هو ليس هجوما علي أصحاب الرأي المعارض، لكنه دفاع عن يوم خالد من أيام الوطنية المصرية.. ومع كامل الاحترام لكل رأي معارض لرأي الأغلبية، إلا أن التوفيق خان ذلك الرأي في اختيار يوم من أيام المقاومة المصرية الخالدة لمحتل اجنبي استمر في اغتصاب أرض الوطن قرابة السبعين عاما حتي اندلعت ثورة الشعب في شهر يوليو عام 1952 . دعوة حركة شباب السادس من ابريل - المعلنة علي الفيس بوك - لإعلان «المقاومة» في نفس يوم الاحتفال بعيد الشرطة المصرية دليل علي أنهم لم يقرأوا التاريخ، وإن كانوا قرأوه فإنهم لم يستوعبوا درس ذلك اليوم، ولم يفهموا المعني الحقيقي لكلمة المقاومة، تلك المقاومة التي قام بها جنود قسم شرطة الإسماعيلية البالغ عددهم مائة وثلاثين فردا أمام أكثر من سبعة آلاف جندي بريطاني تدعمهم الدبابات والعربات المصفحة ومدافع الميدان، مقاومتهم كانت دليل وجود الروح في جسد الوطن، وأنها لم تخرج منه بعد حتي يعلن العدو موته واستسلامه. دافع الجنود عن مبني قسم الشرطة لأنهم كانوا يدافعون عن الوطن كله، ومبني القسم هو الرمز له، سقط منهم خمسون شهيدا وجرح ثمانون خرجوا في طابور الشرف أمام جنود الفصيلة البريطانية والجنرال اكسهام قائد الفصيلة يؤدي لهم التحية العسكرية احتراما واكبارا لمقاومتهم الباسلة، أدي التحية العسكرية وهو يقول لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف لذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا. واليوم بعد ما يقرب من مرور ستين عامًا علي يوم الشرف الخالد، يختار البعض منا نفس اليوم للتجمع والخروج إلي الشوارع إعلانًا للمقاومة.. شتان بين المقاومتين.. وشتان بين اليومين.. مقاومة أولي كانت من مواطن مصري ضد محتل أجنبي.. ومقاومة ثانية من مواطن مصري ضد مواطن مصري آخر.. يوم أول فيه واجه الجندي المصري الجندي الأجنبي المحتل.. ويوم ثان سيواجه فيه الجندي المصري المواطن المصري الذي قد يكون جاره في بناية الشارع أو دوار البلد. مقاومة أولي دفعت الوطن نحو ثورة التحرير.. ومقاومة ثانية تدفع الوطن نحو كارثة الفوضي.. يوم أول كان الجرح فيه للمواطن في سبيل الوطن.. ويوم ثان سيكون فيه الجرح للوطن كله.. مقاومة أولي للدفاع عن شرف الوطن ضد مغتصبيه.. ومقاومة ثانية للهجوم علي رمز الوطن في مجنديه. ليست القضية محل النقاش يوم الخامس أو السادس أو السابع من يناير، لكن القضية هي فكرة مقاومة النظام والقانون بالنزول إلي الشارع واشاعة الفوضي والعبث بأمن المواطنين.. هناك سبل عديدة لإبداء المقاومة ضد أي ما يراه بعض المعترضين المخالفين في الرأي، وكلها سبل آمنة لا تحدث بسببها مواجهات قد تتطور إلي أبعد من التجمع أو التجمهر، مواجهات الفكر والرأي لا تحدث في الشارع. ما يحدث من مواجهات في الشارع لا يسفر إلا عن جروح ليست في أجساد بعض أشخاص فقط، لكنها جروح في جسد الشارع المصري كله.. ذلك الشارع الذي لم يعرف الجرح إلا في سبيل مقاومة المحتل كما فعل أبناء الإسماعيلية المصريين قبل ستين عاما مضت. ليس الجرح هو الذي ينزف دمًا فقط، أنه جرح صغير يندمل بعد حين، لكن الجرح الأكبر هو جرح التفرق والتشتت بين أبناء الوطن الواحد وهم يواجهون بعضهم علي أرض الشارع المصري، هو جرح لا يندمل سريعا لكنه يبقي غائرا في جسد الوطن تذكرة بما حدث. اختيار يوم الخامس والعشرين من يناير فيه تجاوز علي تاريخ الشرطة المصرية التي مهدت مقاومتها في ذلك اليوم إلي اندلاع ثورة الشعب في الثالث والعشرين من يوليو. دعوة النزول إلي الشارع هي دعوة إلي فوضي لا تتناسب مع ذكري ذلك اليوم الخالد في تاريخ الوطن. كان يوم الخامس والعشرين من شهر يناير عام 1952 هو معركة في شارع الإسماعيلية للدفاع عن الحرية للوطن.. وبعد مرور ستين عاما هل من العقل أن يكون يوم الخامس والعشرين من شهر يناير عام 2011 هو خناقة في شارع القاهرة للدفاع عن حرية العبث بالوطن!.