مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    58 مليون جنيه حصيلة بيع سيارات وبضائع بجمارك الإسكندرية والسلوم ومطروح    ب 330 مليون دولار، أمريكا تزود تايوان بقطع غيار طائرات مقاتلة والصين تتحرك    لأول مرة.. إشارة ل«دولة فلسطينية» بمسودة مقدمة لمجلس الأمن    كوريا الشمالية تدين دعوة مجموعة السبع لنزع سلاحها النووي    وفاة محمد صبري لاعب الزمالك السابق في حادث أليم    سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة وسط انتشار الخدمات الأمنية والمرورية    تالجو وروسي.. مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة منتخب مصر الثاني ضد الجزائر.. والموعد    سعر الذهب اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025.. عيار 21 بكام الآن بعد الارتفاع الكبير؟    45 دقيقة متوسط التأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 14 نوفمبر 2025    «مفيش إدارة بتدير ولا تخطيط».. نجم الزمالك السابق يفتح النار على مجلس لبيب    وليد صلاح الدين يكشف سبب غضبه قبل السوبر (فيديو)    تراجع سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    حكام مباراتي مصر أمام الجزائر وديا ضمن استعدادات كأس العرب    بإطلالة جريئة.. مي القاضي تثير الجدل في أحدث ظهور    أوكرانيا.. إصابة 11 في قصف روسي مكثف على كييف    محافظ الإسكندرية يكلف التنفيذيين ب «التواجد الميداني» لمواجهة تقلبات الطقس    وزير الطيران المدني يشارك في الاجتماع الوزاري للمفوضية الأفريقية    المالية: هدفنا الالتزام الطوعي بالضرائب وأوقفنا مؤقتًا حملات التهرب مع علمنا بالمخالفين    نانسي عجرم عن أغنية أنا مصري وأبويا مصري: استقبلوني كنجمة كبيرة ورصيدي أغنيتان فقررت رد التحية    رئيس مؤتمر «تبرع حياة مصر»: نُنظم حملات توعية لتثقيف المواطنين بالتبرع بالأعضاء    الجزائر.. اندلاع 17 حريقا في عدة ولايات    برشلونة ينهي آخر تدريباته بغياب 17 لاعبًا!    حماية المستهلك: ضبط 11.5 طن لحوم فاسدة يُعاد تصنيعها قبل وصولها للمواطن منذ بداية نوفمبر    ميسي يحمل قميص "إلتشي".. ما علاقته بمالك النادي؟    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    تامر عبدالحميد: الأهلي كان الأفضل في السوبر.. وبيزيرا وإسماعيل وربيع أفضل صفقات الزمالك    خبر حقيقي.. مؤلف «كارثة طبيعية» يكشف سبب فكرة العمل    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    السيطرة على حريق شب داخل سيارة ملاكي أعلى كورنيش المعادي    طوارئ بالبحيرة لمواجهة سوء حالة الطقس وسقوط الأمطار الغزيرة.. فيديو وصور    كلماتها مؤثرة، محمد رمضان يحول نصائح والده إلى أغنية بمشاركة المطرب إليا (فيديو)    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    شاب ينهي حياته غرقاً بمياه ترعة العلمين الجديدة بكفر الدوار بالبحيرة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    ابتلاع طفل لخاتم معدنى بالبحيرة يثير الجدل على مواقع التواصل.. اعرف التفاصيل    أمراض بكتيرية حولت مسار التاريخ الأوروبي: تحليل الحمض النووي يكشف أسباب كارثة جيش نابليون في روسيا    المركز الأفريقى لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي ل«مرض السكر»    جيش الاحتلال يستهدف جنوب شرقي دير البلح بإطلاق نيران كثيف وسط غزة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    أول تعليق من «الأطباء» على واقعة إصابة طبيب بطلق ناري خلال مشاركته في قافلة طبية بقنا    مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 في حادث تصادم سيارتين بالكيلو 17 غرب العريش    القانون يحدد شروطا للتدريس بالمدارس الفنية.. تعرف عليها    أذكار المساء يوم الجمعة – حصنك من الشر والهم والضيق    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    محافظ بورسعيد يبحث استعدادات إجراء انتخابات مجلس النواب 2025    نتنياهو يربط التعامل مع أحمد الشرع بهذا الشرط    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    4 أبراج «بيجيلهم اكتئاب الشتاء».. حسّاسون يتأثرون بشدة من البرد ويحتاجون للدفء العاطفي    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس وأوراق التوت العربية
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 16 - 01 - 2011

لا يفلح القهر في أن يكون بديلاً عن الجوع.. ولا يفلح اللطف في أن يكون بديلاً عن العنف.. هكذا نعرف منذ أن خلقنا الله، حتي هذه الأيام التي نعيشها الآن ونحن نتابع الأحداث علي كل الشاشات أولاً بأول.
ولا أقصد بها أحداث تونس وحدها، وإنما أحداث الجزائر، والأردن أيضًا، فماذا يحدث في بلادنا «العربية» التي زارها يومًا فريد الأطرش راكبا بساط الريح الذي هو (علي حد قول ذلك الأوبريت الغنائي الجميل) جميل ومريح، لأنه يرينا هذه الأوطان والأراضي العزيزة الغنية بكل شيء، من الخيرات الغذائية إلي الخيرات الثقافية.
لا يزال (بساط الريح) عملاً فنيا جميلاً عبر مبكرًا عن الرابطة العربية، وبعده جاءت أعمال فنية عديدة، خصوصًا بعد ثورة يوليو 1952 وصعود الحلم العربي إلي دائرة الضوء المحوري في سياساتها، مع ارتباطه بالحلم القومي ودولة الوحدة من المحيط إلي الخليج، عشرات الأغاني والأناشيد وآلاف بل ملايين الكلمات استهلكناها في الحديث عن الأمة العربية الواحدة، وصلت إلي ذروتها في نهاية عقد الخمسينيات، أيام الوحدة بين مصر وسوريا.
وواصلت حتي تراجعت بعد الهزيمة في يونيو 1967، مع ذلك مازال الكثيرون منا يؤمنون بالوحدة العربية وإن تسرب إليهم اليأس في إمكان تحققها، بالرغم من النموذج الأكثر أهمية للوحدة الذي انطلق مدويًا بدون أغانٍ ولا أناشيد، وأعني به نموذج الوحدة أو الاتحاد الأوروبي.
نجح هؤلاء بكل لغاتهم المتعددة، واختلافهم الأكبر فيما فشلنا فيه بلغتنا الواحدة، واختلافاتنا الأقل، تحول الاتحاد الأوروبي إلي قوة كبري وتقزم العرب إلي دول صغيرة فقدت إرادة التحقق علي جميع المستويات لأن متاعبها الداخلية توحشت وأكلتها من الداخل.
وللدرجة التي أصبحت رابطة الأخوة العربية هشة بل بالغة الهشاشة لا تجمعها مواقف الوفاق بل الشقاق ولنتذكر واقعة العنف بسبب مباراة كرة بين مصر والجزائر والصراع المشتعل بين المغرب والجمهورية الصحراوية وانفصال جنوب السودان عن شماله بعد سنوات من الانشقاق، وماذا بعد الآن؟!
مصر، الدولة المركز في (العالم) العربي.. وأحداثها التي بدأت منذ السبعينيات في القرن الماضي، أربعون عامًا من الأحداث الإرهابية، والطائفية تتناوب علي بلادنا، بينهما أحداث أقل ولكنها بالغة الضرر مثل بداية عصر الإضرابات والاعتصامات العمالية منذ سنوات احتجاجًا علي نتائج الخصخصة والإضرار بمصالح عمال الشركات والمصانع الذين يمثلون ثروة وقوة لا مثيل لها في كل مكان.
وأمس فقط أزيل الستار الحديدي عن تونس الشقيقة لنكتشف جميعًا في وقت واحد تقريبًا، وهذه ميزة وقيمة الإعلام الفضائي نكتشف أن الرئيس بن علي الذي تحدث أمس الأول إلي شعبه متعهدًا بإحداث تعديلات في الخبز والحرية، أصبح بالأمس (الخميس والجمعة) رئيسًا سابقًا بعد أن هرب بطائرته خارج البلاد وتولي رئيس وزرائه الغنوشي الحكم.
رأي العالم كله الأمن التونسي يضرب المواطن التونسي المحتج والمتظاهر لأيام طويلة دون أن يتحرك أحد لمنعه، وأصل ما حدث هو حكاية هذا الشاب الخريج (محمد بوعزيز) الذي لم يجد عملا فجلس علي الرصيف يبيع الخضار ليعول نفسه، وربما أسرته.
ولكن الأمن لم يعجبه هذا فهجم عليه وضربه وأفسد الخضار، وربما حمله في سيارة الشرطة، كما يحدث أحيانًا في بلاد أخري، لكن الشاب لم يحتمل هذا القهر، ومن المؤكد أنه لم يحتمل أن تجوع أسرته بسبب هذا السلوك الأحمق من الشرطة، فأشعل في نفسه النيران ليحترق وليشعل النار في نفوس غيره من الشبان الذين بلا عمل.. ولا رزق.
فالقهر ليس بديلاً عن الجوع لا في تونس ولا أي مكان آخر في العالم، وكذلك اللطف الذي يمتازبه إخواننا التوانسة ليس ولم يكن بديلاً عن العنف الذي تفجر منهم بعد هذه الحادثة. اللطف والمؤانسة والمودة كلها صفات تصلح لمجتمعات غير متوترة أو مقهورة، حتي لو بدت الوجوه مبتسمة أو تدعي هذا، أعرف أهل تونس اللطفاء جيدًا، وأعرف أهل الجزائر، وأهل الأردن، الفروق بينهم كبيرة، لكن المحنة الاقتصادية جمعتهم وأزالت هذه الفروق، ولهذا خرج الجزائريون إلي الشوارع احتجاجًا علي رفع الأسعار لدرجة لا تحتمل، وبعدهم خرج الأردنيون لنفس السبب، الأنظمة مختلفة ما بين جمهورية وملكية ولكن الخروج واحد.
لأن السبب واحد هو شعور المواطن بالمهانة أمام السلع، الإنسان أهم من السلعة لكن السلعة في «بلادنا» العربية أصبحت أكثر أهمية وقيمة من المواطن الذي لا يطولها وهي ترتفع دائمًا لتصبح عزيزة عليه، مطيعة فقط للأقلية التي تملك، إنها الوحدة العربية الجديدة من الأبواب الخلفية، وحدة الشقاء وارتفاع الأسعار والبطالة والشباب المحبط بلا أمل، وحدة لا تترك للناس خيارات عديدة أو فرصًا مثلما يحدث في رحاب الاتحاد الأوروبي الذي يسع بعضه البعض الآخر، ويحتوي أغنياؤه مشاكل فقرائه.
لكن في إطار «العالم العربي» توجد وحدة الألم فقط من خلال سياسات متشابهة تعجز عن إعالة الأغلبية وليس إسعادهم.. والموضوع لا يتعلق بالاقتصاد والأسعار فقط، لا في تونس أو الجزائر أو الأردن، ولكن بأمور أخري لا تنفصل عن رغيف العيش وعمار البيوت، أشياء مثل حقوق الجميع في التواجد والتعبير بعيدًا عن التهميش والإقصاء.
ومن المثير للدهشة هنا، بل ربما الضحك، أن البعض من الأقوياء في كل بلد عربي يظن أنه بإمكانه عزل غيره بل إبعاده تمامًا من الصورة بفعل وسائل إعلامه الخاصة.
ناسيًا أن هذا لم يعد ممكنًا الآن بفعل ثورة الإعلام التي أتاحت لكل من يريد أن يعرف ماذا يحدث حوله أن يعرف، نعم للإعلام خطايا وسلبيات، ولكن له شرف فضح ما يجري وراء الغرف والأسوار المغلقة، وله شرف بث الصورة المعبرة عن تغيير هائل، في نفس لحظة حدوثه، تمامًا كما حدث في تونس أمس الأول الجمعة، حين تحدث الرئيس بن علي من عليائه لشعب يغلي أكثر من 20 يومًا، فإذا به، بعد ساعتين، يغادر الأرض والشعب والرئاسة معًا وليصبح يوم 14 يناير عام 2011 هو يوم تونس، ورسالتها للعالم.
للطف حدود، والجوع حدود، ولكن العنف بلا حدود.. هل يعي أحد هذا؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.