نعرض اليوم لأحد أهم كتب الفقه الإسلامى وهو كتاب «تحفة الملوك» للإمام محمد بن أبى بكر الرازي، وهو مجلد مكون من عشرة أبواب، يروى الأحكام الصادرة عن الفقهاء فى الوقائع الجزئية ليسهل الأمر على القاصرين من بعدهم، بدأ بالطهارة ثم بالصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، الجهاد، الصيد، الذبائح، الكراهية، الفرائض، الكسب مع الأدب». ويمتاز الكتاب بالاعتماد على مشهور الأقوال الجارية على المذهب الحنفي، وبتنظيم محكم، وعرض للفروع الفقهية التى على المسلم الإحاطة بها، وذلك فى لغة تميل إلى اليسر وتجافى التعقيد مع التقيد بالعبارات الاصطلاحية الدقيقة، وقد ذكر المؤلف فى كتابه ما يهم المسلم فى حياته اليومية العادية فقط، من طهارة وعبادة، ومن صلاة وصوم وزكاة، وما يتعلق بحياته المعيشية من كسب وأدب، وما يتصل بمأكله ومشربه وملبسه تحت باب الصيد والكراهية، وكذا ما يحدث بينه وبين أعدائه فى الدين والملة، فذكر أحكام ذلك تحت باب الجهاد، وهكذا كان الأمر فيما يتعلق بالمواريث، والأحكام المتعلقة بالموت، وانتقال التركة تحت باب الفرائض، وأنهى المؤلف كتابه بباب لم يسبقه إليه المؤلفون فى متونهم الفقهية المعروفة فى المذهب الحنفي، وهذا الباب هو (باب الأدب)، فقد تنبه المؤلف لهذا الجانب التربوى المهم فى حياة المسلم فجعل باب الأدب ضمن أبواب العبادات والمعاملات ليؤكد على اهتمام الإسلام بالأخلاق والآداب. ومؤلف الكتاب هو محمد بن أبى بكر بن عبد القادر الرازيّ، لقبه: زين الدين، نشأ فى مدينة الريّ، وهى أصله، واجتهد فى تحصيل العلوم المتنوعة: اللغة والفقه والتفسير والحديث والأدب والتصوف وكان مولعاً بالقراءة وأصبر الناس على المطالعة، لا يملّ من ذلك، يعُرف من أخباره القليلة أنَّه دخل مصر، وأقام بها زمناً، وجال فى ربوعها، وأخذ عن بعض مشايخها، كما أخذ عنه بعض طلبتها، ثم قصد إلى دمشق والشام، وطاف فى أرجائها، ودخل بلاد الأناضول وأقام فى قونية، وفيها صحب العالم المحقق صدر الدين القونوى وسمع منه كثيراً من التأليف، وقد تنوّعت آثار الرازى بين كتبٍ لغوية وأدبية وتفسير وحديث، منها «هداية الاعتقاد»، و«التوحيد»، و«غريب القرآن» الذى ذكر فيه أنّ طلبة العلم وحملة القرآن سألوه أن يجمع لهم تفسير غريب القرآن؛ فأجابهم، ورتبه ترتيب صحاح الجوهري، وضم إليه شيئاً من الإعراب والمعاني، وألف «كنوز البراعة» فى شرح مقامات الحريري، وله تاريخ لطيف يتناول أول الخلافة الإسلامية حتى القرن الثامن، ومن تصانيفه: «روضة الفصاحة»، و«حدائق الحقائق» فى الوعظ، و«دقائق الحقائق» فى التصوف، و«معانى المعاني» وهو مختارات شعرية، و«كنز الحكمة» فى الحديث النبوى الشريف، ومن خير مؤلفات الرازى كتاب «مختار الصّحاح» فى اللغة، وبه عُرِف واشتهر، وهو مختصر من «صحاح الجوهري»، نال «مختار الصحاح» شيوعاً، قديماً وحديثاً، وقد رُتّب على أوائل الأصول اللغوية، مثل «أساس البلاغة» للزمخشرى و«المصباح المنير» للفيومي، وكان هذا سبباً فى شهرته وتداوله.