إن ما جري أو يجري علي أرض مصر لا بد من مراجعته بشكل عقلاني بعيداً عن المزايدات والتربيطات بل وبعيداً أيضا عن التكهنات ، لم يعد الكلام كافيا رغم كثرته ، ولا مفيدا رغم حكمته ، ولكن لا بد من تغيير الخطاب كله، ليس الخطاب الديني فقط ولا السياسي فقط ولكن من الضروري أن نبحث عن مفردات جديدة وعن جمل مفيدة تحل محل ما نردده بعضنا لبعض، اللغة الحالية لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي ، الفصحي باتت من الآثار مثل الهيروغليفية، والعامية أصبحت من القمامة مثل لغة الشارع والحارة والزقاق والعطفة والربع وتحت السور ، سيطرت مفردات اللغة في عزبة القرود والباطنية ونجع الجحش علي ما يتبادله الناس في الوسائل الإعلامية ، لم تعد التحذيرات كافية ولا نواقيس الخطر ولقد تأكد الجميع من هذا خلال الأحداث الدامية ، الغوغاء يحكمون المدينة، لم يقف عاقل واحد لتصحيح المفاهيم، في اللغة العربية التي هجرتها الجماهير من قديم كلمة النظام يقابلها في الضد كلمة الفوضي، وعندما يرفع الكل شعارا يقول إن الشعب يريد تغيير النظام أي يريد الفوضي كبديل له ، يا سلام ، ثم تنبه بعضهم لشخصنة النظام في كلمة الرئيس ، لا بأس هل لديكم أي اسم يليق بكم قبل أن يليق بكل الشعب ؟ لا !! ، هل لدي من يحسبون أنفسهم من المعارضة، أي اسم يتفقون عليه يكون كفؤا لرئاسة مصر ؟ لا بالطبع !! وهل سيرضي عنه اليهود أو النصاري من بني أمريكا وأوروبا وإسرائيل ؟ ربما !! ثم أين كان هؤلاء المتزعمون والمستغلون لحركة الشباب قبل 25 يناير؟ مثلا أين كان رئيس حزب الوفد الذي يدعي الليبرالية والديمقراطية فأطاح برئيس تحرير كان من الأقلام المعارضة للدولة ؟! وأين كان رفعت السعيد الذي يجلس الآن وحيدا في مقر حزبه المتهالك بعدما ابتعد عنه أصحاب اليسار الفعليين ومنهم أبو العز الحريري والبدري فرغلي وغيرهما من شرفاء الحركة اليسارية في مصر منذ أن بدأت وأين كانت أحزاب التناطح والتصارع واللجوء اليومي للمحاكم والاعتداء علي المقار واحتلالها الذين أساءوا لاسم عبد الناصر ولكلمة الديمقراطية أو العدالة أو الإصلاح أو التوافق أو الغد أو العربي أو أي لافتة صدر بها حكم من المحكمة لتكون لافتة حزب يضم فقط المؤسسين !! خاصة بعد ثبوت فشلهم الذريع في اتخاذ موقف موحد من الانتخابات التشريعية التي كانت مهزلة بل وهي البعير الذي قصم ظهر القشة السياسية في مصر؟!! ، وأين كان أيمن باشا نور الذي طاف علي معظم الأحزاب عضواً ثم رئيساً ثم مرشحاً للرئاسة ثم معارضاً لأعضاء حزبه بمن فيهم أسرته؟!، كلهم كانوا في المغارة ولكن أطلوا برؤوسهم بعد خراب مالطة وميدان التحرير والأحياء المجاورة من تأليف أنيس منصور في إحدي مسرحياته قبل زمن الاستهبال الفني حاليا. شر البلية ما يصدر عن بعض شيوخ الإسلام، فلقد كان الشيخ القرضاوي يفتقر إلي العقلانية في خطبة الجمعة التي ألقاها في قطر وحرض فيها خروج الشباب للانضمام إلي المتظاهرين وهو يعلم تماما أن الساحة مشتعلة وهناك ضحايا بالمئات ما بين قتيل وجريح، ولكنه استمع إلي الفكر الجمعي الاخواني الذي ينتسب له والذي دفعه إلي الحياة بعيدا عن وطنه منذ عام 1964 رغم أنه يتمني العودة ولا يستطيع ليس بسبب السياسة ولكن بسبب آرائه التي لا تتفق مع رأي المؤسسة الدينية الأزهرية في مصر ، تلك المؤسسة التي كانت المحرك الرئيسي في أحداث مصر خلال العقد الأول من القرن الماضي ، وكان منبر الأزهر أقوي بكثير من مئات الفضائيات حاليا ، بل وكانت ثورة 19 بها الإلهام السياسي لكل شعب مصر ، كذلك خطيب الجمعة في طهران وللمقارنة مع الفارق بين خطبة الجمعة التي ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عمر هاشم وكانت الكلمات نافذة المعني طليقة اللسان بما حملته من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأبيات الشعر العربي الأصيل كي يصف ما نحن فيه ويقترح الحلول العاقلة لهذه الأزمة ، بل إن شيخ الجامع الأزهر كما عهدناه وسابقيه جميعا علي قدر عال من الحكمة والفطنة والكياسة في كل المواقف الوطنية ذات الطابع الحرج ، كما أن التاريخ سيحفظ للدكتور زقزوق مكانته كأحد علماء الإسلام والتنوير ، كذلك الدكتور علي جمعة الذي هو ضمن سلسلة مضيئة من علماء الأزهر في منصب المفتي ، الموقف الآن وبصراحة أن هناك تار «بايت» بين كل هؤلاء وبين كل المصريين بصرف النظر عن عائلة مبارك وليست عائلة الطرابلسي!! * كاتب وأستاذ جامعى