يقول العامة إن الجوع كافر، أى أنه لا يعرف ملة ولا ديناً ولا أخلاقاً وهو حالة من حالات الضرورة إذا حدثت لإنسان لأى سبب كان حل له الحرام، فيحل له أكل الميتة ولحم الخنزير وما ذبح على النصب وما أهل لغير الله به، وكذلك يحل له سرقة ما يسد الجوع به، وعندما ذهب أحد الأشخاص إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه شاكيا عبدا له سرق، وسأل عمر العبد لم تسرق فقال له العبد إن سيده لا يعطيه ما يكفيه من الطعام فهو يسرق لكى يدفع الجوع، وهنا نظر عمر بن الخطاب إلى الرجل الشاكى، وقال له لو سرق هذا العبد مرة أخرى فإنى سأقطع يدك أنت، رحم الله الفاروق عمر بن الخطاب. جالت بعقلى كل هذه الأمور وأنا أسمع وأتابع أخبار بناء الجدار العازل بين غزة ومصر من أجل سد الأنفاق التى تعتبر شريان الحياة الذى يمد الإخوة فى غزة بالنزر اليسير الذى يقيم الأود، وطبعا الهدف من ذلك أن يشعر الإخوة فى غزة بقسوة الجوع فيثوروا على حكومتهم ويتخلصوا منها وبذلك تتخلص إسرائيل من عدوها الأول وترضى أمريكا عنا ويرتاح الأخ أبومازن وتدين له الأمور. تقول الحكومة المصرية إنها حرة تفعل ما تشاء فى حدودها وأن هذه مسألة أمن قومى بالنسبة لها لا يسمح لأحد بالتدخل فيها، ونسيت الحكومة أنها لا تفعل ذلك على حدودها مع إسرائيل التى تنتهك كل يوم السيادة المصرية ويتعرض جنود مصر القلائل على الحدود للموت بالرصاص الإسرائيلى الصديق، كما يتعرض له الأطفال فى بيوتهم دون أن تتحرك الشهامة المصرية والكرامة للدفاع عنهم. ما يحدث على الحدود بين مصر وغزة فى هذه الأيام أمر غير طبيعى ولا يمكن السكوت عليه لا على الجانب الفلسطينى فقط كما يحدث هذه الأيام، بل على الجانب المصرى أيضا، الذى يجب أن يكون له موقف شعبى فى هذا الشأن، فمسألة إحكام الحصار على غزة التى حركت العالم من أقصاه إلى أدناه حتى فى أوروبا وأمريكا اللذين يقودان الحصار تحركت الشعوب لمحاولة فكه وها نحن نرى قوافل الإغاثة العالمية تجوب العالم من شرقه إلى غربه تجمع التبرعات وتحث الناس على كسره والخلاص منه وتتعجب لموقف مصر من هذا الحصار الظالم الذى حرك العالم كله، ولم يحرك قلوب حكام مصر، لم أسمع فى حياتى أن سفارات مصر فى العالم تهاجم وتقذف بالطوب والحجارة إلا فى هذا الزمان السيئ، لم أسمع فى حياتى نداء بمقاطعة مصر يتردد فى أوروبا الغربية عقاباً لها على موقفها من حصار غزة إلا فى هذه الأيام، لم أسمع أحداً يطالب بمقاطعة السياحة فى مصر إلا فى هذا الوقت العصيب، حتى فى الأيام التى كانت مصر فيها على خلاف مع الغرب أو مع الشرق أو مع الإخوة العرب بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، لم يكن وضع مصر بهذا السوء الذى هى عليه الآن. فهل يا ترى حققنا بذلك مصلحة مصر اقتصادياً وسياسياً؟ وهل يا ترى حافظنا بذلك على الأمن القومى المصرى، الذى نتغنى به ليل نهار ونجعله الشماعة التى نعلق عليها أخطاءنا؟، هل الأمن القومى المصرى يتحقق عندما تكون مصر موضع احتقار شعوب العالم ومقاطعتها عقاباً لها على ما تفعله فى إخوانها فى غزة. من الغريب أن يقول الرئيس حسنى مبارك فى مناسبات عدة وأمام وسائل الإعلام إن قطاع غزة حتى وإن لم يكن به جنود إسرائيليون إلا أنه مستعمرة إسرائيلية، إسرائيل هى المسؤولة عنه وليس مصر! فإذا كان قطاع غزة الذى كان حتى حرب سنة 1967 جزءاً من مصر ويشعر أهل سيناء أنه جزء منهم لم بينهم من نسب ومصاهرة يقع تحت الاستعمار الإسرائيلى، أفليس هذا أدعى أن نمده ليس بالطعام والشراب وضروريات الحياة فقط بل الواجب أن نمده بالسلاح اللازم للخلاص من هذا الاستعمار؟ إن ما تقوله يا سيادة الرئيس يضع على مصر عبئاً أكبر مما لو كان قطاع غزة محرراً كما يطلق عليه البعض لأنه لو كان محرراً فإنه لا يوجد ما يدعو إلى فرض حصار عليه بل يجب التعامل معه مباشرة وجعل الحدود معه فى وضع طبيعى مثله فى ذلك مثل باقى الحدود مع الدول المجاورة، أما وإنه قطاع محتل فإن واجب الشقيق أن يساعد شقيقه على الخلاص من هذا الاحتلال كما كانت تفعل مصر فى السابق مع كل بلد يريد الخلاص من الاحتلال، وهذا حقه فما بال إذا كان من يريد الخلاص من الاحتلال أخاً شقيقاً. ترى لو أن الأخ أبومازن استطاع أن يستولى على قطاع غزة كنا سنقيم هذا الجدار العازل ونحاصر غزة؟ أم أننا كنا سنفتح الحدود على مصراعيها، بل كنا سنزيل الحدود من أساسها ليس بيننا وبين غزة فقط بل بيننا وبين إسرائيل أيضا لأنه لا يجب أن تكون هناك حدود بين الأصدقاء وهل هناك صداقة أقوى من المصالح المشتركة بين الحكومات التى يجمعها هدف واحد هو البقاء فى الحكم إلى ما لا نهاية. يتساءل البعض: لم خفت هذه الأيام المحاولات التى كانت تتم فى الماضى لكسر الحصار عن غزة؟ وأنا أقول رداً على ذلك إن هذه المحاولات لم تتوقف لكنها أخذت اتجاهاً آخر وهو محاولة كسر الحصار عن شعب مصر، الأمر الذى سيترتب عليه كسر الحصار عن شعب غزة، لأن الذى يحاصر شعب غزة هو هذه الحكومة التى أتت إلى الحكم عن طريق التزوير وعلى خلاف إرادة الشعب، فإذا استطاع شعب مصر أن يتخلص من هذه الحكومة ويأتى بحكومة تعبر عن إرادته وتحترم رأيه فإن أن أول عمل من أعمالها سيكون كسر هذا الحصار بغير ذلك فإن هذه المحاولات لن تجدى نفعا وإن كل ما يترتب عليها من أثر هو إشهاد العالم على أن شعب مصر غير راض عما تقوم به حكومته من أفعال وأنه مغلوب على أمره فى هذا الشأن وهذا أمر يعلمه العالم أجمع وليس فى حاجة إلى إعلان والكفاح الحقيقى فى هذا الشأن يكون عن طريق كسر حصار شعب مصر وهذا ما نسير فى طريقه الآن وسبيله هو تحرير إرادة الشعب. ترى لو أن الإخوة فى غزة تعرضوا للجوع والمرض واشتد عليهم الأمر بعد إحكام الحصار عليهم وعضهم الجوع وهدهم المرض فقاموا بمثل ما قاموا به سابقا من تحطيم بوابة معبر رفح واجتياح الحدود هل ستقوم عليهم القيامة كما قامت فى المرة السابقة ويقف وزير الخارجية الهمام ليقول إن من يتجاوز الحدود سنكسر ساقيه، يا حكام مصر إن الجوع لا يعرف الحسابات وهو أمر إذا تعرض له الإنسان تبيح له القوانين والشرع كل شىء فلا تعرضوا إخوانكم لهذا الخطر الذى يدفعهم إلى ما لا تحبون ولا يريدون فعله، إنكم يا حكام مصر إذا خلت موائدكم من أطايب الطعام فى وجبة من الوجبات الثلاث شعرتم بالضيق، فما بال الإخوة فى غزة وهم لا يجدون لقمة الخبز ويعانون فى سبيل الحصول عليها، أفلا ترق قلوبكم لحرمانهم منها، هل شهوة الحكم وإرضاء الأسياد أمريكا وإسرائيل أهم عندكم من رضاء الله. عار عليك يا شعب مصر أن تتنادى جميع شعوب العالم إلى نجدة الإخوة فى غزة بإرسال القوافل التى تسير مئات الأميال من أجل هذا الغرض النبيل لا يقف أمامها عائق إلا فى مصر بعد أن أعطتهم الحكومة وعداً بالدخول إلى غزة عادت ونقضته وهم يقفون على الحدود انتظاراً للدخول، عار علينا أن نتركهم هكذا بغير مساندة يتحملون وحدهم هذا الجهد الشاق ننظر إليهم دون أن نتحرك لمساعدتهم وإظهار غضبنا على ما تقوم به الحكومة المصرية لغير صالح الإخوة فى غزة وضد مشاعر وأحاسيس كل مصرى حر غيور.