في عام 2246 قبل الميلاد توفي فرعون مصر مري آن رع وخلفه شقيقه نفر كا رع المعروف باسم بيبي الثاني وكان عمره ست سنوات فقط، وحكم مصر 98 عاما، وتوفي بعد أن تخطي المائة بأربع سنوات، وتعتبر فترة حكمه الأطول في تاريخ مصر القديم والحديث علي الإطلاق، وانتهت بوفاته في عام 2156 قبل الميلاد. ورغم أنه تلاه في الحكم فرعونان آخران لكنهما لم يحكما طويلا، لأن الدولة المصرية القديمة كانت قد تحللت وانفرط عقدها، ولأن الفرعون العجوز أمضي طويلا في الحكم، وبدا أنه غير مدرك لما يدور حوله، فقد زاد نفوذ الكهنة، وأصبح بيبي الثاني يملك ولا يحكم، فتفككت كل مفاصل الدولة المصرية، وزاد الفساد، وعمت الفوضي، وانتهي عصر الدولة القديمة في مصر، ليبدأ بعدها ما عرف باسم عصر الاضمحلال الأول، أو ما يصطلح بعض المؤرخين علي تسميته بعصر الانحطاط الأول في التاريخ المصري القديم. ومن غير المعروف إن كان تعبير "الانحطاط" جاء عبر نقوش فرعونية قديمة، أو من خلال المؤرخين المحدثين، وفي أي الأحوال فإن من صاغ هذا الوصف يؤمن بالدولة المركزية القوية، وهي طبيعة المصريين، لذلك حين تحللت الدولة وسادت الفوضي، أطلق عليها عصر الانحطاط. وبدا واضحا خلال السنوات الأخيرة من حكم الملك بيبي الثاني أن قبضته علي السلطة قد ضعفت وأخذت في التآكل، وبالتالي بدأ ولاء حكام الأقاليم يضعف للحكومة المركزية، وأصبح همهم الأول الحصول علي مزيد من السلطة والمال دون اهتمام بأحوال رعيتهم، ومن ثم بدأوا يسلبون بيبي الثاني سلطاته. وفي ظل هذه الظروف عمت الفوضي أرجاء البلاد ، وذاق العمال والفلاحون الأمرين وما أن واتتهم الفرصة للتعبير عما تجيش به صدورهم قاموا بثورة اجتماعية عارمة رافضين كل ما في المجتمع من ظلم وفساد، وتناحر علي السلطة بين سياسيين، أعمتهم مصالحهم ومطامعهم الشخصية والمادية عن النظر إلي الشعب، والوفاء باحتياجاته. وفي مطلع القرن الثامن عشر الميلادي تم اكتشاف بردية قديمة من 17 صفحة في منطقة منفيس قرب أهرامات سقارة، اشتراها بعد ذلك المتحف الوطني في ليدن بهولندا، وهي عبارة عن بردية فرعونية مكتوبة باللغة الهيروغليفية تعود إلي عصر الدولة الوسطي، كتبها حكيم يدعي إيبور لذلك سميت البردية باسمه، وتعتبر أهم وأول وثيقة في التاريخ تسجل يوميات أول ثورة اجتماعية يري كثير من المؤرخين أنها لا تتفوق علي الثورة الفرنسية فقط، بل هي شبيهة بالثورة البلشفية التي أسقطت حكم القياصرة في روسيا. ومن بين ما كتبه إيبور في برديته ليصف أحوال مصر في ظل بيبي الثاني وبعده ما يلي: خربت الأشجار وماتت الورقة .. ما عادت تثمر وما عادت الأرض تخرج وانعدمت مصادر العيش .. خلت القصور من القمح والشعير والطيور والأسماك.. لا شيء هنا .. لا ثمار ولا عشب .. لا شيء سوي الجوع.. وها هم أولاد الأمراء ملقون في الشوارع.. والسجون خربت.. والكل هنا عظيم كان أو صعلوك يتمني الموت.. فهل ستنعدم الحياة علي الأرض ويتوقف الصخب(...).