بعد ثلاثة وعشرين عاما من العمل الدؤوب، تمر حاليا فرقة "الورشة" لمؤسسها حسن الجريتلي بظروف مادية قاسية جعلت القائمين عليها يفكرون جديا في تكثيف عنصر التدريب والدراسة، فللأسف سوف يقل حجم التمويل الذي كانت تحصل عليه الفرقة طوال الفترة الماضية من بعض المراكز الثقافية التابعة لجهات أجنبية ، وبالتالي سيؤثر ذلك سلبا علي الفريق لكن الجريتلي لم يستسلم حتي الآن ولن يتوقف عن العمل لأنه يري أن هذه الفرقة ساهمت بشكل كبير في إفراز عدد غير قليل من الفنانين الموهوبين والمطلوبين حاليا في السوق الفني والسينمائي بشكل أساسي، فعن الأزمة والورشة أكد الجريتلي قائلا: بالطبع فكرة الاستمرارية مرتبطة بعناصر أخري غير التمويل لأن التمويل بشكل عام يساعد علي نمو المشروع بطريقة عضوية فكل مرحلة تولد المرحلة التي تليها وهكذا، فكان من الممكن في البداية أن نحصل علي تمويل والمشروع ينتهي لكن المسألة لدينا كانت مختلفة فكل مرحلة كانت تولد لنا مرحلة جديدة، أيضا المسألة مرتبطة بالفرقة نفسها لأن المسرح تجربة جماعية فلا يمكن أن أقدم مسرحاً بمفردي ، فجميع أعمالنا كانت قائمة علي العمل المشترك لأن المسرح حيويته في العالم مرتبطة دائما بالجماعة، ونحن نخلق داخل المجتمع مجتمعاً آخر له قواعد مختلفة عن المجتمع ككل، التمويل مهم لكنه بلا مشروع أو فرقة لا يكون سببا في استمرار الفريق طوال هذه السنوات. ويضيف: في فترات سابقة كنا نستطيع أن نجد الدعم الذي يحقق المصروفات الأساسية للفريق، لكن أصبحت المشكلة حاليا هي دعم مشروع فني ما بين البحث والتدريب وما ينتج عن ذلك من إبداع مسرحي، فنتيجة هذا التدريب هي منتجات عديدة تتمثل في ليالي الورشة، وحاليا الجهات أصبحت للأسف تدعم المشروعات الصغيرة فقط. ويقول: لذلك لابد أن تكون هناك مؤسسة وهذه المؤسسة تتطلب الاستمرارية علي مستوي المالي والإداري وعلي مستوي فريق العمل الذي يعمل معنا وما سنحاول عمله السنة القادمة هو أنني سوف أبدأ في التعاون مع فنانين تخرجوا من المكان وعملوا في أماكن أخري واتخذوا قرارا بأن هذا هو مجالهم الأساسي وأنهم سيستمرون في العمل مهما حدث، ولابد أن تكون لهم علاقات في السوق البديل والهامشي، حتي لا يعتمدوا علينا اعتمادا كليا، وسوف نفتح مجالاً لتدريب المبتدئين، لكن دون مقابل إلي جانب ذلك لن أقرر تحقيق بدل تفرغ للعمل بالفرقة في الوقت الحالي خصوصاً وأنا شخصيا مؤمن أن الفنان لابد أن يكون لديه وقت يتفرغ فيه لتطوير موهبته الفنية، لذلك قررت أن أكثف ذلك بالفريق في ظل الإمكانيات البسيطة المتاحة، بمعني أننا سنقوم بعمل مجاورات لعدد من الفنانين، والمجاورة هو مصطلح أزهري بمعني أنه دائما المشايخ الكبار لديهم مجموعة من التلاميذ يتبعونهم في طريقتهم ويتجاورن دائما معهم، والمجاروة هنا ستكون بين مخرج ومصمم إضاءة وسينوغرافيا وسنقدم برنامج مجاورة جزء منه مهني وجزء خاص بالرؤية والثقافة العامة لأن المسرح دائما يجمع في بيته كل الفنون الأخري ، ثم استمر تقديم مشروعاتي الفنية مع فناني "الورشة". ويقول: الحقيقة أن الدولة أصبحت تفتح تدريجيا حواراً مع المستقلين وحدثت مؤخرا اتصالات مع جهات في الدولة علي أمل أن يحدث تعاون معنا، فأذكر أنه لم يحدث تعاون بيننا وبين الدولة إلا من خلال بعض الاستضافات البسيطة في مسرح الدولة مثلما حدث في عرض "رصاصة في القلب" حيث عرضنا ضمن برنامج مسرح الطليعة وحاليا لأول مرة يبدأ حوار مع البيت الفني للمسرح لكن لم نتفق بعد لأن أشرف زكي شرفنا بالحضور في الورشة وأعجب بعملنا وتمني إن يحدث تعاون بيننا. وعن فكرة عزوفه عن العمل الإداري بالدولة بعد عودته من فرنسا خصوصاً عندما استقال من مسرحي الطليعة ثم الهناجر أضاف الجريتلي: أنا مؤمن بأهمية المؤسسات ولا أرفض الفكر المؤسسي وعندما تم تعييني في مسرح الطليعة كان ذلك بناء علي نصيحة من الدكتور لويس عوض صديق والدي وأستاذي خصوصاً وأنا سبق وكنت مديرا لمركز مسرحي قومي في فرنسا وأدرت فرقة مسرحية متجولة في هذا المركز، فعندما أتيت إلي مصر قال لي لويس عوض إنني حتي أكون مخرجا لابد أن أعين في الدولة، لكنني اكتشفت صعوبة تعاملي مع المؤسسة الحكومية بسبب ما تعانيه من بيروقراطية في التعامل مع المستقلين، لذلك كنت أري دائما ومازلت بضرورة أن تكون هناك علاقة تعاقدية مع الدولة وهذا ما يحدث في فرنسا، لأنني مؤمن بأهمية اللامركزية وعندما أدرت فرقة المسرح بفرنسا كانت الحكومة تمنح تمويلا للفرق واضعة شرط "اللامركزية" بمعني أن يعملوا في مدينة إقليمية ويتم التعاقد بينهم وبين الدولة لمدة ثلاث سنوات فقط، ثم يجدد العقد، لذلك لابد أن تكون العلاقة بين المستقلين والدولة علاقة تعاقد ولا تبعية. ويؤكد: المشكلة في مصر أننا نعمل في نظام بيروقراطي لذلك انسحبت بالتدريج من الدولة فأذكر أنني وقتها تقدمت بإجازة دون مرتب وذهبت للعمل مع المخرج يوسف شاهين، كنت في الإدراة الفنية لفيلم بونابرت ثم مساعداً أول في اليوم السادس وساعدت في كتابة السيناريو مع زكي فطين عبد الوهاب ومع يسري نصر الله، ثم حدث اللقاء بيني وبين كل من منحة البطراوي وأحمد كمال وسيد رجب وعبلة كامل وهم من كانوا يبحثون عن طريقة أخري لتقديم مسرح مغاير ومختلف عن السائد، وهذا ما كان سببا في طرح فكرة "الورشة"، حتي نقدم مسرحاً لابد أن نقدم شيئاً آخر مختلفاً، ومن هنا بدأ يتحقق حلمنا ومشروعنا في هذا الفريق. وعن منهج الدراسة والعمل في الفريق يقول الجريتلي: في العالم أصبحت هناك حالة من التطور لنوع من التعليم وهو التعليم غير الرسمي في بلادنا، اعتدنا علي الشكل التقليدي للتعليم الرسمي فهو دائما له طابع لا يواكب التطورات والزمان، لذلك بدأت تخرج أشكال مختلفة من التدريب تواكب ذلك التطور خصوصاً أن هناك نوع من المسرح غير موجود بالمؤسسات التدريبية الرسمية، اتسعت رقعته فأصبحاً هناك أماكن بديلة لكننا في الورشة لسنا معهداً أو أكاديمية رغم إننا ساهمنا في تدريب عدد كبير من الفنانين وأصبحت لدينا سمعة معينة في السوق والوسط الفني، نظرا لالتزم المخرجين، ففي الورشة نتدرب علي الحركة، والرقص، والصوت، واللغة الفصحي في الشعر والسيرة الهلالية التي أصبحت جزءاً أساسياً من مناهجنا الدراسية لأنني اكتشفت أن التراث العربي لابد أن يكون نموذجاً ومرجعاً مثلما نتعامل دائما مع التراث الأوربي في المسرح بخاصة وفي السيرة الهلالية علي وجه التحديد، فهي تعتبر جزءاً من قرار اتخذناه في الورشة في وقت من الأوقات حيث قررنا أن يكون بجانب المصادر العالمية المسرح الأوربي، أن نستعير من الفنون الشعبية فهي تمنح العمل لوناً ونكهه خاصة، حتي إننا وجدنا مصادر أخري مهمة مثل خيال الظل والحكي وحواديت الدقهلية وإبراهيم أصلان فبالتالي أصبحت هذه مصادرنا في التعليم واكتشاف أشكال متنوعة في المسرح لم تكن مطروقة من قبل، فعلي سبيل المثال بيتر بروك يجدد المسرح الأوربي من خلال العودة للمصادر الإنسانية في أفريقيا واليابان والصين، بروك جاء إلي مصر ورأي السيرة الهلالية، فلابد أن نمنح مصادرنا العربية وجذورنا نفس أهمية وقيمة ما نمنحه للمسرح الأوربي، فمثلا عندما أردت تحويل السيرة إلي عمل مسرحي لأنها في الأساس عبارة عن ملحمة تحكي لم أحذف منها سطرا واحدا فهي قائمة علي حوار درامي ملحمي كان يجب استغلاله وتحويله لعمل مسرحي إلي جانب تقديمها في عروض الحكي مع عم سيد الضوي. ويقول: في النهاية هدفي من هذه المناهج وهذا الشكل التعليمي الصارم بالفريق هو عمل ما يسمي دائما بالممثل الشامل لأنني أري أن المؤدي لابد أن يغني ويرقص بغض النظر عن مدي احتياجه إلي ذلك في العمل الذي يقدمه لأنه سيطلب منه أشياء فيما بعد من المهم أن يستطيع تقديمها حسب قدراته فالممثل لابد أن يوسع رقعته، وبشكل عام من يلتحق بالفريق لابد أن يمر بفترة تعارف معنا في البداية.