كنيسة القديس مار مرقس الرسول بدمنهور تعقد لقاء بعنوان "النجاح في حياة زوجة الأب الكاهن"    فصل التيار الكهربائي عن 16 منطقة وقرية بكفر الشيخ لمدة 5 ساعات    وزير البترول يبحث مع مؤسسة البترول الكويتية وكوفبيك ونفط الكويت تعزيز التعاون    ترامب: هجوم سيدني مروع    ألافيس ضد الريال.. مبابي وفينيسيوس يقودان هجوم الملكي في الليجا    تشكيل ريال مدريد - عودة مبابي.. وظهير أيسر من كاستيا في مواجهة ألافيس    كأس العرب.. متعة المشاهدة لماذا؟    ضبط المتهمين بالتشاجر وإصابة 8 أشخاص في الجيزة    فرحة لم تكتمل.. مصرع عريس بعد 45 يومًا من زفافه بالصف    نقابة المهن التمثيلية تنعى شقيقة عادل إمام أرملة الراحل مصطفى متولى    طارق بن شعبان: قرطاج السينمائي يدعم سينما المؤلف الملتزمة بالقضايا الإنسانية    هل تصح صلاة المرأة دون ارتداء الشراب؟.. أمين الفتوى يوضح    محفظ قرآن بالأقصر يسجد شكرا لله بعد فوزه برحلة عمرة مجانية ويهديها لوالدته    وزير العدل يشهد أداء اليمين القانونية للأعضاء القانونين الجدد بمصلحة الشهر العقارى    مصر تدين الهجمات على مقر بعثة الأمم المتحدة بمدينة كدوقلي في السودان    بعد تسجيل عبلة كامل.. مفيدة شيحة تشيد بلميس الحديدي: رجّعتي لنا صوت بنحبه ونحترمه    العشق اسمه «دروب مصر»    مدرب بصالة ألعاب يعتدى على شاب لخلاف على قيمة مشروبات ببولاق الدكرور    العثور على جثة رضيع حديث الولادة بقنا    بحضور كمال وزكي.. وزير العمل يستقبل وفد لجنة الطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ    صندوق تحيا مصر يطلق "أسبوع الخير" بالأقصر لتقديم أضخم حزمة خدمات اجتماعية وصحية ل 10 آلاف أسرة و4 آلاف طالب    حل مجلس إدارة الزمالك؟ وزارة الرياضة توضح الحقيقة بعد بيان النيابة العامة    أنشطة ثقافية وفنية بالمركز الثقافي بالمحروسة ضمن مشروع جودة حياة    محمد أنور يساند أحمد السقا بعد الهجوم عليه بسبب رسالته إلى محمد صلاح وليفربول    مسئولو الإسكان يتابعون سير العمل بالإدارة العقارية بجهاز مدينة دمياط الجديدة    منتخب مصر يحقق برونزية بطولة كأس العالم للفرق المختلطة للاسكواش    الإفتاء: التنمر عدوان محرم شرعًا.. وإيذاء الآخرين نفسيًا إثم مبين    العزل المنزلى!    باحث سياسي: حادث سيدني هزَّ المجتمع الأسترالي بأسره    البورصة تختنم تعاملات اليوم بارتفاع جماعي وربح 7 مليارات جنيه    محافظة القليوبية تنتهي من تجهيزات اللجان وترفع درجة الاستعداد    «عبد الهادي» يتفقد الخدمات الطبية بمستشفى أسوان التخصصي    إزاحة الستار عن تمثالي الملك أمنحتب الثالث بعد الترميم بالأقصر    الفيوم تتميز وتتألق في مسابقتي الطفولة والإلقاء على مستوى الجمهورية.. صور    وفاة طفلة دهسا تحت عجلات القطار في محافظة أسيوط    وكيل تموين كفر الشيخ: صرف 75% من المقررات التموينية للمواطنين    رافينيا: وضعي يتحسن مع لعب المباريات.. وعلينا الاستمرار في جمع النقاط    محمد صلاح ولاعب الزمالك بالقائمة.. موعد حفل جوائز ذا بيست 2025    الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيًا بزعم محاولة تنفيذ عملية طعن قرب الخليل    في قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق المهرجان القومي للتحطيب واحتفالات اليوم العالمي للغة العربية    محافظ أسوان يتابع جهود مديرية الطب البيطرى لمكافحة مرض السعار    غلق 156 منشأة وتحرير 944 محضرا متنوعا والتحفظ على 6298 حالة إشغال بالإسكندرية    رئيس الوزراء الأسترالي: حادث إطلاق النار في سيدني عمل إرهابي    جون سينا يعلن اعتزال المصارعة الحرة WWE بعد مسيرة استمرت 23 عامًا .. فيديو    وكيل صحة سوهاج ينفي وجود عدوى فيروسية بالمحافظة    هناك تكتم شديد| شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلي لتجديد عقد ديانج والشحات    "القومي لحقوق الإنسان" يطلق مؤتمره الصحفي للإعلان عن تقريره السنوي الثامن عشر    الصحة: لا توصيات بإغلاق المدارس.. و3 أسباب وراء الشعور بشدة أعراض الإنفلونزا هذا العام    مصر تطرح 5 مبادرات جديدة لتعزيز التعاون العربي في تأمين الطاقة    "الغرف التجارية": الشراكة المصرية القطرية نموذج للتكامل الاقتصادي    أرتيتا: إصابة وايت غير مطمئنة.. وخاطرنا بمشاركة ساليبا    حكم الوضوء بماء المطر وفضيلته.. الإفتاء تجيب    مصطفى مدبولي: صحة المواطن تحظى بأولوية قصوى لدى الحكومة    نظر محاكمة 86 متهما بقضية خلية النزهة اليوم    سوريا تكشف ملابسات هجوم تدمر: المنفذ غير مرتبط بالأمن الداخلي والتحقيقات تلاحق صلته بداعش    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يبحث الشاعر عن ذاته في القصائد
نشر في القاهرة يوم 17 - 07 - 2012


* في قصائد غادة هناك آخر غائب دائما ثمة هوة أمام الآخر لاتدرك مع القصائد من المتسبب فيها وربما كانت هذه الحيرة مقصودة من الشاعرة في ديوانها الأول "تقفز من سحابة إلي أخري"، قدمت الشاعرة والفنانة التشكيلية غادة خليفة، عالما تتماس فيه حدود اللوحة والقصيدة، لتقدم قصيدة تشبه اللوحة، أو لوحة تشبه القصيدة، غير أنها في ديوانها الثاني "تسكب جمالها دون طائل"، الصادر أخيرا عن دار شرقيات، تقرر أن تقدم تجربة مختلفة، تؤكد فيها أنها شاعرة وفنانة تشكيلية، وتدرك الفارق بين الاثنين، فتقدم عالميان متوازيان، قصائد، ولوحات من الفن التشكيلي. أفضل هنا أن أبدأ بالفنانة التشكيلية، حيث لا يمكن النظر إلي اللوحات المرفقة بالديوان، إلا علي اعتبار أنها جزء من النصوص، يكمل بعضها بعضا، ويشرح البعض الآخر، ويوازي جزءا ثالثًا، غير أنه في كل الأحوال لا يمكن النظر إلي العمل إلا كنص واحد، يمزج الفن التشكيلي بالشعر، وقديماً عدَّ أرسطوطاليس الرسم شكلاً شعرياً، مثلما هو الشأن بالنسبة إلي فنون النحت والرقص والموسيقي، وجعل أحد قدماء اليونان الشعر رسماً ناطقاً، والرسم شعراً صامتاً، كما أشار الفارابي إلي العلاقة بين الشعر والرسم محدداً موضع كل منهما إذ يري أن بين صناعتي الشعر والتزويق مناسبة فهما مختلفان في مادة الصناعة ومتفقان في صورتهما، ذلك أن موضع الأولي الأقاويل، وموضع الأخري الأصباغ، وأن بين كليهما فرقاً، إلا أن فعليهما جميعاً التشبيه، وغرضيهما إيقاع المحاكيات في أوهام الناس وحواسه، وبعيدا عن التعقيدات التاريخية، فإن غادة خليفة في هذا الديوان الذي يقدم نصا واحدا من الكلمة واللون، تقدم نصها الخاص، الذي تمزج فيه بين موهبتيها في الكتابة والرسم، لتقدم لوحة شعرية، أو نصا مرسوما بعناية فائقة، ومن هنا يمكن ملاحظة أن ثمة امتزاجًا ما بين البنية والدلالة، الشكل والمعني، الأداة التعبيرية والرؤية. متوالية شعرية يمكن قراءة تجربة غادة خليفة الشعرية علي اعتبار أنها متوالية شعرية، إذا جاز التعبير، فهي بعد أن كانت في ديوانها الأول "تقفز من سحابة إلي أخري"، بما يوحيه ذلك من براءة الاكتشاف، واحتفاء بالعالم، وإقبال عليه، أصبحت في ديوانها الثاني "تسكب جمالها دون طائل"، بما يوحيه ذلك من مرارة الفقد، والوحشة، ونلاحظ هنا أن اسمي الديوانين يبدآن بفعل مضارع، تقوم به الشاعرة، فالأول فعل القفز يحيلنا إلي الصعود، بينما يحيلنا الثاني "تسكب" إلي فعل الهبوط، والصدمة، خاصة أن هذا السكب بدون طائل في النهاية، وهو ما تكشف عنه قصيدة امرأة "الطِّفلَةُ الَّتِي أُرَبِّيهَا دَاخِلِي، مَتَي اختَفَتْ؟، وَصَعَدَتْ تِلكَ الأُخرَي، الَّتي ىُشعِلُهَا الهَوَاءُ المُلوَّثُ بِالبَارفَان" وربما يكون هذا المأزق الذي تريد أن تخرج منه لتعود إلي كينونتها الأولي فتقول في آخر القصيدة "لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ امرَأَة"، وفي نص آخر تقول "جَسَدِي/ ذَلِكَ الغَرِيبُ عَنِّي/ يعرِفُكَ". الديوان إذن منذ عنوانه الشارح، يخلع ثوب البراءة، ليقدم عالما غرائبيا، كابوسيا في معظم الأحيان، يقدم ذاتا شاعرة تصنع عالما افتراضيا، وذاتا افتراضية، وآخرين افتراضيين، تؤنسن فيه المشاعر "الفقد"، والجماد "الكومبيوتر"، بدلا من هذا العالم المشوه. بالإضافة إلي المزج بين التشكيلي والشعري، تستخدم غادة خليفة في قصيدة مكعب روبيك، فنية السيناريو، معتمدة في ذلك علي بعض الأفلام الأمريكية، وتقنيات الكتابة للسينما لتتداخل فيها الذات الشاعرة مع ذوات نساء أخريات شاهدناهن في أفلام معروفة، كما تقدم عددا من القصائد المركبة مثل "كابوس التمام"، و"يوميات كنكة وحيدة"، حيث تعتمد الثلاث قصائد الماضية علي معمار فني فريد، يعتمد علي البناء التراكمي للصورة الشعرية، والحدث الشعري في آن، فضلا عن وجود نص واحد ممتد بطول الديوان، بدون عنوان، فقط يحمل أرقاما، يتقاطع ويتوازي مع القصائد المعنونة، لكنه في النهاية، يقدم الحالة العامة للديوان، والتي تتداخل فيها غنائية الفقد مع نثرية النص. ثلاثة عوالم توجد ثلاثة عوالم متداخلة في ديوان غادة، عالم الفتاة التي تجاوزت عالم المراهقة واصطدمت بواقع، فتهرب إلي صنع عوالم بديلة، وعالم الكتابة الذي يبدو بوابة للهروب حتي لو كانت مجرد مخرج غير مأمونة العواقب "وَلَا أعرِفُ أبَدًا لِمَاذَا أكتُبُ مَا أكتُبُهُ الآنَ؟"، والعالم الثالث هو عالم النور والظلام، والذي تتنقل بينهما في حالة تخبط تكشف مأزق الذات الشاعرة، بين عالمين واقعي وافتراضي، وتشي من جهة أخري بروح الفنانة التشكيلية التي تعتمد علي الظلال أحيانا في بعض لوحاتها "الحُجرَةُ مُظلِمَةٌ، وَأنَا أيضًا، كِلانَا يحَاوِلُ أنْ يمتَصَّ النُّورَ مِنْ شَاشَةِ الكُمبيوتر". هذا العالم يبدو حاضرا بقوة في العديد من النصوص، فالظلام والليل يبدوان في بعض الأحيان انعكاس للعالمين، العالم الحقيقي والمتخيل، "أيها اللَّيلُ الَّذي يرسِمُ دَوَائِرَ صَغيرَةً حَولِي/../ مَا الَّذِي أصَابَنِي لأُطَارِدَكَ؟"، فهي تلجأ للظلام خوفا من النور"خُذُونِي إِلَي الظَّلامِ عُنْوةً عيناي تَالِفَتَانِ مِنْ النُّورِ"، رغم أن النور في نص آخر يبدو هو رؤية العالم الذي تهرب منه "النُّورُ لَا يأْتِي مِنْ أَي اتِّجَاهٍ، أَكَادُ أَفقِدُ بَصَرِي، الظُّلْمَةُ شَدِيدَةٌ وَلَا أَحَدَ ىُدرِكُهَا سِوَاىَ، بِالنِّسْبَةِ لِلآخَرِينَ، أَنَا أَسبَحُ فِي النُّورِ". الرغبة في الخروج من العالم الأول بالكتابة تبدو مع "النَّصُّ ىَرغَبُ في التَّوَقُفِ هُنَا، حَتَّي مَعَ عَدَم اكتِمَالِ المَعنَي"، فتلجأ للأغنية التي تكشف أزمة الذات الشاعرة "(شَادية) تَصدَحُ بِأُغنِيةٍ مُرَّةٍ قَليلًا رَغمَ حَلاوَتِهَا، تَحكِي عَن حَبِيبِهَا، تَقرِيبًا تَتَسَوَّلُ مَشَاعِرَهُ، تَحكِي عَن نِصفِ العَالمِ المُضِيءِ، وَلا تَذكُرُ الظَّلامَ بِكَلِمَةٍ صَغِيرَة"، فهي لا تحكي هنا عن عالم شادية بقدر ما هي تصف العوالم الثلاثة التي تقدمها في ديوانها، مع استبدال الكتابة بالغناء، وهو ما تشير إليه في آخر النص "غَالبًا للأُغنِية بَقِيةٌ لم يكتُبها أحَد". الكتابة ليست فقط المخرج من العالم وإلي العالم بالنسبة للشاعرة، بل هي حسبما تطرحها في السطر الأول من الديوان غناء "أبْحَثُ عَنْ أُغنِىَةٍ"، ومهام الكتابة/ الغناء أنها "تَصِفُ قَلْبًا فَارِغًا لِلتَوّ، تَشْرَحُ اكْتِمالَ فُقدَانِ الثِّقَة، تَرصُدُ الدِّفءَ المُتَسَلِّلَ مِنْ الذَّاكِرَةِ،حِينَمَا ىَصطَدِمُ بالضَّىَاعِ"، وحالة التماس بين الشاعرة والكتابة هنا تتجلي في قولها "إِنَّ مَا أَكتُبُهُ الآنَ هُوَ مُجَرَّدُ انعِكَاسٍ سَاذَجٍ لِي" والكتابة تبدو أحيانا مبررا للحياة، كما تطرحها غادة، وأحيانا "الكِتَابَةُ تَسْرِقُنِي مِنْ الحَياةِ، وَلكِنَّ الحَياةَ نَفسَهَا لا تَرغَبُ بِي"الكتابة نتيجة للألم "لَا أَستَطِيعُ كَتمَ الأَلَمِ، سَأَكتبُهُ فَقَط"، الكتابة تبدو هي البديل لزيف الواقع والآخرين "الكِتَابَةُ لم تَتَخَلَّ عَنِّي وَلَو لِمَرَّةٍ وَاحِدَة، لمَاذَا عَلَي أنْ أَختَارَ بَينَ أَنْ أَكتُبَ وَأَنْ أُحِبَّ؟"، وحين تبدو في حيرة، ما بين اختيار الكتابة، والآخر، "أختَارُ الكِتَابَةَ ىَا أُختِي، أَختَارُ الكِتَابَةَ هَذِهِ المَرَّةِ أَيضًا"، وكلمة أيضا هنا تعني أن هذا الاختيار متكرر. لمن الكتابة إذن، تقول غادة "لا أَحَدَ ىَنتَظِرُنِي عَلَي هَذَا الرَّصِيفِ، مَعَ ذَلِكَ سَأَكتُبُ، أَكتُبُ لِلَّذِينَ لَا يعرِفُونَنِي، الَّذِينَ يعرِفُونَنِي يرغَبُونَ فِي مَعرِفَةِ الأَسمَاءِ وَالأَحدَاثِ الكَامِلَةِ" فقط "الَّذِينَ لَا يعرِفُونَنِي أَكثَرَ"، ومن هنا تظهر الكتابة هي الأمل الوحيد وسط هذا الضياع "حياتي ستضيع / تضيع الآن/ بينما أكتب"، وَالحَدُّوتَةُ لَنْ تَنفَتِحَ كَمِظَلَّةٍ لِتَقي القَلبَ يقودنا هذا إلي الكلمة الأكثر ترددا في الديوان، وهي الفقد، افتقاد الافتقاد "أَفتَقِد افتِقَاد رَجُلٍ لي"، وهذا المعني يتكرر في نصوص مختلفة "أَنَا مُنجَذِبَةٌ لَكَ وَخَائِفَةٌ مِنكَ، أفتَقِدُكَ وَأَنجَذِبُ لَكَ وَأَخَافُكَ"، وتقول "أرغَبُ فِي أَنْ ىَحتَاجَنِي أَحَد". تسعي غادة خليفة في قصائدها إلي أنسنة الفقد، فحالة افتقاد الافتقاد، تؤكد أن الونس مؤقت، علي حافة ما، هذه الحالة من الفقد تجعلها تقف ساعة كاملة أمام المرآة "لأتَأكَّدَ مِنَ اختِفَاءِ الألَمِ والفَرَحِ معًا"، فتفقد المشاعر المتضاربة أيضا، وهذا الفقد هو الذي يجعلها لانتظار الظلام ومخاطبته "أَيها الظَّلامُ الَّذي يستَكِينُ بِجِوَاري/ لقَد انتَظَرتُكَ طَوِيلًا" هذا الفقد، يجعلها تشعر أن الذات الشاعرة ربما تكون متسببة في هذه الحالة، فتدفعها إلي البحث عن ذات أخري "يا مُوسِيقَي الرُّوح/ امنَحِينِي قَلْبًا آخَرَ"، أو البحث عن آخر "يا حَبِيبِي الَّذِي ينتَظِرُ حَبِيبَةً مَا/ أَنَا هُنَا"، وتذكر رؤية غادة هنا، بتعريف بودلير للفن بأنه سحر إيمائي يحتوي الشيء والموضوع في آن واحد، العالم الخارجي للفنان والفنان نفسه، فالآخر في قصيدة أخري بلا اسم "إلي رجل بلا اسم"، ورغم أنها تعلن أنها تحتاجه جدا إلا أنها تقول "مِنْ فَضْلِكَ لا تَأتِ" الآخر في قصائد غادة، هناك آخر، غائب دائما، ثمة هوة أمام الآخر، لا تدرك مع القصائد من المتسبب فيها، وربما كانت هذه الحيرة مقصودة من الشاعرة، ففي قصيدة Messenger، فنحن أمام آخر غير حقيقي، وإنما يقف خلف شاشة صغيرة،هذه الهوة، تفسرها غادة في القصيدة بالخرس "جَسَدِي أَخرَس، لا ينَاوِشُ أحَدًا، لا يسَاوِمُ عَلي الدِّفءِ،وَلا يرغب"، كما يبدو الآخر حياديا أحيانا، بلا مشاعر تقريبا، يتلقي الفعل دون رد، كأنه غير موجود، إلا لكي يكتمل النص، ولكي تصبح الذات الشاعرة هنا "شِرِّيرَةٌ فِعلا/ رُبَّمَا سَأُحَوِّلُكَ إِلَي شَجَرَةٍ/ كَي أَجلِسَ تَحْتَ ظِلِّكَ/ بِرَحَابَةٍ"، المشكلة أن الآخر ليس هو من تريده الشاعرة " فِي كُلِّ المَرَّاتِ أَصْطَدِمُ بِرَجُلٍ وَحِيدٍ، ىَفْتَحُ ذِرَاعَيهِ وَىَنتَظِر، فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَعرِفُ أَنَّهُ لَيسَ رَجُلِي وَأَنَّنِي لَستُ امرَأَتَه، أَستَدِيرُ لجُبنٍ أَوْ لِشَجَاعَةٍ، وَأَمْشِي". إشكالية الذات الشاعرة كما تقدمها غادة أنها "أزن العالم بمشاعري"، بينما إشكالية الآخر أنه "يحول مشاعره إلي مجموعة معادلات صغيرة، ببداية واضحة ونهاية متوقعة"، لذا هي تبحث عن اللحظة الآنية فحسب، والآنية فقط "لا أعرِفُ إِنْ كُنتُ سَأهتَمُّ بِهِ غَدًا أم لَا/ أنَا أهتَمُّ الآنَ، لا أُرِيدُ تَعقِيدَ حَياتِي وَلا أَرغَبُ بِانتِظَارِ الغَدِ البَعِيد"، لأن الغد هنا مبني علي حسابات العالم العادي، الذي تتجاوزه غادة ببناء عالم جديد، أو تتخلي عنه، أو تفتقده. تقدم الذات الشاعرة نفسها بأنها ليست "المُرَاهِقَةَ الَّتِي تُحِبُّ الرَّجُلَ الَّذِي ابتَسَمَ لهَا، وَهِي تَبكِي"، وأنها "عَادِيةٌ وَمُفعَمَةٌ بِكَ دُونَ أنْ أعرِفَ السَّبَبَ". أكثر ما يميز ديوان غادة، هو الصور الشعرية المدهشة، فإذا قلنا أن أحد مهام النص الأساسية هي الإدهاش، فإن غادة استطاعت أن تفعل ذلك كثيرا في ديوانها مثل "فُرشَاةُ الأَسنَانِ لَنْ تَعثُرَ عَلَي فَتَافِيتِ الذِّكرَىَاتِ العَالِقَةِ، كَانُوا يحَوِّلُونَ أنفُسَهُم إِلَي مُوسيقي، فكُنتُ أتَحَوَّلُ إِلَي إِسفِنجَةٍ كَي أَمتَصَّ الجَمَالَ، أَمشِي مَكشُوفَةَ الضَّعفِ، قَلبِي مِطْفَأةُ سَجَائِرَ قَدِيمَةٌ، مُمتَلِئَةٌ عَنْ آخِرِهَا بِالدُّخَانِ مَعَ ذَلِكَ تَبرُقُ، و اسمُكَ يتَنَزَّهُ دَاخِلي في سَلامٍ". تقدم غادة خليفة في ديوانها "تسكب جمالها دون طائل"، تجربة شعرية ناضجة، مفعمة بالشعرية، واكتشاف مناطق جديدة في الكتابة، وارتياد مسافات جديدة بين الفنون، الشعر والفن التشكيلي والسينما، وتقديم نص جديد، مختلف، يمتلئ بالشاعرية، والظزاجة، والتجريب والموهبة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.