منذ أطلت علينا الشاعرة الشابة اسراء المقيدم من محافظة الفيوم بديوانها الاول، انتبه العديد من متذوقى الشعر لميلاد شاعرة موهوبة لها رؤى مختلفة ترسخ مفاهيم تخص تجربتها الشعرية التى اتضحت ملاحها مع ديوانها الاول «ما تيسر من سورة الخايفين» الذى اتسم بإثارة التساؤلات الفلسفية مستعينا بقوة البصيرة لا البصر فى إيجاد حلول وبدائل عقلية لمشكلات انسانية معقدة تناولتها الشاعرة بحذر لتتحدث بلسان كل خائف حزين وبهذا اجتذبت الشاعرة العديد من الاذان المصغية برهافة كلماتها وبساطة تناولها مع عدم اغفهالها لجماليات الصورة وسلاسة التركيبات. ■ هل تعجلت إسراء مقيدم فى نشر ديوانها الأول.. أم ربما تأخرت كثيرا؟ - فى الصفحة الأولى للديوان، قمت باستعارة عنوان رواية للراحل يحيى الطاهر عبد الله ك مقدمة تمهيدية، عنوان الرواية كان «الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة»، هكذا هو الأمر بالنسبة لي، فالقصائد التى يضمها الديوان عبارة عن مجموعة من الحقائق القديمة التى اكتسبتها فى إحدى الفترات، تخلّصت من بعضها وتركتها ورائي، وتخلّى عنّى البعض الآخر.. تكمُن الدهشة فى نقاط التماس الصغيرة.. فى المرات التى يخبرنى فيها أحدهم بأنه عالق فى مرحلة قد مررت أنا بها، وأن القصيدة تحدثت عما عجز هو عن قوله.. أو هكذا أتمنّى. بالنسبة لي.. لا توجد»ستوب ووتش» للكتابة والنشر، الأمر متعلّق بمراحل الكتابة، ما أن تكتمل أية مرحلة حتى يُصبح النشر هو الخطوة التالية الأكثر منطقية ■ الفيوم.. إلى أى مدى هى بعيدة عن « وسط البلد «.. وكيف تعاملت مع هذه المسافة؟ - جغرافياً ليست بالمسافة الكبيرة. ولكن بالمفهوم الواسع لكلمة «مسافة»، فالأمر أكبر من فواصل جغرافية بين مدينتَين، ف الكتابة لا تعترف بحدود مكانية أو زمانية. تكتب آن سيكستون قصيدة فى أربعينات القرن الماضي، لتصل مباشرة إلى قلب فتاة تقرأ فى حجرتها بإحدى المحافظات الإقليمية التابعة دولة تقع فى الجانب الآخر من العالم. فى الكتابة على وجه الخصوص، دائما ما تجد الكلمات طريقها للوصول. كل ما يقتضيه الأمر هو أن تكون الأفكار صادقة وقريبة، وستحمل عن صاحبها مهمة الإنتقال للآخرين. ■ ما الذى قدمه الإنترنت لشاعرة موهوبة تجد صعوبة فى القدوم إلى القاهرة؟ - فى إحدى المرات أثناء تجوّلى بمدونة الشاعرة إيمان مرسال، مررت بصورة قديمة لها أيام كانت طالبة جامعية، لفت انتباهى التعليق المُرفق بالصورة. فقد كانت تتحدث عن زميل دراسة قديم عهدته يكتب قصائد جميلة ويطمح أن يصبح شاعرا، ولكنها لم تدر ماذا فعلت به الأيام بعد ذلك. الأمر فقط أن الحياة أصعب كثيراً مما تبدو عليه، فى بعض الأحيان تكون الكتابة قريبة وصادقة ولكنها تظل حبيسة عقل صاحبها لعوامل أخرى. على الأقل، داخل الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعى يجد الناس بعضهم البعض، هناك دائماً من يستمع إليك، وهناك من يهتمّ. أفكّر كثيراً فى مصير هذا الرجل لو كان من مواكبى الإنترنت، أفكر أكثر فى مصيرى لو كنت أكبر بثلاثين عاماً.. ربما لم أكن لأجد مُتنفسى الخاص لأكتب، ولربما ظلت أفكارى حبيسة داخلي. ■ هل أنت مع مصطلح «أدباء الأقاليم»؟ - تدور أحداث أغلب روايات نجيب محفوظ داخل الأحياء الشعبية، بينما تدور أحداث قصص سعيد الكفراوى بالقرى والنجوع، أما روائيين أمثال إبراهيم عبد المجيد وعلاء خالد، فقد افتتنا بالأسكندرية وتأثرت أعمالهم الأدبية بها. العامل المشترك بين كل هؤلاء هى النشأة وليست الأقاليم، فلاشك أن النشأة البيئية تؤثر بالكاتب وتتجلّى فى أعماله، حتى فى الشعر..شعراء أمثال عبد الرحمن الأبنودى ومحمد عفيفى مطر، تغلب على قصائدهم مفردات وطبائع مرتبطة بأماكن نشأتهم. لذا، فأنا أميل أكثر لمصطلح « أدباء المكان والنشأة». ■ ما أكثر ما يمتعك فى الكتابة.. وما أكثر ما يخيفك؟ - أحب الكتابة لإنها بمثابة لسان كل الصامتين، أجمل لحظاتى هى تلك التى يخبرنى فيها شخص لا يعرفنى بصفة شخصية، أن قصيدةُ من كتابتى قد عبّرت تماماً عما يعجز هو عن قوله، الأمر الذى يؤكد لى أننى لست بمفردي، هناك من سبقونى وهناك أيضاً من يلحقون بي، ولا بأس بهذا..لأن هذا أيضاً سيمُرّ. ولكن من جانب آخر، ف الكتابة عملية استهلاكية للغاية، تتغذى على كاتبها، تُجرّده فى معظم الأحيان من مشاعره لإنها تُصبح مشاعاً للجميع. شئنا أم أبينا فالكتابة عملية مُرهقة تخلع عنّا أردية الخصوصية. أحيانٌ أخرى تصبح الكتابة مرآة مُكبّرة، تتضح من خلالها أبعاد الحالة الشعورية وزواياها، تفضح القصيدة صاحبها وما يمر به، فلا يعد هناك مجالاً للمناص. بالنسبة لي.. فإن أكثر ما يؤرقنى أننى أكتب صداعى الخاص كمحاولة للتخلّص منه..ولا أحد يحب صداعه. ■ كيف توظفى استخدام التناص فى الجملة الشعرية.. وكيف تمنعينه من أن يحول النص إلى جمل وعظية؟ - القصيدة بنت حالتها، والحالة هى المحدد الأساسى لطبيعة النص. أثناء الكتابة، لا أتعمد اللجوء إلى التناص أو استخدام نصوص مُقدّسة، كل ما فى الأمر أن النصوص والآيات تُلحّ عليّ بشدة، وبحسب طبيعة الحالة، وبشكل عفوى تماماً، تخرج القصيدة كمحاولة لترجمة النص المُقدّس المعنيّة به. فى الميثولوجيا اليونانية يدور الحديث حول نافورى تُدعى « هيبوكريني» تُعتبر مصدراً للإلهام لكل من يشرب من مياهها، وفى السيَر القديمة بشبه الجزيرة العربية، كانوا يعتقدون أن هناك شيطاناً يتلبس صاحبه ويدعى شيطان الشعر، وهو الذى يُملى عليه كلمات قصائده. بالنسبة لي، أؤمن أن الفصائد بنات حالاتها، لا بنات أفكار الشاعر، ربما لهذا يكون ولاء الشاعر للقصيدة قبل أى شيء آخر