العودة إلي العمل أصبحت مسألة حياة أو موت (1) - لماذا الإصرار علي البقاء أسبوعًا آخر في ميدان التحرير؟.. حتي يعم الخراب ولا يجد غالبية المصريين لقمة عيش ولا رواتب ولا خدمات، فيسود الجوع وينتشر الجوعي في كل مكان. - حتي ينقلب الأمر إلي ثورة الجياع، ويهاجمون البيوت بحثًا عن أي طعام ثم ينهبون ما فيها ويقتلون أصحابها، لأن الجوع كافر، والكافر لا يعرف الرحمة ولا الشفقة. - إذا استمرت الحياة هكذا، فتلك هي النتيجة الحتمية، لأن موظفي الحكومة 5 ملايين فقط، بينما الأعمال الأخري أكثر من 16 مليونًا يعولون نحو 65 مليونًا أي 80% من الشعب. (2) - بشائر الجوع بدأت تظهر في الشوارع وعلي وجوه كثير من الناس، لأن الذين كانوا يكسبون رزقهم يومًا بيوم، انسدت سبل الحياة في وجوههم وجلسوا في بيوتهم دون عمل. - لا أتصور أبدًا أن الشباب الذين قادوا المظاهرات الأخيرة كانوا يستهدفون مزيدًا من الفقر والجوع والتخلف لبلادهم، كانوا يريدون الخير، ولكنه انقلب إلي شر. - كلما مر يوم دون أن تعود الحياة إلي طبيعتها، ازداد مفعول الشر واتسعت مساحته وضم عددًا أكبر وأكبر من الناس، ولن يجد أحد مفرًا للهروب منه. (3) - العودة إلي العمل أصبحت مسألة حياة أو موت، وليفهم شبابنا أن الجموع العريضة من المواطنين عندما يقرص الجوع بطونهم، سوف يلعنون اليوم الذي خرجوا فيه إلي ميدان التحرير. - يكفي شبابنا أنهم حركوا المياه الراكدة، وحققوا إنجازات مذهلة لم تكن لتتحقق أبدًا بدونهم، ويمكن أن تمهد حركتهم لجعل مصر أعظم دولة في المنطقة في غضون سنوات قليلة. - يكفيهم أنهم مهدوا الطريق نحو التداول الآمن للسلطة، وفتحوا الأبواب نحو تعديلات ضخمة سياسيًا واقتصاديًا وبرلمانيًا وتشريعيًا ودستوريًا.. وكان لهم الفضل في كل شيء. (4) - لكن كل هذه الإنجازات الضخمة يمكن أن تتحول إلي نقمة، إذا ظلت الحياة معطلة والشوارع مغلقة والرجال جالسين في بيوتهم يشاهدون التليفزيون ولا عمل يقومون به. - كل شيء بدأ الآن ينقلب إلي ضده، فاللجان الشعبية التي قامت بعمل عظيم لحماية المنشآت، بدأ الناس يتضايقون منها ويتشاجرون مع أفرادها بسبب الاستفزازات. - ليس معقولاً أن يتم توقيف أصحاب السيارات في الشوارع، من قبل صبية وفتوات وأحيانًا بلطجية يمسكون في أيديهم السيوف والسنج والمطاوي والشوم. (5) - كنت وصديقي رئيس تحرير المصور حمدي رزق في شارع الكورنيش عندما استوقفنا فتوات الكمائن يحمل كل منهم في يده شومة مزينة بالمسامير وطلب البطاقات وتفتيش السيارات. - سألناه من أنت؟ قال: «أنا الشعب»؟ قلنا: «ماذا تريد يا شعب»؟ قال «حمايتكم وحماية الشعب».. وهكذا الفتوات يفتشون الضباط والصحفيين والمهندسين والقضاة وغيرهم. - كيف يعود هؤلاء إلي بيوتهم بعد أن أحكموا السيطرة علي الشوارع، ولا أعلم لماذا يقطعون مثلاً طريق الكورنيش رغم أنه لا توجد لهم فيه بيوت ولا ممتلكات يجب حمايتها؟ (6) - كل هذه الفوضي يجب أن تنتهي وأن تعود الحياة إلي طبيعتها، فخسائر مصر لا يمكن تخيلها، مثلما لم يكن أحد يتخيل أبدًا أن يحدث في بلدنا ما يحدث فيها الآن. - خسائر مرعبة سوف يدفع المصريون كلهم ثمنها الفادح، وسوف نظل لسنوات ولسنوات نسد النزيف الذي كاد أن يمتص دماء المجتمع كله ويصيبه بهبوط حاد. - خسائر تحتاج أعمالاً شاقة ومضنية وجهودًا جبارة وخارقة للتخفيف من حدتها، وكلما تأخرت عودة الناس إلي العمل، كانت الخسائر أكثر فداحة. (7) - لا أتصور أبدًا أن شباب مصر الذي خرج من أجل الحرية والديمقراطية والمستقبل، كان يستهدف إفقار شعبه ومواطنيه أو أن يأتي إليهم بالخراب والفقر والجوع. - عودوا إلي بيوتكم واتركوا الفرصة للرئيس ونائبه ورئيس الوزراء لإتمام عملية التغيير التي تطالبون بها، ولا تصدقوا غير ذلك، لأن الدولة ستفي بوعودها. - عودوا إلي بيوتكم، وحاولوا إصلاح ما تم إفساده، حتي تظل حركتكم المباركة نقطة مضيئة في تاريخ البلاد، ولا تتركوا من يحاولون أن يجعلوها نقطة سوداء. E-Mail : [email protected]