إن الميزانيات الكبيرة التى تخصص لمسرح الدولة تقابلها عروض تتسم غالبيتها بالسطحية والسذاجة - فى الوقت الذى يوجد فيه عدد قليل جداً بين هذه العروض يمكن وصفه بالعروض الجادة - فى حين أن غالبية العروض التى تنتجها الفرق المستقلة وفرق الثقافة الجماهيرية تتسم بالجدية وتحقق الحد الأدنى من معايير الجودة التى تُظهر العرض المسرحى فى صورة جادة منضبطة. هذه العلاقة العكسية بين مسرحى المحترفين والهواة – حسب تقسيمة جهابذة المسرح - ترجع إلى درجة الإيمان بفكرة المسرح ذاتها، فالمحترفون الجدد يمارسون المسرح بوصفه وسيلة لكسب لقمة العيش، والدليل على ذلك هو عادة قيام أعضاء الفرق بشراء تذاكر العروض التى تخوى فيها القاعات من الجمهور، حتى يكتمل النصاب القانونى وتصرف الأجور لمن لا يستحقها.
فى حين يفتقد مسرح المحترفين الجدد لأبسط قواعد التخطيط سواء فى توزيع الميزانيات بين الفرق المسرحية، أو فى اختيار العروض التى تستند إلى أسباب يأتى عامل جودة المشروع فى ذيلها، أو لا يأتى على الاطلاق، وحتى هؤلاء الجادين الذين يسعون لتقديم عروض تتميز بالجودة فى مسرح المحترفين، فإن غالبيتهم يسعون لاستخدام المسرح معبراً إلى السينما والفيديو، وبعد أن تتحقق أهدافهم، يذهب المسرح إلى الجحيم الأبدى، ولا يدخلونه إلا فى حفلات تكريمهم على أنغام تصفيق جمهورهم الساذج الغفير.
أما الفنانون الحقيقيون فى الإسكندرية وبورسعيد والمنصورة وغيرهم، فهم يعملون بميزانيات ضئيلة، وأحياناً، بدون، وبالرغم من ذلك فهم لا يمارسون المسرح إلا عشقاً، ولا يبتغون من وراء هذه الممارسة شهرة أو أموالا. لذا فالعلاقة بينهم وبين خشبته تقوم على الحب والاخلاص، وبالرغم من اصرار البعض على نعتهم بالهواة، فإن هذه الهواية فى مفهومها الصحيح هى التى تصنع علاقتهم الناجحة بخشبة المسرح.
هذا هو الفارق الذى يصنع النجاح لفرق الهواة – وهم فى الواقع يمارسون الاحتراف بمفهومه الصحيح، ذلك لأنهم يؤمنون بالمسرح بوصفه منبراً يمارسون فيه حرية التعبير، ويستخرجون فيه طاقاتهم الكامنة، من هنا، فإنهم يصرون على تقديم عروض تتمسك بأهداب الجودة الفنية، وتطرح أفكاراً تعبر عن ذواتهم، ولا تنفصل عن مجتمعهم، ذلك لأنهم حقيقيون.
فى النهاية لا يسعنى إلا أن أتقدم بأسمى آيات التهنئة للمسرحيين الجادين الذين انتصروا لفكرة المسرح الجاد المحترم، فاجتهدوا وحققوا من النجاح ما جعلنا نفتخر بهم، ونضعهم تاجا فوق رءوسنا.
أما هؤلاء الذين يغطون فى النوم على مكاتبهم الوثيرة، فلا نملك لهم إلا الدعاء بأن يمن الله عليهم يوماً ما بوحى التخطيط المسبق للإنتاج المسرحى لمدة عام، ووضع سياسات علمية فى مجال التسويق تعتمد على دراسة ما تطرحه العروض والبحث عن جمهورها المستهدف، والعمل الجاد على بناء جمهور للمسرح ، كما نسأل الله أن يمن عليهم بالعدالة لحظة اختيار المشروعات الإنتاجية، حتى لا تأتى اللحظة التى نتحدث فيها عن المسرح باعتباره أثراً من الآثار له أهمية أبو الهول والأهرامات ، أو يزيد قليلاً ..... اللهم آمين.