للدين، الإسلام والمسيحية علي حد سواء، مكانة مرموقة ذات خصوصية في الحياة المصرية، والعلاقة الوثيقة بين الدين والدنيا قضية محسومة لا تحتاج إلي جدال وسفسطة، لا متسع إذن لصناعة تناقض وهمي وصراع لا وجود له ولا جدوي منه، ولا معني لإنفاق الجهد والوقت في البرهنة علي ما هو ثابت راسخ. السياسة في جوهرها انشغال بالدنيا وهمومها، وما يبدو مطلبًا جماهيريًا شعبيًا ملحًا اليوم، قد يتحول في الغد القريب إلي عقبة ينبغي التخلص منها، المسألة إذن تتعلق بالثابت والمتغير، والثبات هنا لا يعني الجمود الآسن، بل إنه ينصرف إلي المفهوم الجليل الذي يتجاوز كل زمان ومكان، الدين ثابت مستقر بقيمه ومبادئه وتعاليمه ونواهيه وعباداته، أما الدنيا فسنتها التغيير المستمر، تبعًا لمعطيات تختلف وتتبدل دائمًا. إقحام الدين في السياسة يمثل خطورة تطول العنصرين، ذلك أن التجارب المتعددة تبرهن علي توظيف سلبي لا يقبله أصحاب الضمائر النقية والإيمان الصحيح، ما أكثر الطغاة الذين ارتدوا عباءة الخلافة لقهر الشعوب، ورفعوا رايات الشريعة ليعيثوا فسادًا باسم الصلاح والإصلاح، معارضة هؤلاء يتم توصيفها علي أرضية الخروج عن الدين، ثم يتبدل المسار فإذا بالمارقين المجدفين هم الشهداء الذين يستحقون التحية والاحترام. ألم يقتل الطاغية جعفر نميري معارضي تسلطه وديكتاتوريته بعد أن اتهمهم بالمروق والكفر؟، ألم ينكل الجنرال الدموي ضياء الحق بخصومه رافعًا شعارات الشريعة والحفاظ علي صحيح الدين؟ ألا يمارس فقهاء إيران من آيات الله جرائمهم الوحشية مسلحين بما يقولون إنه الحكم الإسلامي؟! ألا يرتكب أعضاء من حماس وحزب الله جرائم وحشية متوهمين أنها جهاد في سبيل الله؟! ألا تعتمد القاعدة أسلوب الإرهاب المنظم، ويصدرون فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يقول زعيمهم إن هذا هو الإسلام! لو أن الأسباب السياسية وحدها تقف وراء هذه الخطايا، لا يستحق الأمر إدانة وشجبًا ومقاومة، لكن الخطورة الكارثية في اختلاط الأوراق بشكل عمدي، وصولاً إلي التضليل والانحراف الذي يكتسب ما يشبه القداسة! لا تكتمل الحياة الإنسانية بمعزل عن الدين، ولا يصلح حال السياسة إلا بفصلها عن الدين، والمثير للدهشة أن يتحدث بعض المراوغين عن حكومة مدنية ذات مرجعية دينية، متصورين بذلك أنهم يختلفون جوهريًا عن دعاة الدولة الدينية المتسلطة، وكم من الجرائم ترتكب عبر التلاعب البليغ باللغة!