في ظل ما نعيشه من أحداث سياسية واجتماعية تموج بها الساحة المصرية، يبقى للبعد الثقافي منها جانب كبير ودور هام في محاولة فهم وفك رموزها وطلاسمها، خاصة وأن المشهد - ثقافيا - يتصدره ازدواجية هي نفسها حال الوضع السياسي في مصر. بين سندان ومطرقة - أول يجذب تجاه تيار ديني (أقصى اليمين)، وآخر يشد تجاه الثقافة الغربية (أقصى اليسار)- ، فيهما مافيهما من حلو وأكثرهما مر، يقبع الشعب المصري، بعد أن تناست الدولة الدور الريادي المستنير للثقافة، و دور مؤسساتها الثقافية الرسمية وغير الرسمية داخليا وخارجيا ك «قوة ناعمة» تسعى لاستمالة وجذب العقول والقلوب عبر الأدوات الثقافية، أبعدت فيها الثقافة عن الاندماج والتفاعل داخل المجتمع المصري باعتبارها ترفاً ورفاهية، فراحت مؤسسات الدولة ذاتها تغلق في وجوههم المنافذ في وسائل الإعلام والصحافة، لينغلق المثقفون على أنفسهم في النهاية، فلا يؤثرون. على أن تناسي الدولة لدورها الثقافي وانحساره، صاحبه من طرف، هيمنة ثقافية لمنظمات وجماعات متطرفة، استخدمت الثقافة الدينية سياسيا، كمدخل لها بين طوائف الشعب خاصة البسطاء منهم، بدأ بالإعلام، من خلال قنوات دينية ظلت هي ولفترات طويلة، المصدر الوحيد لمن يبحث عن «الدين» ومسالكه، ومن طرف آخر، صاحب ذلك - تحت ذريعة التبادل الثقافي - انتشار وتوسع لمراكز ثقافية وفنية أجنبية، يعمل البعض منها - مغرضا- على الأراضي المصرية وفق منهج محدد في اختيار ما تدعمه، لبناء أجيال داعمة لها ولفكرها وثقافتها، و سلاحها المال، أو لنسمها «مساعدات»، وهو ما يذكرني - واللبيب بالإشارة يفهم - بقصة «النعامة» للإمام والمؤرخ العربي ابن الأثير، في كتابه «الكامل في التاريخ» تلك «التي خرجت يوماً تطلب قرنين، فإذا بها تعود بلا أذنين». لعلي ألفت هنا إلى توحد المثقفين والفنانين، في حربهم الشرسة مع وزير لثقافة هو الأبعد عنها وعن فكرها - فكيف يعطي من لا يملك -، و أخيرا بتنبه الثقافة كمؤسسة، لدورها الواجب عليها من خلال دعوة وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب للقاء بنخبة من المثقفين والفنانين والمفكرين المصريين ليقوموا بتقديم رسالة إلى نظرائهم من المثقفين وأصحاب الفكر الحر في أنحاء العالم بشأن حقيقة ما تتعرض له مصر الآن من عمليات إرهابية منظمة على يد تنظيم الإخوان وتوضيح المغالطات التي تبث عبر بعض وسائل الإعلام العالمية.