلهم وصل ذروته في أعقاب تنحي الرئيس السابق، لكنهم لم يتمكنوا من الاحتفاظ بهذا التفاؤل فترة طويلة، وسرعان ما بدأ التفاؤل يتقلص حتي تلاشي وحل محله التشاؤم.. تشاؤم بالمستقبل وما يمكن أن يحدث فيه. وهذا التشاؤم يعكس بالتأكيد قلقًا واضحًا وملموسًا وقويًا، والأخطر تزايدا من أن ينتهي بنا المطاف إلي الوقوع في براثن ديكتاتورية أخري.. ديكتاتورية لن تكون هذه المرة مدنية، ولكنها ستتخفي ثياب دينية، وسوف تستخدم أسلحة دينية. وربما يكون هؤلاء محقين في هذا التغيير المعنوي أو التحول النفسي بسبب ما رصدوه من صعود للتيارات الدينية المتشددة والسلفية واعتلائها صدارة المشهد السياسي.. وتوالي بعض التصرفات والسلوكيات الصادمة، ابتداءً من استخدام الدين في المشهد السياسي في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، سواء بالتأييد أو الرفض، وانتهاءً بالسعي إلي تطبيق الحد علي غير المسلمين! ولكن في عالم السياسة لا مجال للتفاؤل أو التشاؤم، رغم أن تلك مشاعر إنسانية قد لا يتحكم فيها البشر.. في عالم السياسة الحذر مهم والمواجهة ضرورية.. الحذر من المخاطر والتحركات السلبية ومحاولات الانحراف بالثورة عن وجهتها الأساسية وهي الدولة المدنية الديمقراطية العصرية العادلة.. والمواجهة لكل القوي التي تحاول سرقة الثورة أو إجهاضها.