إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    اليوم، بدء الصمت الانتخابي للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 داخل الأسواق المصرية    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    رونالدو بعد لقاء ترامب: الشجاعة والمسئولية والسلام أساس المستقبل.. صور    الاتحاد السكندري يوضح موقفه من مستحقات المهدي سليمان    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تعمل لفرض هدنة وإنهاء الصراع في السودان    أكسيوس: واشنطن تنتظر رد زيلينسكي بشأن مناقشة خطة أمريكية جديدة لوقف الحرب    وكالة ناسا تكشف صورا مقربة لمذنب عابر قادم من نجم آخر    مصر تصنع مُستقبل القارة.. القاهرة تقود «الإعمار الإفريقي»    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    يحيى أبو الفتوح: الذكاء الاصطناعي يستلزم جاهزية أمنية متقدمة لحماية الأموال    إصابة 15 عاملاً في حادث انقلاب أتوبيس تابع لإحدى الشركات بأكتوبر    الحماية المدنية تسيطر على حريق مصنع إطارات بالصف    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    بوتين يجري مباحثات ثنائية مع رئيس وزراء توجو في الكرملين    رئيس المحطات النووية: تركيب وعاء المفاعل نقلة رئيسية نحو التشغيل    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    مصرع طالبة على يد والدها بسبب عدم مساعدته فى العمل برشيد في البحيرة    انقلاب سيارة محملة بالطوب بالطريق الصحراوي الغربي في قنا    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    الذكاء الاصطناعي يمنح أفريقيا فرصة تاريخية لبناء سيادة تكنولوجية واقتصاد قائم على الابتكار    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    رشا عدلي: بدأت مشروعي الروائي بوعي.. وأشعر أن روح بطلة «شغف» تسكن الرواية وتدفعها للأمام    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    زيارات ميدانية ومراجعة عقود الصيانة.. توجيهات من رئيس هيئة التأمين الصحي لتعزيز جودة الخدمات    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    (أرجوحة) المصرية تفوز بجائزة عبد العزيز المنصور في معرض الكويت الدولي للكتاب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    هكذا دعمت بسمة بوسيل تامر حسني بعد تعرضه لوعكة شديدة    أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا بالبورصة المصرية قبل ختام تعاملات الأسبوع    الأرصاد الجوية: ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة وشبورة مائية على بعض الطرق خلال الأيام المقبلة    الصحة: مرض الانسداد الرئوي يصيب أكثر من 392 مليون شخص عالميا    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    هل دخل الشقق المؤجرة الذي ينفق في المنزل عليه زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ كفر الشيخ يناقش جهود مبادرة «صحح مفاهيمك» مع وكيل الأوقاف الجديد    رئيس جهاز مستقبل مصر ووزير التعليم يواصلان جهود تطوير التعليم الفنى    غرامة 100 ألف للمخالف.. بدء الصمت الانتخابى بانتخابات مجلس النواب ظهر غدا    جنازة المخرج خالد شبانة عقب صلاة العشاء بالمريوطية والدفن بمقابر العائلة بطريق الواحات    جامعة أسيوط تطلق قافلة طبية مجانية لعلاج أسنان الأطفال بكلية طب الأسنان    استعدادا لاستضافة cop24.. البيئة تكثف أنشطة التوعوية بالمحافظات    وزير الري يلتقي نائب مدير الوكالة الفرنسية للتنمية    المسلماني: برنامج دولة التلاوة يعزز القوة الناعمة المصرية    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حان الوقت ليسترد المثقف عرشه المسلوب ويستعيد روحه الغائبة ويستلم الشعلة مرة أخري؟
حملة المصابيح الثقافية بين التوهح والإنطفاء
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 02 - 2013


د. جابر عصفور
إذا كان المثقف هو حامل الشعلة الذي يكشف للجماهير المسار والطريق، وهو العقل الواعي، والعقل الأعمق ثقافة ودراية والذي يستشعر ما تهب به الرياح , يتنبأ بها ويمهد لها، وهو الضمير الحي ضد كل (تابوه) يتمثل للناس شبحا يهابون الإقتراب منه أو حتي الحديث عنه.. وإذا كان المثقف قد لعب علي مر العصور دورا بارزا في إحداث عمليات التحول والتغيير في مجتمعاتهم وخلق حالة حراك في الوعي والوجدان , باعتبار أن كل التحولات الكبري تمت بالفكر والإبداع، وكل التغييرات التي شهدتها المجتمعات ما كان لها أن تحدث آثارها وتأثيراتها إلا علي أيدي جماعات المثقفين بالمعني الأشمل والأبعد .. فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
د. جابر عصفور: المثقف الاصيل لا يزال يمارس دوره بأمانة وشرف وانكار للذات
د. أسامة أبو طالب:المثقفون في الريف والصعيد يمثلون الوعي المدفون
محمد كشيك: ثورة 25 يناير تعيد الاعتبارللمثقف المصري وللثقافة دورها العظيم
ابراهيم عبد المجيد : المثقف لم ينعزل ودورة لم ينحصر
السيد حافظ:المجتمع ينظر الي المثقف علي أنه نكتة ونبت شيطاني وكاريكاتير مضحك
ماذا حدث ؟ هل صحيح أنه انعزل عن مجتمعه؟ أم عزله المجتمع عندما شعر بتعاليه وعدم قدرته علي التواصل معه ؟.
هل فقد المواطن العادي ثقته في المثقف وأصبح بالنسبة له في وضعية هي أشبه بالطاووس، ينتظر حتي يتم الحدث ثم يصفق مع المصفقين أو يرفض مع الرافضين ؟
أم هو ذلك الكائن المثالي الحالم الذي يعد ب(المدينة الفاضلة) في نهاية المطاف؟
ذهبنا لنسأل ونناقش ونعرف فكان هذا الحصاد ...
بين المطرقة والسندان
ينفي الناقد الكبير د. جابر عصفور عن مثقفي اليوم ان يكون دورهم في الحراك الثقافي قد انحسر، ويوضح ذلك بطرحه:
- إن المثقف الاصيل - واشدد علي كلمة « الاصيل - لا يزال يمارس دوره بأمانة وشرف وإنكار للذات , بما يجعله عرضة للأذي احياناُ , وابتداء من بهاء طاهر بأعتباره أكبر الأدباء الموجودين سناُ الي أصغر الموجودين سناُ، فهناك دائماُ النبوءات وأشكال التحذير مما سوف يأتي من مخاطر والشجاعة غير تائهة بين هؤلاء الكتاب خصوصاُ المثقفين في ادائهم لكل ما يحدث من انحراف للثورة عن مسارها .
وانحسار دور المثقفين - إن كان قد حدث في بعض الفترات - فإنه يرجع إلي أمرين الأول خارجي ويتمثل في حصار السلطة لهم وترويضهم أو وضعهم بين المطرقة والسندان، أعني بين مطرقة السلطة وسندان الجماعات الإسلامية التي تحالف معها السادات وظلت تتصاعد منذ ذلك الوقت، أما السبب الداخلي فيرجع إلي طبيعة المثقفين أنفسهم وانتشار النزعات الفردية فيهم والميل إلي شخصنة المواقف أحيانا.بالإضافة إلي هذا كله زيادة درجات الأمية مما أدي الي تقلص عدد القراء، هناك وسائل أخري قد سرقت القراء وصرفتهم عن القراءة، كما كان يحدث في جيل عبد الناصر أو حتي جيل صلاح عبد الصبور، فانت الآن تفتحين صفحات الانترنت أو »الآي باد« او» الآي فون « وتطلعين علي كل ما يحدث , حتي الكتاب المطبوع الآن بدأ يتقلص ويحل محله تدريجيا الكتاب »ون لاين« ورغم ذلك فإن (الفيس بوك والتويتر) لعبا دورا مهما في توهج ثورة 25 يناير والاعداد لها ولا يزالان يلعبان الدور نفسه في التحذير من المخاطر القادمة.وهذا يعني في النهاية أن صورة المثقف قد تغيرت عما كانت عليه منذ سنوات , أي ليس المثقف في عصرنا هو المثقف في عصر طه حسين أو توفيق الحكيم , المثقف الآن نجده في وسائل اتصال حديثة جدا وبالغة الحداثة احيانا, ولا يستطيع عاقل أن ينكر مثلا أن الفيس بوك أصبح من جوانب المقاومة السياسية إستشرافا وارهاصا للدولة المدنية التي لابد أن نسعي لإقامتها علي أسس سليمة وقوية.
انتشار الإبداع الجديد
أما الناقد د. أسامة ابو طالب فيقدم مفهومه عمن هو المثقف من وجهة نظره وعلل انحسار دوره وانعزاله عن مجتمعه لأسباب كثيرة اهمها الضغوط التي تعرض لها ثم اصرار الدولة ومؤسساتها علي تحجيمه وعزله يقول :
المثقف ليس كما هو شائع من يتعاطي الابداع فقط اي ليس هو الشاعر او الروائي او الفنان التشكيلي او الناقد الادبي . أنما المثقف يتخطي هذه الدائرة التي أظن انها محدوده وان كان يقف في بؤرتها . فيصبح هو ايضاُ الطبيب - أو ينبغي ان يكون - أو المهندس والاستاذ الجامعي أو كل من يحترف حرفة أخري غير ابداع أو أنتاج الادب والفن.
نستطيع أن نقول عليه انه القارئ العارف الواعي صاحب السلوك المنضبط المتحضر وصاحب الموقف المحدد الواضح سياسياُ واجتماعياُ ودينياُ وأخلاقياُ وهذا هو من وجهة نظري النموذج الأمثل للمثقف القادر علي الفعل والمشارك في تنوير مجتمعه والمساهم في تغييره الي الافضل , حتي لا يصبح المثقف بهذا المعني المثالي لا أقول انه اصبح نادراُ بل إنه موجود بالفعل لكنه لاُسباب كثيرة تاريخية وأجتماعية نضيف اليها إعلامية ايضاُ أصبح الي حد بعيد اما مكتفياُ بالمراقبة الصامته والمعاناة الساكنة غير الفاعلة والتي من الممكن ان تؤدي به الي ان يتآكل ذاتياُ أو ان يشارك بالفعل في عملية الحراك والتغير الأجتماعي ليس فقط بالانخراط في صفوف الثوار او الانتساب الي المعارضة الفاعلة , ولكن بممارسة اي دور بناء وفاعل حتي لو كان بسيطا ومحدود الدائرة الجغرافية, وهكذا كان علي سبيل المثال خريجو الأزهر قديماُ ومعلمو المدارس الابتدائية والمتطوعون لمحو الأمية مجاناُ في الريف والأحياء الشعبية , بمعني انهم كانوا اصحاب دور أجتماعي وسياسي وديني وسلوكي فاعل في البيئة المحيطه بهم .كما كانوا يحظون بقدر كبير من الأحترام الأجتماعي لقدرتهم علي التغيير والتأثير.
هذا النموذج المثالي (كف) تأثيره بالفعل وقل عدد المنتمين اليه نتيجة تعاقب سنوات طويلة من القهر , والتربص بهم مثلما هو نتيجة لضغط احتياجات الحياة المادية مع الغلاء المتزايد ومع الفساد المتتالي للتعليم وهو أصل كل تغيير وتنوير ومع تشجيع التطرف والتعصب والتزمت المتعمد من السلطات السابقة , وفي ظل حكم الفرد وترصد الامن لكل من يفكر بصوت عال او يعترض او يكون له موقف معلن ضد النظام الحاكم وكنتيجة لهذا التضييق اصبح ليس أمامه سوي خيارين , اولهما ان ينكفيء علي نفسه ويكتئب ويمارس ابداعه داخل دائره محدودة هم قراء كتبه او من اصحابه ومعارفه وزملائه , وبالتالي يكف انتاجه الادبي والفكري عن التأثير المنتشر والمتفاقم , او انه يمارس تقرباُ من السلطة ومداهنة ونفاقا لها كي يتحاشي بطشها او كي يسعد بما يتيح له من أنتشار او مكاسب مادية اخري , وهذا هو واقع الحال الأن , اكتفي عدد هائل من المثقفين الذين يمثلون الثروة المصرية الهائلة في الريف وفي صعيد مصر علي سبيل المثال بموقف » المتفرج«واصبحوا يمثلون ما يمكن ان يسمي «بالوعي المدفون» كما اصبح المجتمع نتيجة التعتيم عليهم لا يعرف من المثقفين غير بضعة أسماء لمعت في العاصمة , او آثروا السلامة دون تخوين لهم علي الإطلاق , وتحت هذا التصنيف تأتي اسماء عديدة لمبدعين كبار ومفكرين محتجبين عن العيون بفعل التعتيم المتعمد من وسائل الأعلام واجهزة وزارة الثقافة الحكومية التي يعرف مسئولوها الموجهون سياسياُ لخدمة النظام الحاكم الباطش كيف يصرفون الأنظار عنها, او ان يسمحوا فقط بنشر المسموح به من ابداعهم والذي لا تخشي منه السلطة خشية كبيرة, او تقوم بالإفراج عن بعضه قدراُ مدروساُ من عملية التنفيس المنتقي بعناية .
بالإضافة الي انعدام عاطفة التبني للعقول الشابة والمواهب الواعدة من قبل الكتاب والأدباء والنقاد الراسخين والمتمكنين من أماكنهم ومراكزهم , نتيجة رعب حقيقي من تفشي هذا الفكر الشاب وانتشار الابداع الجديد .
وباستنتاج بسيط فإن المثقف المحبط المكتئب الخائف ايضاُ والباحث عن لقمة العيش بمشقة لا يمكن ان يطلب منه ان يكون قادراُ علي الريادة او القيادة , ولنا في ثورة 25 يناير اكبر دليل علي ذلك حيث لم تكن الريادة للمثقفين ولا للفنانين ولكن كانت الريادة لجيل واع من الشباب أستطاع وحده ان يدرك فساد الواقع وان يعلن قلقه علي المستقبل فاستطاع ان يطلق أول اعلان وأول أشعال للثورة المبكرة , ثم لحق بهم من ايدوهم واحتموا بهم وتمطرسوا خلفهم من الكبار ومن المشاهير او حتي مع الأسف من المتنطعين علي الثورة محترفي السياسة والطامعين في أقتسام غنيمة الوطن .
إبداعات بروح المعارضة
أما الروائي ابراهيم عبد المجيد فإن له تحفظا علي مقولة ان المثقف قد أنحسر دوره في المجتمع وقال :
أنا لا اري ان المثقف قد انعزل او ان دوره قد انحسر, لو رجعنا للوراء الي ما قبل الثورة او إلي وقت ثورة يوليو مثلاُ ,سنجد ان السجون كانت تعج بهم, وكان لهم دور فعال في الحياة السياسية، وكان حبسهم رد فعل لمواقفهم السياسية الواضحة, بل سوف نجد ايضا ان معظم الحركات الادبية وقتها كانت ضد النظام وكان الابداع الثقافي والفني وقتها متجاوزا للنظام, ويقف له بالمرصاد ضد القمع او ضد أية قرارات ديكتاتورية .
وسوف نلاحظ ذلك في كل أشكال الابداع وقتها من أفلام ومسرحيات وروايات وكل الاشكال الابداعية ,وظل الحال هكذا الي السبعينات من القرن الماضي وما بعدها ,كانت كل اشكال تلك الابداعات تحمل روح المعارضةواذا اقتربنا من المثقف الان سنجده موجودا وبقوة.
وهذا ما كنت اشاهده انا بنفسي من خلال تواجدي الدائم بميدان التحرير وغيره من المياديين , وعلي مقاهي وسط البلد التي تعج بهم من كافة التيارات والتوجهات والميول يتناقشون ويحللون المشهد السياسي الان , ويقفون في صفوف المعارضة لاي شئ يرونه تجاوزا او أنحرافا إلي ما يدعون إليه من حرية فكر او إضطهاد رأي .
ولو نظرنا ايضا الي الاحزاب السياسية نجد ان بها اسماء معظم المثقفين بل وألمعهم , والذين لم يمنعهم عملهم في الثقافة والابداع من العمل السياسي المنظم , والفئة القليلة منهم والتي لا تستطيع المشاركة أما منعهم مرضهم او كبر سنهم ولكنه لم يمنعهم من ابداع والذي لا يقل قيمة عن مشاركتهم في الميادين او في النزول الي الشارع.
وانا اري ان القصيدة الجميلة مشاركة والرواية الجميلة الهادفة مشاركة واي عمل حقيقي صادق هي مشاركة لا تقل في قيمتها ابداُ عن مشاركة النزول الي الشارع او الميدان .
العصر الذهبي للمثقف
الشاعر محمد كشيك يرجع بنا الي العصر الذهبي للمثقف ليقول:
كان للمثقف منذ الثلاثينيات والأربعينيات، الدور المهم والفعال ، في تشكيل الذائقة الإجتماعية للمجتمع القديم، وصار مثل هذا الدور ، هو الأكثر تعبيرا عن مثل هذه الفترة ، فقامت الجمعيات الأهلية ، التي تبلور مثل هذا الدور ، وعلي سبيل المثال ، فقد تم تأسيس جماعة الفجر 1925 ، والتي كان شعارها المباشر »الهدم من أجل البناء«والتي علي أساس منها ، ظهر »محمود طاهر لاشين«و »الأخوين عبيد« عيسي وشحاته ثم بعد ذلك محمود تيمور، ويحيي حقي، وكانت جمعية الفجر، من أولي الجمعيات التي كان لها الدور الأهم ، في تشكيل ذائقة مصرية جديدة ،ومتطورة في القصة القصيرة , والرواية ، وظهر نجم العبقري ، «يوسف إدريس» في سماء القصة القصيرة، كأول ثمرات مثل هذه الذائقة الجديدة، التي ظهرت تجلياتها ، في معظم المجالات، وأعتقد، أن ثورة 1919 كان لها الدور الأعظم، في تلك المحاولات الدائبة ، في البحث عن صوت مصري أصيل ، بكل ما يعنيه ، مثل هذا البحث من نهضة حقيقية صارت ، تجتاح المجتمع المصري ، في شتي المجالات (راجع كتابي علامات التحديث في القصة المصرية ألقصيرة ) فعلي سبيل المثال ، بدأ المثال مختار ، عمله النحتي بعد الثورة مباشرة ، حيث تم عرضه بصورته المصغرة ، في صالون باريس عام »1922م« وترتيبا علي تلك الفتوحات ، ظهر صوت شاعر الشعب » بيرم التونسي « مع الحان الموسيقار» سيد درويش« ليعبرا عن تلك الحقبة الوطنية ، في تاريخ مصر الناهض ، وعلي الرغم من الدور البالغ الأهمية ، الذي لعبه المثقف في إطار البحث عن الصوت الخاص لمصر ، في تلك الفترة ، غير أن هذا الدور ، قد ظل في حالة ضمور، وإنكماش ، في الفترة الحالية ، وبصفة خاصة منذ بداية، السبعينيات، بل أصبح في حالة يرثي لها ، ولعل أهم الأسباب التي يرجع اليها ضمور ، وتقلص مثل هذا الدور ، يعود الي طبيعة التحولات المجلجلة، التي اجتاحت بنية المجتمع المصري، إبان هذه الفترة ، وأهم الظواهر التي أثرت بالسلب، بالنسبة لأهمية دور المثقف يعود الي ماجاءته فترة » السادات «من ردة تاريخية ، وبداية، تقلص دور مصر التاريخي والإنكفاء علي نفسها ، والبعد عن التأثير في محيطها الإقليمي، والدولي. وتزامن مع هذه الفترة، تجفيف الينابيع ، وتهميش الثقافة عن القيام بأي دور، يهدف الي أن يصيروا رقما مؤثرا، في كيان دولة » السادات « التي كانت تنظر الي المثقفين بريبة، وشك، علي أساس أنهم شر، كل بلاء، هذا بالإضافة الي إنهيار منظومة القيم ، التقليدية ، وظهور قيم أخري جديدة، تعلي من شأن طبقة معينة ، ليس من بينها طبقة المثقفين ، كما ظهر عصر الإنفتاح ، بكل ما حفل به من أفكار لتسود المجتمع ، تحتقر الثقافة ، وتقلص من دوره، في تغيير المجتمع .
وإذا كان قد تم تقليص، دور المثقف في عصر السادات فقد تم إلغاء مثل هذا الدور ، في عصر»مبارك« بل أصبحت الدولة تخشاهم ، وتبعدهم عن مراكز صنع القرار، وظهرت تسميات مثل »الحظيرة« وغيرها من التسميات ، التي تحاول تهميش دور المثقف، ونفيه ،وإبعاده ، وصار عصر مبارك أكثر العصور ظلاما، في عصر مجتمع جاهل، سطحي، تم تفريغه، وتجريفه تماما، من كل شئ له قيمة ثقافة، ولم يتم إبعاد المثقف فقط، بل صارت الدولة، تهدف الي القضاء، عليه، والتخلص من تأثيره، وصار المثقف تائها، ضائعا، في ظل دولة »قمعية« و »ظلامية« كان كل هدفها، أن تعمل علي القضاء علي أي بيئة ثقافية، وتسميم أجوائها، والعمل علي قتل المثقف أو ذبحه .
ولعله قد آن الوقت لكي يسترد المثقف عرشه السليب، ويستعيد روحه الغائبة، فقد جاءت ثورة الشعب في 25 يناير العظيمة لتعيد الإعتبار الي أشياء كثيرة، منها »المثقف المصري «ليستلم الشعلة مرة أخري، وتعود الثقافة جزءا لا يتجزأ من المجتمع ، ويعود الي الثقافة، دورها التاريخي العظيم، في بناء الشعوب، والتعبير عن القوي الفاعلة والخلاقة فيه ، وتصير الرسالة الخالدة للثقافة، كما كانت دائما: المشاركة في نهضة المجتمع، والتأكيد علي المادة الثقافية المتقدمة، التي تعمل علي تعزيز الهوية، والتأكيد علي مبادئ الإنتماء ، وغرس الروح الوطنية، لتصبح إنشودة الجميع، في ظل دولة مدنية كبري : تظللها الوحدة والحرية والإنتماء.
شخصية كاريكاتيرية
وينفي الروائي السيد حافظ عن مثقف اليوم ان يكون له اي دور فيما يحدث الان من ثورات حيث يقول:
المثقف الآن في حيرة من أمره فالثورة المصرية والتونسية والليبية ليس لها قادة بل هي ثورة شعبية خرجت من الشباب وليس لها قادة فكر أو فلاسفة أو برنامج سياسي ولكنها ثورة ضد الظلم الاجتماعي وضد غياب العدالة أما كل مثقف فهو يدعي أنه بشر بالثورة وأنه له دورا فيها بكتاباته او قصائده أو أعماله وحقيقة أن الجيل الذي قام بالثورة ليس له علاقة بما انتج من كتب أو روايات أو قصص أو أشعار، وإن استعان بميدان التحرير ببعض القصائد الثورة القديمة لأنه كان في حاجة ماسة الي أن يعبر عن نفسه فلم يجد الا أن يفتش ويبحث في ذاكرة الماضي. المثقف الآن .. إما حائرا أو صامتا أو متحولا أو خائنا.
المجتمع المصري خاصة والعربي عامة مجتمع يعاني من الأمية الأبجدية والأمية الثقافية، والمجتمع العربي محاصر بالتخلف والجهل والفقر والمرض وغياب الديمقراطية ، فالقصائد ليس لها حاجة عند الجائع ، والروايات ليس لها حاجة عند العريان ، والفن ليس له قيمة عند المتشرد ، فالغذاء والكساء والمسكن هو ما يهم المواطن العربي الآن، ولكن الفن بالنسبه له ليس ضرورة اجتماعية بل هو ترفيه أو باب رفاهية ، ولذلك أري أن الفن والأدب الذي ينتج الأن هو احتياج الطبقة البرجوازية الي التعبير عنها والي التسلية فقط وهو نوع من تكملة الديكور الاجتماعي للطبقات الارستقراطية والبرجوازية ، أما الفقراء فيستخدمون الفن الشعبي كمحاولة للتنفيس عن الكبت السياسي والاجتماعي والجنسي والثقافي والاقتصادي لديهم.المثقف في كفة صغيرة منعزلة او في جزيرة بعيدة عن الواقع وإن ادعي أنه ابن الواقع لأن الواقع في حد ذاته قد أصابه منذ آلاف السنين لعنة الجهل والفقر والمرض.دائما ينظر المجتمع الي المثقف علي أنه نكتة أو نبت شيطاني فتجد في المسلسلات والأفلام شخصية المثقف شخصية كاريكاتيرية مضحكة لأنه يتحدث باللغة العربية الفصحي والمصطلحات التي لا يفهمها الرجل البسيط، وما بين البسيط والمعقد يضيع المعني الحقيقي والمضمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.