مع مرور الأيام وتعاقب الزمان يظل التاريخ يحمل لمصر فكرها وفقهها الوسطي الذي أنارت به الدنيا فكانت مهدا للوسطية من خلال فقائها الذين حملوا صحيح الدين ونشروا وسطيته، حتي أصبحت مصر مهدا لتلك الوسطية، رغم المحاولات التي تتم من قبل جماعات وتيارات لتشويه الفكر الديني المصري إلا أن جميعها تبوء بالفشل بفضل فقهاء الوسطية المصريين الذين جعلوا من بلدهم أبية علي التشدد والتطرف ورد العديد في كتب الأثر عن آراء أهل العلم في رواية الليث بن سعد للحديث، فعن الإمام أحمد بن حنبل عندما سئل عن الليث بن سعد فقال: ثقة ثبت. ويقول: الليث كثير العلم، صحيح الحديث، ويقول الحسين بن إدريس الأنصاري حدثنا أبو داود، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ليس فيهم -يعني أهل مصر- أصح حديثا من الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث يقاربه، ويروي صاحب تاريخ بغداد ما يلي: قال الفضل وهو ابن زياد، قال أحمد: «الليث بن سعد كثير العلم، صحيح الحديث»، ونذكر رأي يحيي بن معين: وعن عثمان بن سعيد الدرامي قال، قلت ليحيي: فالليث: أحب إليك أو يحيي بن أيوب؟.. فقال: الليث بن سعد أحب إلي، ويحيي ثقة، قلت: فالليث كيف حديثه عن نافع؟ فقال: صالح ثقة، ويروي النسائي كثيرا من الأحاديث التي رواها الليث ويقول: «أبو الحارث الليث بن سعد المصري ثقة»، ويقول صاحب كتاب الرحمة الغيثية: قال ابن أبي حاتم، سألت أبا زرعة: الليث يحتج بحديثه، قال: إي لعمري. وقالي يحيي بن معين: ثبت، وقال يعقوب بن شيبة ومحمد بن سعد وآخرون: ثقة، ويقول صاحب ميزان الاعتدال: الليث بن سعد الفهمي أبو الحارث: أحد الأعلام والأئمة الاثبات ثقة، حجة بلا نزاع، لقد كان الليث محدثا ثقة، وكان واسع الأفق، رحب الصدر، يتصرف بذكاء وحكمة، ومما يروي عنه في ذلك ما ذكره صاحب الحلية قال: عن عمرو بن سلمة قال: تكلم الليث بن سعد في مسألة، فقال له رجل: يا أبا الحارث في كتابك غير هذا؟ قال في كتابي أو في كتبنا ما إذا مر بنا هذبناه بعقولنا وألسنتنا. وقال شعيب بن الليث: قيل لأبي: إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، قال: لو كتبت ما في صدري في كتبي ما وسعه هذا المركب، ولم يكن الليث في فقهه من أهل الرأي بل كان من أهل الأثر، وكان في الذروة من أهل الأثر، ومن المشهور أن الإمام مالك هو إمام أهل الأثر، ومع ذلك فإن الآراء تختلف في ذلك يقول الشافعي رضي الله عنه: الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس، وقال في العبر: كان أتبع للأثر من مالك، أما عن فقه الإمام الليث فيروي ابن حجر مايلي: عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: سمعت الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به، وفي رواية عن الشافعي: ضيعه قومه، وفي أخري: ضيعه أصحابه، وقال أبو محمد بن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت يحيي بن بكير يقول: الليث أفقهخ من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك، ويروي صاحب شذرات الذهب عن يحيي بن بكير نحوه، أما عن تقدير الليث تقديراً عاماً شاملاً، فإننا نذكر مايلي: قال أبو يعلي الخليلي: كان إمام وقته بلا مدافعة، وقال ابن حبان: كان من سادات أهل زمانه فقهاً وعلماً، وحفظاً وفضلاً وكرماً، ويقول ابن سعد: وكان ثقة، كثير الحديث، صحيحة، وكان قد استقل بالفتوي في زمانه بمصر، وكان سريا من الرجال، نبيلاً سخياً له ضيافة، وقال النووي في تهذيبه: أجمعوا علي جلالته وأمانته وعلو مرتبته في الفقه والحديث. ويقول يحيي بن بكير فيما رواه صاحب الشذرات: ما رأيت أحداً أكمل من الليث: كان فقيه النفس، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة، ونتساءل: هل هذه السعة في الأفق، والرحابة في الصدر، والغزارة في العلم، جعلت في بعض آراء الليث شذوذاً؟ وهذا تساؤل نراه ضرورياً، أما الإجابة عنه فقد سبق بها ابن حجر حيث يقول: ولقد تتبعت كتب الخلاف كثيراً فلم أقف فيها علي مسألة واحدة، انفرد بها الليث عن الأئمة من الصحابة والتابعين، إلا في مسألة واحدة، وهي أنه كان يري تحريم أكل الجراد الميت، وقد نقل ذلك أيضا عن بعض الملكية، والله سبحانه وتعالي أعلم. وفاته يري جمهور المؤرخين ومنهم الخطيب البغدادي ومنهم أو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي أن الليث بن سعد توفي سنة خمس وسبعين ومائة. ويحدد أبوعمر محمد الكندي وفاته في النصف من شعبان سنة خمس وسبعين ومائة هجرية وصلي عليه الوالي موسي بن عيسي: أما عن وصف جنازته فإنه يكفينا ما نقله صاحب كتاب الرحمة الغيثية عن خالد بن عبدالسلام الصدفي قال: «جالست الليث بن سعد وشهتد جنازته مع أبي ما رأيت جنازة قط بعدها أعظم منها ورأيت الناس عليهم الحزن ويعزي بعضهم بعضا فقلت لأبي: يا أبت كأن كل واحد من هؤلاء صاحب الجنازة فقال: يا بني كان عالما كريما حسن العقل كثير الأفضال. يا بني لا نري مثله أبدا. بعد ذلك ننقل من كتاب الدكتور عبدالله شحاتة «الإمام المصري الليث بن سعد» ما يلي: توفي الإمام الليث يوم الخميس: منتصف شهر شعبان سنة 175ه «ديسمبر 791م» ودفن يوم الجمعة في مقابر الصدفيين بالقرافة الصغري. وكان قبره كالمصطبة مكتوبا عليه «الإمام الفقيد الزاغهد العالم الليث بن سعد بن عبدالرحمن أبوالحارث المصري مفتي أهل مصر». وبعد سنة 640ه «1442» أقام أبوزيد المصري كبير التجار بناء علي القبر واستمر أهل الخير يتبارون في زيادة هذا البناء وحوالي سنة 780ه «1378م» جدد قبته الحاج سيف الدين المقدم، وفي سنة 832ه «1429م» أنشأ الزمير يشبك بن مهدي أحد أمراء الملك الأشراف قايتباي منارة في الطرف القبلي الغربي للمسجد الحالي وهي منعزلة عنه وفي سنة 911ه «1505م» جدد المسجد السلطان الفوري وفي شهر ذي القعدة سنة 1138ه «1726م» جدد المسجد والقبة الأمير موسي جورجبي مرزا مستحفظان ومن أثر عمارته القبة والمقصورة الموجودتان حتي الأن، وكذلك أجري به عماةر الأمير مصطفي أغا قور دزلي سنة 1277ه «1860م»، وبقي من عمارته لوح يقرأ فيه: هذا مقام فيه ليث ضاري أعني وليا من عبيد الباري وإذا ذهبت إلي مسجد الإمام الليث تهبط بضع درجات وأول ما يقابلك باب حديد ثبتت عليه لوحتان مؤرختان سنة 1194 و1201 تقرأ علي السفلي منها: إذا رمت المكارم من كريم فيمم من بني للفضل بيتا فذاك الليث من يحمي حماه ويكرم جاره حيا وميتا. ويلي باب المسجد باب أخر يجاوره مقصورة خشبية بها قبر للشيخ محمد الليتي- رضي الله عنه. أما قبة الإمام الليث فهي علي يمين الواقف في المسجد، وترجع عمارتها إلي سنة 640ه «1242م» وتحت قبة الليث تركيبة رخامية كتب علي دائرها آيه الكرسي. وحولها مقصورة خشبية مطعمة بالصدف عليها تاريخ 25 من ذي القعدة سنة 1138ه وهو تاريخ العمارة التي أجراها الأمير موسي جوربجي وأمام قبة الليث أخري صغيرة فيها قبر محمد بن هارون الصدفي والإمام المحدث شعيب بن الإمام الليث بن سعد ومكتوب عليه بابها: «هذا مقام سيدنا ومولانا الشيخ شعيد بن الإمام الليث بن سعد نفعنا الله ببركاتهم»، أما باقي المسجد بمحرابه ومنبره فحديث يرجع إلي عمارة المرحوم إسماعيل بك أبن المرحوم راتب باشا الكبير سنة 1294ه «1877م» وهو الذي جدد الإيوان والقبة أيضا، ومنذ سنة 700ه «1300م» أو بعدها بقليل اعتاد القراء الاجتماع كل يوم جمعة بعد الظهر بهذا المسجد لتلاوة القرآن تلاوة مجودة يختمونه فيها عند السحر وظلت هذه العادة إلي ما قبل خمسة وعشرين عاما أما الآن فيجتمع كبار القرآء بالمسجد كل يوم جمعة من قبيل العصر إلي قبيل الغروب ويتناوبون قراءة القرآن، ويأتي كثير من الصالحين لزيارة المسجد يوم الجمعة والاستمتاع لقراأة القرآن فيه والتبرك بزيارة أولياء الله. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.