للشوارع في المدن القديمة مذاقات مختلفة تلهم زوارها من أنحاء العالم بما تعرضه للبيع وتشتهر به، كان لشارع خان الخليلي شهرة في المصنوعات التقليدية، وكان لشارعي هدي شعراوي وداود حسني بوسط القاهرة شهرة كبيرة في صالات المزادات المتخصصة في التحف والأنتيكات، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي وكان لأصحاب الصالات سابقاً رحلات موسمية لصالات المزادات وتجار التحف في العواصم الأوروبية الشهيرة لجمع" لوطات" تعرض في معارضهم. في الوقت الراهن، بدأت المهنة تأفل حتي صار المشهد الذي نلمسه الآن، فقد بدأ كثير من الصالات التي كانت أجواؤها تعبق بسحر وغموض القديم وأصالته، تتخلي عن التحف وتغير نشاطها، وأصبح من النادر أن يفد إلي تلك الشوارع من يبيع أو يشتري قطعة أثاث عريقة او سجادة نادرة. وبدأت تتواري أصداء صيحات التزايد علي التحف من بين جدرانها التي تختفي حالياً وراء قطع من الأثاث والديكور الصينية الصنع.. شاهدة علي زمن ولي. لا يمكن الصمت أمام زوال مهنة بكل ما تحمله كلمة "زوال" من صدمة رغم أن نشاط صالات مزادات التحف ليس من "مكملات" زمن ما، بل هي"مهنة" يتم توارثها بفخر وتتيح فرص عمل كثيرة لمرممين وعمال وخبراء للتثمين وفنانين وحرفيين بمختلف طوائفهم. لماذا لا تقدم تلك المعارض خدمات تقييم مجانية لمن يرغب في إعادة اكتشاف قطع أثاث وتحف أثيرة ورثها عن أحبائه؟ ولم لا تنظم قوافل من خبراء تقييم ومثمنين تطوف مصر من أقصاها لأدناها لاستكشاف ثروات مخبأة؟ بدلاً من ترك الساحة خالية لكثير من جامعي التحف من الخارج الذين يتنافسون علي اقتناء أشياء قد نظن أنها بلا فائدة مثل الكاميرات القديمة وماكينات الخياطة والمكواة الحديد والأباريق النحاسية وغيرها من أدوات جداتنا. ولماذا لا يستقطبون طلاب كليات الفنون والمدارس والمعاهد الثانوية الصناعية في دورات تدريبية بأسعار معقولة، ليكونوا نواة تتنشل المهنة من مصير الزوال؟