منذ الجمعة 28 يناير اتخذت أمريكا وأوروبا موقفا حاسما وقاطعا مما يحدث في مصر، عبر عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعبارة واضحة " التغيير في مصر يجب أن يبدأ الآن".. وحين سئل المتحدث باسم البيت الأبيض ماذا تقصدون بالآن قال يعني أمس.. ومنذ 28 يناير حتي 11 فبراير عقد أوباما أكثر من ستة اجتماعات مع مجلس الأمن القومي الأمريكي لمناقشة التطورات في مصر، إلي جانب عشرات الاتصالات مع مسئولين غربيين، وعرب وغيرهما.. للضغط من أجل الانتقال السلمي للسلطة ووقف "العنف" بلهجة بدت في كثير من الأحيان حادة جدا، وتتجاوز حدود الأدب. ومنذ 17 فبراير تشتعل ليبيا، لكن مسئولا غربيا واحدا لم يخرج بأي تصريحات تدعو إلي الانتقال السلمي للسلطة، ولم تستخدم أمريكا عبارات مثل الآن وفورا، وحتي حين بدأ نظام القذافي قصف المواطنين بالطائرات الحربية، صمت الرئيس الأمريكي ورفض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ما اسماه الاستخدام غير المبرر للقوة ضد المتظاهرين، واكتفي رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني بدعوة الاتحاد الأوروبي وأجهزة المخابرات لبحث احتمالات تمزيق ليبيا وتأثير ذلك علي أمن أوروبا والغرب. حتي الدعوة لاجتماع طارئ للأمم المتحدة لبحث المجازر التي ارتكبها الجيش الليبي ضد المواطنين في طرابلس جاءت من نائب المندوب الليبي في الأممالمتحدة الذي انشق علي نظام القذافي وأعلن أنه يمثل الشعب وليس القيادة، بينما لم تأت هذه الدعوة من الغرب أو من الزعماء الغربيين من "حزب الآن". ورغم أنه لا وجه للمقارنة بين ما جري في مصر وما يحدث في ليبيا، ورغم أن شهداء عديدين فقدوا أرواحهم الطاهرة في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير، لكنه لا يمكن المقارنة بأي حال من الأحوال بالجرائم الدائرة في ليبيا، خاصة أنه لم تتضح حتي الآن الصورة الكاملة للجريمة ولا عدد من قتلوا. لكن من الواضح أن ما يجري في ليبيا يكاد يقترب من جريمة ضد الإنسانية، فالمواجهة مع المواطنين ليست من شرطي يحمل مسدسا أو حتي بندقية، وإنما وحدات عسكرية تابعة للجيش تشن حروبا منظمة ضد مواطنين عزل.. في مشهد يبدو غريبا ومؤلما في هذا العصر الذي نعيشه، خاصة أن آخر جريمة مماثلة جرت في الصين حين داست دبابات الجيش علي أجساد المواطنين المحتجين والمطالبين بالحرية. لن أقول أن مصر كانت مستهدفة، ولا أن حسني مبارك كشخص كان مطلوبا بحد ذاته، لكن من الواضح أن التغيير في مصر كما كان مطلبا داخليا بدا اكثر إلحاحا في الغرب.. لأنهم يعرفون جيدا أن مصر هي من تغير المنطقة العربية علي مدار التاريخ. أما بخصوص ليبيا فالأكيد أن هناك الكثير من الفساد والعلاقات السرية بين القيادة الحاكمة في ليبيا ونخب غربية تستفيد بمليارات الدولارات من الوضع الحالي، وليس خافيا أيضا أن تدفق النفط والغاز الليبي علي الغرب أكبر من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحتي قتل المواطنين بالطائرات والدبابات.. فمتي نفيق ونعرف كيف ينظر إلينا الغرب ويتعامل معنا.. ويخطط لنا؟!