استطاع المخرج خالد جلال طوال عشر سنوات أن يقدم عدداً كبيراً من الشباب الموهوب للساحة الفنية فى شتى المجالات الاستعراض والغناء والتمثيل والإخراج وتصميم الأزياء والديكور والإلقاء من خلال مركز الإبداع الفنى وأصبح مشروع إعداد الممثل الشامل الذى أسسه فى مصر منذ سنوات مطلوبا فى الداخل والخارج سواء بالدول العربية التى تطلبه خصيصا لتقديم ورش بها أو على مستوى المهرجانات المحلية فى مصر . فبالرغم من أنه يعمل فى مكان صغير يبدو فقيراً فى إمكانياته المتاحة لكنه من أنجح الأماكن التى ظلت محتفظة بنفسها حتى هذا الوقت فى مستوى الأعمال والعروض المقدمة ، وسوف يحتفل خالد جلال الشهر القادم بمرور عشر سنوات على تأسيس مدرسة واستديو مركز الإبداع الفنى لإعداد الممثل ، فعن الاحتفالية ومشاريعه القادمة حاورنا قائلا:
قدمنا مشروعاً لوزير الثقافة لعمل تجديدات للمبنى نظرا لمرور عشر سنوات على إنشائه وبالفعل تمت بعض التجديدات وننتظر الانتهاء منها حتى نبدأ احتفالنا وإقامة أنشطة عديدة داخل المسرح وسوف يتم افتتاح «عرض خاص اثنين «الجزء الثانى من «عرض خاص واحد» والمشروع عبارة عن ست مسرحيات لستة مخرجين هم محمد نشأت وشريف شلقامى ومحمد حبيب وأحمد عبد الفتاح ومينا عزت وأحمد فؤاد ست مسرحيات قصيرة تجتمع فى عرض واحد وبذلك سنكون قدمنا 11 تجربة قصيرة خلال عرضى خاص1 وخاص 2 ثم تبدأ الاحتفالية التى من المقرر أن نكرم فيها أغلب من تميزوا بعد تخرجهم وأثبتوا وجودهم بالساحة الفنية وسنكرم أيضا أعضاء هيئة التدريس ثم العاملين بالمبنى الذين عملوا معنا على مدار عشر سنوات من عمال الإضاءة والصوت وبعض ممن تابعونا على مدار السنوات الماضية أما من عروض المركز التى سنقدمها خلال الاحتفال اختارنا مجموعة من أهم الأعمال فى العشر سنوات وهى «قهوة سادة» و«بوردة البوصيري» و«غنا للوطن» و«هاملتهن» ، و «أين أشباحي» و«أنا هاملت» و»ظل الحمار» ، ثم سنستعد لعرض التمثيل النهائى لهذه الدفعة وبعدها سيتم تخرجهم.
■ سافرت مؤخرا أكثر من دولة عربية لإقامة ورش مسرحية بها كيف جاءت هذه الدعوات؟ - شاركت الفترة الماضية بمهرجان المسرح العربى الذى أقامته الهيئة العربية للمسرح بالدوحة وكان عام المرأة العربية كرم فيه المهرجان عدداً من المبدعات العربيات وشاركت ضمن فعالياته بعمل ورشة كيفية تطوير النصوص الفائزة لتصبح عرضا مسرحيا فكانت هناك مسابقة للتأليف المسرحى فائز بها ثلاثة منهم اثنان من مصر وواحد من السودان كانت الفكرة أن نقدم ورشة مع المؤلفين والممثلين فى كيفية تطوير نص فاز بجائزة أدبية إلى عمل مسرحى بدلا من أن تصبح النصوص مجرد نصوص متحفية تكتب وتركن فى المكتبات نحاول صياغتها فى عمل مسرحى حى ، بعد هذه الدعوة أرسلت لى دعوة أخرى لإقامة ورشة من دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة تحت عنوان ممثل وخشبة ومخرج بمعنى أن تعتمد الورشة بالكامل على ممثل المسرح وارتجالاته مع مخرج يقود العملية بالكامل قدمت الورشة فى أسبوعين مع ممثلين من الأردن وسوريا والإمارات وتونس والسودان ومصر وفلسطين وتعلموا خلال الورشة كيفية الارتجال حتى يصلوا إلى عرض بالطبع المسألة كان وقتها قصيراً لكن فى النهاية استطعنا تقديم عرض مدته 25 دقيقة وهو نواة لعرض كبير سيقدم ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية خلال شهر مارس القادم.
■ كيف يكون شعورك عندما تتلقى دعوات لإقامة ورش مسرحية داخل وخارج مصر؟ - كل ما أشعر به أن التجربة نجحت لأننى وراء هذه التجربة عام 96 تعلمتها فى إيطاليا من خلال جائزة الدولة للإبداع التى أقامها فاروق حسنى وقتها وكان يرسل شباباً فى بعثات مسرحية للخارج وعاد من هذه البعثة مسرحيون مصريون أصبحوا علامات منهم أكرم المجدوب صمم أعمالاً كبيرة وهو من أهم المهندسين المعماريين فى مصر صمم متحف أم كلثوم وأصدر مجلة للأعمال الهندسية وكانت أول مجلة هندسية تصدر فى مصر وخرج منها أيضا خالد شكرى والذى يعد من أهم الموسيقيين الموجودين أيضا ، قدم موسيقات تصويرية وتحصل دائما على جوائز ، فعندما عدت من البعثة عام 96 بدأت فى إقامة هذه الورش من مسرح الشباب وبعدها استكملت المشروع فى مسرح مركز الإبداع الفنى منذ إنشائه عام 2002 وحتى الآن ومع الوقت وبعد ظهور النتائج أصبح المشروع من أهم العلامات على الساحة الفنية ونجاحه يكمن فى فكرة تركيزه على تطوير الإنسان لأنه أهم من تطوير الأماكن والميكنة والأجهزة حتى أننى دهشت من اختيارهم لاسم الورشة بالشارقة ممثل ومخرج وخشبة، لأنهم ذهبوا مباشرة للهدف الممثل والمخرج وليس بينهما وسيط فالعملية كلها مقتصرة عليهما فقط، وبالتالى فخور بالتأكيد لأن التجربة نجحت والمكان أصبح له مريدون كثيرون وحاليا لدينا أكثر من أربعة آلاف متقدم للورشة الجديدة التى من المقرر أن تبدأ خلال الشهور القادمة .
■ ماذا عن تونس هل واجهتكم مشاكل أثناء العرض هناك؟ - فى تونس قدمنا عرض «غنا الوطن» وكانت هذه هى المرة الثانية بعد عرض «قهوة سادة» منذ شهرين السفير ايمن مشرفة والمستشار الثقافى خالد عارف وجهوا لنا الدعوة لتقديم عرض «غنا للوطن» فى ذكرى الإحتفال بالثورتين المصرية والتونسية، والحقيقة الأمور كانت هادئة وقدمنا ليلة عرض فى قرطاج من أقوى وأجمل ليالى العرض التى قدمها «غنا للوطن» منذ عرضه بالقاهرة، حضر وزير الثقافة التونسى وفى إحدى الحالات النادرة امتلأ مسرح قرطاج عن آخره يوم، والمصريون الذين حضروا كانوا متفاعلين لدرجة البكاء، ففوجئنا أنهم انهاروا بحالة من البكاء الشديد والتوانسة دهشنا أنهم مرتبطون بأغانى الثورة المصرية وكانوا يرددونها معنا خاصة أغنية «بحبك يا بلادي» عرضنا ليلة أخرى بصفاقص لكن ليلة قرطاج كانت لا تنسى .
■ هل تشعر بالتضييق فى العمل بعد الثورة ؟ - الحمد لله نحن نعمل فى جزء مهم من وزارة الثقافة وهو مؤسسة صندوق التنمية الثقافية وهى مؤسسة ليست بيروقراطية إلى جانب أن الوزير الحالى وسبقه عماد أبو غازى ولد على أيديهما هذا المشروع وبالتالى هم يعلمون جيدا مدى تأثيره على الحركة الفنية فهو يمدها بمواهب هامة ليس فقط فى التمثيل وإنما فى الإخراج المسرحى فهناك أسماء هامة تخرجت فى هذا المكان مثل إسلام إمام وهانى عفيفى وعبير على وريم حجاب ومروة عودة فى الأزياء وحتى هذه اللحظة لم نجد أى مضايقات لأنه مشروع آمن جدا لأنه يقدم ناساً على مستوى عال فنيا وأخلاقيا ولا نقدم أى شىء تافه أو مسطح وهذا المبنى لن تتغير استراتيجيته قبل الثورة وبعد الثورة فنحن نعمل بنفس الطاقم ونفس الكفاءات فمثله مثل مبانى الجامعات الراسخة فى أوروبا التى يكون برنامجها ثابتاً وواضحاً بمعنى أننا نعمل بنفس طاقتنا الكاملة فى كل الأحوال والحمد لله حتى الآن نحافظ على ضميرنا العملى والفنى فهو مختلف عن أماكن أخرى، لكن أستطيع أن أقول بأن الشىء الوحيد الذى تغير هو أننا أصبحنا هنا أكثر خبرة بمعنى إدراكنا لتطوير الطلاب أصبح أسرع فنحن نتعلم ونأخذ خبرة مع الطلبة فاختيارنا للعناصر أصبح أفضل وتدريسنا أسرع عما كان من قبل وأصبحنا نصل للهدف مباشرة فالمسألة تتطور معنا فنيا تطورا مبنياً على الخبرة، كما أننى أعتبر فريق العمل هنا من أقوى الأسماء الموجودة على الساحة فمنهم عصام السيد ونعيمة عجمى وناجى شاكر ونجاة على وعماد الرشيدى وشيرى شلبى وضياء شفيق ومحمد مصطفى وتجمعهم ميزة فى غاية الأهمية هى أن جميعهم متحقق على المستوى الفنى فى الخارج فهم يعملون بقلب طيب لنقل خبراتهم للأجيال الجديدة بلا خوف أو تحفظ فهم لا يبخلون على نقل خبراتهم الحقيقية للطلاب وهذه حالة نادرة وبالتالى تخرجت من هنا مجموعة عمل فى كل المجالات تفخر أى مؤسسة مسرحية أنهم ينتمون إليها مثل هانى عفيفى وإسلام إمام وريم حجاب وعبير على وسعداء الدعاس فى مجال الإخراج المسرحى وغيرهم فى التمثيل والمجالات الأخرى. ■ كيف كنت تتعامل مع الأزمة التى تعرضت لها بعد الثورة عندما طالب البعض بضرورة أن يترك خالد جلال مركز الإبداع حتى يتيح الفرص لآخرين؟ - من عادتى أننى لا أتعامل مع هذه المشاكل لأننى أعمل فقط وأترك الفارغين يقولون ما يشاءون لأنهم ببساطة بدلا من أن يقدموا أعمالا ناجحة يتفرغون لهدم انجازات الأخرين وسأظل أعمل فى هذه المؤسسة حتى يقال لى كفى واندهاشى كان وقتها من هجومهم لأنه بغير مبرر وهجوم على مكان يعمل فى حين أن هناك مؤسسات مسرحية أصبح إنتاجها ضحل على المستوى الفنى والإدارى والإنسانى لكنهم لم يذهبوا إليها حتى يطورونها واكتفوا بصب غضبهم على المكان الوحيد الذى يعمل و مساحته الأرضية لاتتجاوز ال30 متراً مربع فهم يطمعون فى هذا المكان الصغير وهناك مساحات مكانية ومؤسسية أكبر من الأجدى أن يطالبوا بها لأنها لا تعمل فبدا الأمر وكأنهم يبحثون عن مكان بعينه وفى النهاية أنا لم أتمسك بمكان فى حياتى لكن الفكرة هى أننى أقدم مشروعاً وهو أهم وأكثر مشروع قدم شباباً للدولة وأتحدى أن يكون هناك مكان فى مصر قدم هذا الكم من المواهب الشابة مثل مركز الإبداع الفني.
■ إذن ماذا عن مصير هذا المشروع إذا تم استبعادك من مركز الإبداع؟ - هذا المشروع مطلوب فى كل الأماكن لكننى حاليا أقدمه للدولة وليس لنفسى وهو بالفعل مطلوب فى كل مكان على كل المستويات سواء فى القطاع الخاص أو العام لأنه مشروع يولد فى أى مكان ومعتمد على الطاقة العملية وإذا قدمته فى «كشك سجائر» سينجح بنفس قدر نجاحه بمركز الإبداع الفنى ، وأذكر أننا كنا ناجحين جدا فى قاعة يوسف إدريس وانتجنا وقتها 60 مسرحية لعدد كبير من الشباب ، فالشخص الناجح سينجح فى أى مكان، ولابد أن أذكر أننى سبق واختارتنى لجنة القيادات بوزارة الثقافة لرئاسة البيت الفنى للمسرح ورفضت عندما خيرت بين مركز الإبداع والبيت الفنى وهو أكبر مؤسسة مسرحية فى مصر ومنصب مغرى لأى شخص فتركت مؤسسة بها آلاف الموظفين والإداريين من أجل هذا المكان الصغير البسيط لأن هذا هو فكرى ومشروعى ولم أندم لحظة لأن هذا المكان هو نجاحى الحقيقى ولأننى أفكر بشكل مختلف واحترافى بحت وأعمل لأن لدى مشروعاً أحلم به منذ أيامى الأولى فى معهد فنون مسرحية .
■ كيف ترى الأعمال الفنية الفترة القادمة فى ظل سيطرة التيارات الدينية على الحكم فى مصر؟ - أعتقد أنه طالما لم يتم منع عروض أو ندوات فبذلك أصبحنا نفكر كمن يخشى «أمنا الغولة» وهى تكاد تكون قصة أسطورية ليس لها وجود فى الواقع أو كائن صناعى صنع فى خيالنا قد تكون البلد فى أزمة مالية حقيقية لكن للأسف أرجع البعض هذه الأزمة لحكم الإخوان ومحاولة السيطرة على المسرح ولم نفكر للحظات أنه عندما فصلت وزارة الآثار عن الثقافة حصلت الآثار على أموال كثيرة من وزارة الثقافة وبالتالى الثقافة أصبحت تعانى من أزمة مالية كما أن هناك سوء إدراة سابقة بددت الأموال فكان من الأجدى أن نقول بأن هناك إدارات أساءت استغلال الميزانية وبالتالى أصبحت الميزانيات الجديدة تأتى لتسديد ديون سابقة، فالأموال بدلا من استغلالها فى الإنتاج أصبحت تسديدا للديون، لذلك أتصور أننا لابد ألا نخاف استباقيا لأن الخوف سيئ جدا، وأذكر أننى عرضت مؤخرا «اين أشباحي» وهو عرض راقص من البداية للنهاية والغريب أنه من أول وأفضل المقالات التى كتبت عنه كانت فى جريدة الحزب الحاكم وكتبت أن العرض حركة وإبداع ليس به أى نوع من أنواع الخلاعة وأنا دائما حسن النية فهو لم يصادر على عملى ولم يكتب عنه بشكل سيئ حتى يصرف الناس عنه !!
■ هل تعرض عروض مركز الإبداع على الرقابة؟ - عروضنا ليست جماهيرية بمعنى أنها مثلها مثل عروض معهد الفنون المسرحية لكن لم يحدث مطلقا أن قدمنا أى شىء به تجاوز على المستوى الدينى أو الأخلاقى أو حتى السياسى حتى انتقادنا للواقع لم يكن به أى نوع من التشفى لأن التشفى فى رأيى هو انتقاد جارح والفنان المحترم يستطيع أن يقول كل شىء فى إطار ينفع أن تراه الأسرة بالكامل وهكذا كانت «قهوة سادة» حتى أن إبراهيم عيسى من أكبر المعارضين كتب مقالة تحمل نفس المدح الذى كتبه عبد الله كمال وأسامة سرايا وكذلك مجدى الجلاد فأقصد أنها على اختلاف زوايا الرؤية الجميع رأى أنها رائعة وكتبوا نفس الكلام فالفنان رقيب نفسه وهو أهم من يرسل له رقيب و هذه المؤسسة ظلت محترمة طوال 10سنوات لا يخرج منها كلام خارج ولا يؤذى شعور أحد رغم اننا انتقدنا كل الأشياء .
■ هل هناك أى تطوير على مشروع الورشة بالدفعة الجديدة؟ - أفكر فى اضافة قسم للنقد المسرحى تحت إشراف الدكتورة نهاد صليحة وقسم آخر فى التأليف المسرحى وسأحاول أن أتفق فيه مع لينين الرملى ويسرى الجندى للإشراف عليه وبذلك سنكون أغلقنا دائرة الإبداع بمخرجين فى كل المجالات على أعلى مستوى.