نقيب المحامين: أوهام "إسرائيل الكبرى" تعيد إحياء أطماع استعمارية بائدة    عميد كلية الصيدلة بجامعة الجلالة الأهلية تعلن عن مميزات برنامج "Pharm‐D"    وزيرا الخارجية والرى: نرفض كل إجراء أحادى يخالف القانون بحوض النيل الشرقى    5234 جنيهًا لعيار 24.. تعرف على سعر الذهب اليوم الخميس    وزارة الإسكان توافق على تشكيل مجلس أمناء مدينة أسوان الجديدة    وزير الخارجية يؤكد علي أهمية تعزيز التواجد الاقتصادي المصري في القارة الإفريقية    ترامب مهددا بوتين قبل لقاء ألاسكا : العقوبات جاهزة إذا لم نصل لنتيجة    البرهان متمسكا بدحر الدعم السريع: لا مهادنة ولا مصالحة    للإصابة .. الأهلي يعلن غياب ياسر إبراهيم عن مباراة فاركو غداً في الدوري    تأهل 4 مصريات لنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عاما    طقس الجمعة .. شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة والعظمى بالقاهرة 38 درجة وأسوان 49    الحفاظ على النيل.. لقاء توعوي لذوي الهمم ضمن فعاليات قصور الثقافة    ليلى علوى تطمئن الجمهور على حالتها بعد حادث طريق الساحل الشمالي : أنا بخير وقدر ولطف    نجاح جراحة نادرة لتركيب مفصل فخذ لمريض عمره 105 أعوام بمستشفى العجوزة    حالة الطقس غدا الجمعة 15-8-2025 في محافظة الفيوم    ريبيرو يرفض مشاركة هذا الثنائي ومفاجأة تخص مستقبله    السبت.. عرض أولى حلقات حكاية "بتوقيت 28" على dmc    السكة الحديد: خفض مؤقت لسرعات القطارات بسبب ارتفاع الحرارة    تسليم لجان امتحانات الدور الثاني بالثانوية العامة لرؤسائها استعدادًا لانطلاقها السبت    رسميًا.. جدول امتحانات الثانوية العامة الدور الثاني 2025 كامل pdf    بماذا نأخذ سياسة هذه الجريدة؟    اليوم.. آخر موعد لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 في 9 مدن جديدة (تفاصيل)    الزمالك يصرف مقدمات عقود لاعبيه للموسم الجديد ويعد بالانتظام في المستحقات    من مقاومة الاحتلال والملكية إلى بناء الإنسان والجمهورية الجديدة.. معارك التنوير مستمرة    25 ألف.. هل سيتم سحب فيلم "المشروع X"؟    عاجل.. الأهلي يتجه لطلب حكام أجانب لمباراته أمام بيراميدز بالدوري    وزير الإسكان: 18 و19 أغسطس الجاري..إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة    طريقة عمل الكيكة العادية فى البيت بمكونات اقتصادية    مستشفى صحة المرأة بجامعة أسيوط تنظم برنامجا تدريبيا عن معايير GAHAR للسلامة    قصور الثقافة بالمنيا تحتفي بوفاء النيل بعروض الفنون الشعبية    أسامة نبيه: حققنا مكاسب كثيرة من تجربة المغرب    إسرائيل تحذر لبنانيين من الاقتراب إلى مناطقهم الحدودية جنوب البلاد    علشان يسرق فلوسه.. قليوبي ينهي حياة جاره المسن داخل منزله    الرقابة المالية تصدر معايير الملاءة المالية للشركات والجهات العاملة في أنشطة التمويل غير المصرفي    بيان رسمي.. توتنهام يدين العنصرية ضد تيل بعد خسارة السوبر الأوروبي    قرار قاسي في انتظاره.. تفاصيل عفو الزمالك عن فتوح وشرط جون إدوارد    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: لا نرغب فى تحسين العلاقة مع الجنوب.. وتنفي إزالة مكبرات الصوت    سعر الأسمنت اليوم الخميس 14- 8-2025.. بكم سعر الطن؟    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    الليلة.. انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من «مسرح الغرفة والفضاءات» بالإسكندرية    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    ما حكم اللطم على الوجه.. وهل النبي أوصى بعدم الغضب؟.. أمين الفتوى يوضح    خارطة طريق للمؤسسات الصحفية والإعلامية    عمر الشافعي سكرتيرًا عامًا وإيهاب مكاوي سكرتيرًا مساعدًا بجنوب سيناء    بسبب خلافات أسرية.. الإعدام شنقاً للمتهم بقتل زوجته وإضرام النيران في مسكنهما بالشرقية    الائتلاف المصري يستعد لمراقبة انتخابات الإعادة: خطط عمل وأدوات رصد للتنافسية داخل 5 محافظات    ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية ب1.5 مليون جنيه    الداخلية تضبط عدة تشكيلات عصابية تخصصت في السرقات بالقاهرة    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغير مكانة مصر الثقافية‏(3)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 01 - 2010

تتجاوب المتغيرات السابقة مع الأوضاع الإقليمية‏,‏ علي المستوي السياسي الذي يظهر في التحالفات الجديدة بين إيران وحماس من ناحية‏,‏ وبينها وحزب الله من ناحية ثانية‏,‏ وبين حماس والإخوان من ناحية أخيرة. وهو الأمر الذي يؤكد أن كل شيء‏.عند دعاة الإسلام السياسي‏,‏ يعود إلي المصالح الدنيوية التي تتأول النصوص الدينية وتلوي أعناقها‏,‏ تحقيقا لمصالحها السياسية المباشرة‏,‏ وإلا فكيف يأتي اللقاء بين الشيعة الإمامية الاثني عشرية التي تؤمن بعصمة الإمام والسلفية التي أسقطت مبدأ عدم الثورة علي الإمام‏,‏ وإن جار‏,‏ من لائحة المبادئ الأساسية لعقائدها الأصلية؟
إن الأمر‏,‏ في النهاية‏,‏ أمر مصالح سياسية‏,‏ دنيوية نفعية‏,‏ ترتدي عباءة الدين الذي يتحول إلي غطاء المقاصد الأصلية ووسيلة لتحقيقها‏,‏ ولا بأس من تحالف مؤقت بين الإخوة الأعداء في هذا الإطار‏,‏ ما ظلت المنفعة السياسية قائمة‏,‏ وما ظلت عمليات التحالف تلقي بظلالها الكثيفة علي عملية التثقيف المجتمعي وثقافة المجتمع العامة‏.‏
ولحسن الحظ‏,‏ فإن الإبداع الثقافي المستنير والمتحرر‏,‏ فكرا وأدبا وفنونا مختلفة‏,‏ يواصل حضوره المقاوم‏,‏ ولا يكف عن كشف عمليات التفريق الإيديولوجي التي تحدث للوعي الجمعي‏,‏ وذلك بواسطة الكلمة والريشة والكاميرا والنغمة‏,‏ وذلك علي نحو يجعل من مفهوم الثقافة الإبداعية نفسها مفهوما مقاوما‏,‏ لا يكف عن التصدي لكل آليات القمع السياسي والاجتماعي والفكري والديني‏,‏ وذلك علي نحو تعمد معه الإبداع الثقافي المقاوم بتلهب الرفض لما هو سائد ومواجهته والحق أنه لولا الدور الذي تقوم به فصائل الاستنارة والإبداع المتمرد للمثقفين المصريين الأصلاء‏,‏ القابضين علي أحلامهم بمستقبل وطنهم كالجمر‏,‏ والمواصلين حلم رواد الاستنارة والتجديد‏,‏ والمضيفين إليه في الوقت نفسه‏,‏ لكانت الثقافة المصرية الإبداعية فقدت بوصلتها‏,‏ وانحدرت إلي حضيض التخلف والتعصب والتطرف والعنف الذي تسعي إليه قوي قاهرة‏,‏ يتحالف فيها الاستبداد السياسي وطبائع الاستبداد الديني للقضاء علي حقوق الإنسان العادلة‏,‏ وقيم المواطنة الملازمة لمبادئ الحرية والعدل الاجتماعي وغيرها من مبادئ الدولة المدنية الحديثة ولذلك يجد المثقف المصري نفسه كالمثقف العربي‏,‏ واقعا بين سندان الجماعات الدينية من قوي الإسلام السياسي التي انتشرت كالوباء ومطرقة الاستبداد الحكومي الذي يتزايد في علاقة طردية مع ازدياد الأزمات الاقتصادية والعجز عن مواجهة الفساد الذي أخد يسري في شرايين كل مجال‏.‏
ولا يختلف المثقفون المصريون في ذلك عن أقرانهم من المثقفين العرب‏,‏ فالهم واحد‏,‏ والتحديات والأخطار واحدة في الجوهر‏,‏ وإن اختلفت في المظهر‏,‏ لكن من المؤكد أن الثقافة الإبداعية المصرية‏,‏ المقاومة بوجه خاص‏,‏ يقف وراءها تاريخ طويل وتقاليد راسخة‏,‏ تدعم روح المقاومة المستنيرة المدافعة عن حضور الدولة المدنية ولذلك تعمل القوي الإظلامية المتحالفة مع الحكومات الاستبدادية علي طمس الذاكرة الوطنية والقومية‏,‏ كي يصبح الوعي الجمعي فارغا بلا ذاكرة‏,‏ قابلا لأن يمتلئ بما تمليه عليه أو تزرعه فيه طلائع الاستبداد السياسي ودعاة الدولة الدينية علي السواء ولذلك فإن إحياء الذاكرة الثقافية وإنعاشها مع استرجاع شعارات العدل الاجتماعي وقيم التسامح ومواقفه‏,‏ فضلا عن معاني المواطنة الموصولة بحقوق الإنسان وحتمية الدفاع عن حضور الدولة المدنية وصيانتها بالدستور السليم والقانون العادل‏,‏ هي مهام الطليعة المثقفة المضافة إلي مهامها في استعادة الذاكرة الثقافية وإنعاشها‏,‏ خصوصا في مواجهة الخراب وعمليات التخريب التي أصابت الوعي الثقافي الجمعي في الصميم‏,‏ فجعلت التحديات هائلة أمام الحالمين من المثقفين العاملين من أجل مستقبل تظلله رايات الحرية والعدل والعقلانية والتسامح التي تزهو بها الدولة المدنية‏.‏
وتعرف الطليعة من هؤلاء المثقفين‏,‏ كل في مجاله‏,‏ مدي الانحدار الذي أصاب الثقافة العامة وتصاعد معدلات التخلف والتراجع في الوعي الجمعي‏,‏ وما أصابه نتيجة المتغيرات السلبية في علاقات إنتاج الثقافة وأدواتها وهي متغيرات يمكن أن نوجز أهمها أو ما تشير إليه فيما يلي‏:‏
‏*‏ دور رأس المال النفطي بثقافته المتزمتة في تحديد المسموح والممنوع في الدراما التليفزيونية‏,‏ حيث يتم منع حتي تقبيل الأخ لأخته بدعوي التسويق في بلاد يحكمها إسلام النفط‏.‏
‏*‏ شيوع إسلام النفط نفسه وهو إسلام سلفي متطرف‏,‏ يستمد مبادئه من الفقه الحنبلي المتأخر من خلال الكاسيتات الموجودة في مئات التاكسيات‏,‏ والمحلات التي تزدحم بها الأحياء الشعبية‏,‏ في موازاة حركة إنتاج واسعة للشرائط السمعية والبصرية الخاصة بالوعاظ المتطرفين الذين لا يعرفون التسامح الإسلامي الأصيل‏,‏ والذين يسهم شططهم في إحداث فتن طائفية ومن اللافت للانتباه أن الدور المصري الثقافي انقلب في هذا المجال‏,‏ وتحولت مصر من مصدر لقيم الاستنارة والعقلانية والتقدم إلي مستورد للمنتجات الثقافية الإظلامية التي تدعو إلي نقاب المرأة وقتل حرية العقل في التفكير والابتكار والحض علي التقليد وغير ذلك من رسائل ووسائل هدم الدولة المدنية‏,‏ والبداية هي إشاعة عمليات تديين يراد بها تزييف الوعي ولا ينفصل عن الفكر الملبس‏,‏ في أكثر محلات ومصانع الزي الإسلامي للنساء وأنواع النقاب والحجاب‏,‏ حتي المايوهات الشرعية للنساء‏.‏
‏*‏ الفضائيات المخصصة للأصولية الدينية سواء الإسلامية‏,‏ أو المسيحية وتأثيرها بفتاواها غير المعقولة علي الملايين الأمية من العرب‏,‏ فضلا عن الترويج للخرافات الدينية الشعبية‏,‏ ابتداء من ظهور العذراء فوق إحدي الكنائس‏,‏ أو وجود شجرة مباركة عليها نقوش دينية إسلامية في المعادي‏,‏ وقس علي ذلك غيره وقد واكب ذلك ظهور تنافس إعلامي بين الدعاة الجدد الذين تحولو إلي مليونيرات‏,‏ في مدي براعة الاستجابة لمطالب السوق الوعظي‏.‏
‏*‏ تحول المسرح المصري في قطاعه الخاص إلي ملاه هزلية‏,‏ استجابة لمطالب السياح القادمين من دول عربية مكبوتة‏.‏
‏*‏ المنافسة الفضائية في أزياء المذيعات والمغنيات‏,‏ حيث يتحول جسد المرأة إلي سلعة ووسيلة جذب جماهيري‏,‏ وفي المقابل تقديم مذيعات محجبات‏,‏ بعضهن ممن أطلقن علي أنفسهن فنانات تائبات‏.‏
‏*‏ تعدد مراكز الإعلام والتبشير الديني المذهبي وتزايد قوتها الإنتاجية والتسويقية برأسمال نفطي‏.‏
‏*‏ انتقال قوي إنتاج طباعة الكتاب والمجلات من مصر إلي غيرها‏,‏ ولولا قلة ضئيلة من دور النشر المصرية‏,‏ أقل من أصابع اليد الواحدة‏,‏ لفقد الكتاب المصري وزنه وسمعته‏,‏ شكلا ومضمونا‏,‏ وتسويقا وتوزيعا‏.‏
المزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.